رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤية الهلال.. من دكة القضاة لدار الإفتاء

رؤية هلال رمضان
رؤية هلال رمضان

 بدأ بعين بشرية مجردة يتوجه صاحبها إلى مكان مرتفع، وينظر في السماء بحثًا عن بشائر الهلال الجديد، ثم تحول الأمر إلى حسابات فلكية وعلمية، وإن ظل البعض ممسكًا بتلابيب ومظاهر رؤية العين، فاحتفالات "استطلاع هلال رمضان" ما زالت قائمة، لكن حسابات فلكية بالغة الدقة وأخرى تقنية هامش خطأها صفر.

 

اقرأ أيضًا.. القواعد والإجراءات المتبعة لرؤية الهلال في مصر

 

اختلفت الطقوس، وتراوحت مواكب الباحثين، وتطورت أدوات البحث، لكن النظر إلى السماء بحثًا عن الهلال ظل "عنوان الاستطلاع".

 

أضواء المساجد

 

الأضواء في المساجد وحولها تظل سمة مميزة في مصر ليلة الرؤية على مر مئات السنوات، حيث تتغير أنظمة، تتواتر عقود، تتأزم أوضاع اقتصادية، تتحسن، تحدث قلاقل سياسية، تستقر، صيف، شتاء، حر، برد، تظل الأضواء التي تسطع في ليل مصر من المساجد وحولها سمة "ليلة الرؤية".

 

 على الرغم من ثبات الأضواء في ليلة الرؤية، فإن مصادرها تغيرت عبر العصور، فالأضواء الكهربائية اليوم كانت من قبل مصابيح زيتية أو شموعًا أو نيرانًا، وكذلك الحال بالنسبة لليلة الرؤية، والغريب أن تاريخ السنوات الأولى لرؤية هلال رمضان ليس متوافرًا، لكن المؤكد أن خروج مجموعة من الرجال من أهل الثقة والعلم للبحث في سماء القاهرة عن الهلال الوليد ظل الطريقة المعتمدة لاستطلاع الهلال.

 

دكة القضاة

 

هناك إجماع من المؤرخين والباحثين على أن أول من خرج لاستطلاع الهلال كان القاضي أبوعبدالرحمن عبدالله لن لهيعة في عام 155 هجرية، وهو تقليد تم ترسيخه، وتوالى خروج القضاة بعدها كل عام لاستطلاع الهلال.

 

 

معدات الرؤية كانت "دكة" عند جبل المقطم جنوب شرقي القاهرة، تعرف بـ"دكة القضاة"، وظلت الـ"دكة" علامة من علامات ليلة الرؤية وملازمة للاستطلاع.

 

 عاشت "الدكة" أزهى عصورها في ظل العصر الفاطمي في مصر، إذ أمعن الفاطميون في تزيينها وتجميلها، لا سيما أن الخليفة الفاطمي أصبح يخرج بنفسه على رأس موكب احتفالي في حال ثبوت رؤية الهلال، مرتديًا أفخم الملابس وأبهاها، ومن حوله الوزراء وكبار رجال الدولة وجحافل الجنود أمامهم، ليعلن بنفسه للمصريين أن اليوم التالي أول أيام شهر الصيام.

 

 لكن حدث أن تقرر نقل موقع الرؤية التقليدي من جبل المقطم إلى الحنفي، ولم تختلف الطقوس نفسها، فإذا تأكدت الرؤية تتم إضاءة مصابيح المساجد، وكذلك المحلات التجارية إيذانًا ببدء الصيام.

 

جهود التطوير

 

ظل الحال على ما هو عليه، وإن بذل حكام كل عصر جهودًا للتطوير والتحسين وإضفاء ألوانهم المتفردة على الاستطلاع، ففي العصر المملوكي، ظل قاضي القضاة يخرج في موكب احتفالي للبحث عن الهلال ومعه القضاة الأربعة الذين يمثلون مذاهب السنة الرئيسة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، كشهود على الرؤية.

