عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حقيقةً لا أستطيع أن أتفهم، لِمَ قد يغضب البعض، إن وجدوا من يعترض على ما يقولون؟، وكأنَّ من المفترض أن تُسلِّمَ لكلامهم تسليماً كاملاً أو أن تقبله قبولاً تاماً، بلا مناقشة أو اعتراض أو جدال، فالأمر من وجهة نظرهم بات محسوماً. وكأنهم ملكوا كل أسباب المعارف بالكلية، أو امتلكوا مفاتيح خزائن كل الحقائق الكونية.

شخصية كهذه قد تكون مصابة بداء النرجسية، فينتابها الغرور القاتل، والذى يرى فيه الشخص نفسه دائماً على صواب، دوماً كلامه حقائق مُسلَّم بها، فذاته لا تخطئ أبداً، وعقله لا يضل أبداً، يرى ذاته صاحب القرار الأول، لا عليه إلا أن يأمر، فيُطاع، ويُقر أمراً فَيُنفذ بلا نقاش، ويطلب شيئاً فتُسمع كلمته وتُحقق مطالبه بلا جدال.

وقد لا أتفهم أيضاً، لماذا حينما يعترض شخص على شيء ما يقوله آخر- وهذا حق لأى شخص بطبيعة الحال- لماذا يفهم من نُعارضه أننا نُعارضه لشخصه؟ وبمنتهى السذاجة فى التفكير يظن أنّنا نُقلّل من إمكانياته، أو نُصغِّر من عظيم ذاته، أو نُسفِّه من علمه، فَيَظُن أن ما يقوله غير قابل للنقد أو التوجيه أو حتى الاعتراض ومُلزم لجميع الأطراف.

وكيف ذلك! ونحن بشر، نُصيب ونخطئ، ننجح ونفشل، معرفتنا بكل الأمور، وإدراكنا لكل الحقائق، وتعرفنا بكل أنواع المعارف، أمرٌ مستحيل، وأبعد ما يكون عن الواقع، وأشبه بالخيال. 

نحن نُعارض ما يقول به الآخرون، نعارض الكلام، الأقوال، الرؤى، ووجهات النظر، نعارض ما يقدمونه من أسباب لآرائهم أو ما يقدمونه من نتائج محتملة لقراراتهم.

فحتى القاضى مثلاً، والمُخوَّل له أن يحكم بين الناس فى أمور حياتهم ومعاشهم، أو أن يصدر أحكاماً قد تنهى حياتهم بالمرَّة، حتى القاضى لا يصدر حكمه إلا بعد أن يسمع الجانى والمجنى عليه، إلا أن يُعطى حتى للجانى فرصته الكاملة فى رد التهمة عنه وتقديم ما يُفيد براءته مما هو منسوبٌ إليه، وبعدها وبعد أن استقر الحُكم فى عقله وضميره، يتجرأ القلم أن يكتبه بعدما استقرت النفس عليه واطمأنَّت له، ويأتى الاطمئنان أو راحة الضمير لأنه أعطى الطرفين حقهما الكامل فى سماع أقوالهما، وفى عرض حيثياتهما، فى الدفاع عن أنفسهما، فيَحكُم بعدها بما يراه صحيحاً وفقاً لقواعد المنطق القانونى مع توفر الدليل.

فالآراء المعارضة للرؤى، هى أمر صحى وكاشف، نعم كاشف، أليس من الممكن لرأيٍ معارض أن يكشف لنا عن حقيقة قد تغيب عنا؟، أو أن يتفتق ذهنه مثلاً لنتيجة سلبية قد تحدث ولم يتفطن لها صاحب القرار، وحتى لو ردّد صاحب القرار- أيَّا ما كان كلُّ فى موقعه وتخصصه- أن الكثير يتفقون مع رأيي!

فلكى ترى الحقيقة بأبعادها الكاملة وزواياها المتعددة، فلم ولن تستطيع ذلك بمفردك، ولن تُسعفك إمكانياتك الذهنية، وقدراتك العقلية والبدنية، أنت فى النهاية بشر، من الممكن جدا أن نكون مخطئين حتى لو امتلكنا الخبرات العظيمة والإمكانيات الفردية الهائلة وحتى لو بلغ بك العمر مبلغه، فلا تستكبر أن تستفيد من تجارب من هم أقل منك عمراً، فتأخذك العزة ويتملكك الاستعلاء، لا تنس أنت بشر تغيب عنك جوانب الحقيقة الكلية.

لذلك لزم أن تسمع لغيرك، عسى أن يملك حُجة قد لا تمتلكها، أو أن يطرح فكرة قد تغيب عنك، أو أن يمتلك قلباً وضميراً سليماً افتقدتها فيمن حولك، عسى أن تجد أفراداً لا يريدون مصلحة ولا يبتغون منفعة منك قد يصبو إليها من حولك فيوافقون على كل ما تقول فى سبيل تحقيق مآربهم والوصول لمُبتغاهم حتى وإن دُفنت الحقيقة وهى على قيد الحياة، أفراد هدفهم الحق والحقيقة، فالشورى واجبة لذوى العلم وأهل التخصص، وأيضا فيمن يُفترض فيهم توفر قيم النزاهة والعدالة، وبذلك تستقيم الأمور.      

[email protected]