 

التحول العثماني

 

الرؤية ظلت على حالها أيضًا حتى العصر العثماني، الذي أعاد ولاته مكان الاستطلاع إلى المقطم، وإن بقيت نقطة التقاء قاضي القضاة والقضاة الأربعة هي المدرسة المنصورية في "بين القصرين"، ثم ينتقل الموكب الاحتفالي إلى المقطم، يتبعهم التجار وأصحاب الحرف، وذلك حتى ولاية الخديوي عباس حلمي الثاني في 1892، الذي أمر بنقل مكان الرؤية إلى المحكمة الشرعية في حي "باب الخلق" (جنوب القاهرة).

 

 

التطور الكبير طرأ على استطلاع هلال رمضان، مع تدشين دار الإفتاء المصرية التي أصبحت المسؤول الرسمي عن مهمة البحث عن الهلال، بدءًا من عام 1895، على مدار السنوات والعقود، وعلى الرغم من أية ظروف سياسية أو اقتصادية أو أمنية، تعد دار الإفتاء العدة بعد غروب شمس يوم 29 من شهر شعبان من كل عام لاستطلاع هلال رمضان.

 

يشار إلى أن استطلاع الهلال، وإن اقترن بالإسلام والأشهر الهجرية على مدار 1443

عامًا، فإنه كان معمولًا به لدى العرب قبل الإسلام بقرون، واعتادت القبائل استطلاع الأهلة لتحديد مواعيد الأشهر الحرم، وأوقات الخصومة، والحروب والحج.

 

العلم والعين المجردة

 

مع تطور علم الفلك وحساباته والأجهزة والتقنيات، بدأ خلاف يدب بين المطالبين باتباع قواعد العلم والتوقف عن رحلة استطلاع الهلال بالعين المجردة أو "التلسكوب"، وفريق آخر يصر على الرؤية الشرعية، سواء تقدم العلم أو تأخر، وفريق ثالث رأى الجمع بين الاثنين.

 

دول عربية دأبت على دعوة مواطنيها إلى تحري الهلال، ومن يراه يشهد بذلك في المحكمة الشرعية، لكن هذه الطريقة لم تخل من سقطات وهفوات، منها ما جرى في السعودية خلال 1984، حين صام المسلمون 28 يومًا، بعد أن رأى المستطلع كوكبي عطارد والزهرة فظن أنهما الهلال.

 

 من جهة أخرى، فإن ظروف الطقس والعوامل الجوية كثيرًا ما تعرقل رؤية الهلال، وهناك من الدول من ينتهج نهج بدء الصيام في حال تحرت دولة مجاورة الهلال، وهناك دول إسلامية لا تتبع سوى الحسابات الفلكية.

 

المزج بين العلم والدين

 

عدد كبير من الدول يمزج بين الرؤية التقليدية والحسابات الفلكية ومنها مصر، فدار الإفتاء المصرية تعتمد على رؤية الهلال بالعين المجردة، وكذلك عبر المراصد والأدوات الفلكية الحديثة، ويرتبط كل من دار الإفتاء والمعهد القومي للبحوث الفلكية باتفاقات تعاون وتنسيق علمي فيما يختص برؤية الأهلة ورصدها، وإحدى هذه الاتفاقات تنص على تقديم الاستشارات في مجال الحسابات الفلكية لتحديد رؤية الهلال الجديد بعد غروب شمس يوم 29 من كل شهر هجري.

 

 

لجنة شرعية فلكية

 

هناك لجنة دائمة مشتركة بين دار الإفتاء المصرية ومعهد الفلك لرصد الأهلة، ويبلغ عدد المواقع المخصصة لذلك في مصر خمسة، جميعها أعلى جبال في محافظات مختلفة، وتعتمد اللجان على "التلسكوب" الفضائي المحمول في الاستطلاع، ويتحتم على العالم الشرعي الذي يتحرى الهلال أن يخبر المفتي هاتفيًا، ويصف الهلال بشكله والجزء المضيء منه، بالتعاون مع عالم الفلك. 

 

 تقبل دار الإفتاء نظريًا، شهادة المواطنين العاديين في حال رأى أحدهم أو بعضهم الهلال، وذلك بعد إبلاغ معهد الفلك، وإن رأى علماء المعهد أن الرؤية حقيقية، يتم تحويلها إلى دار الإفتاء لمزيد من التحري الشرعي، وهو ما لم يحدث من قبل، ويتحتم على أعضاء لجنة الاستطلاع في كل من معهد الفلك ودار الإفتاء أو المواطنين الذين يرون الهلال القسم على صدق الرؤية.