رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

على فكرة

أمس مرت الذكرى التسعون لمولد رجاء النقاش فى 23 أغسطس 1934، بعد رحيله فى 8 فبراير عام 2008. عن 74 عاما، بعد أن شكلت تجربته النقدية والصحفية والفكرية على امتداد أكثر من خمسين عاما، عالما فريدا فى مجال كتاباته فى النقد الفنى والأدبى. وفيه استخدم ببراعة لغة شعرية، اتسمت بالبساطة والعمق، وابتعدت عن التعقيد والتكلف والتقعر والمصطلحات، بما حق معه القول إن النقد الأدبى قد أصبح فى قاموسه معادلا للماء والهواء. وربما صور ذلك لقارئه من فرط البساطة التى عاينها، أن بإمكانه أن يحذو حذوه، ويصبح كاتبا مثله. وقد عد ذلك نقلة نوعية فى حقل الكتابة النقدية، ومدرسة ساهمت فى إخراج النقد من ساحته النخبوية، إلى ساحة أكثر جماهيرية واتساعا، لا سيما ومعظم إنتاجه كان ينشر فى صحف يومية ومجلات أسبوعية، فضلا عن المنشور منها فى المجلات الشهرية العربية والمصرية وفى الكتب.

كان «النقاش» فى معركة دائمة من أجل كسب العقول. لهذا كان القارئ العادى مقصده والهدف الذى تخاطبه كتاباته. فهو يسعى دائما للتحاور معه، ليحفزه على التأمل السياسى والثقافى، والتفرقة بين ما هو غث وما هو سمين، ومراجعة الأفكار والحقائق التى تبدو راسخة من فرط الإلحاح الدعائى على رسوخها، دون مسوغ سوى غياب العقل النقدى المتقد، الذى ينهض من أجل مراجعتها، وإزالة أطنان الغبار عن المنسى منها، فى التراث الثقافى والفكرى والدينى والعلمى. وهو التراث الذى أنار ظلام العصور الوسطى، وساهم بجدارة فى صناعة الحضارة الغربية. وفى هذا السياق، كان مألوفا أن يؤرق كتاباته، التغاضى عن فكرة خيمت على عقله ووجدانه اختصرها الفقيه ابن القيم فى قوله «أينما يكون العدل، فثم شرع الله».

فى تجربته الصحفية نجح نجاحا مبهرا، فى أن «يصنع من الفسيخ شربات». وفى بداية السبعينيات الماضية، تولى رئاسة تحرير مجلة الشباب التى كانت تصدر عن أمانة الدعوة والفكر فى الاتحاد الاشتراكى، فحولها بإمكانيات ضئيلة، من مجرد نشرة تعبوية ودعائية، إلى مجلة ثقافية عامة شديدة الإمتاع والعمق، تحفل بالتنوع والجديد الدائم. وعلى صفحاتها نشر نجيب محفوظ الفصل الأول من روايته الحب تحت المطر. كما نشر أول حديث يجرى فى الصحافة المصرية مع ياسر عرفات بعد النكسة، وصفحات من التاريخ المصرى، تثبت دروسه فى أجواء النكسة، أن الهزيمة ليست سوى مجرد فصل من فصول هذا التاريخ، وأن الانتصار عليها آتٍ لا محالة.

وكانت تجربته فى مجلتى "الإذاعة والتليفزيون" و"الكواكب" مماثلة. وعلى صفحات الكواكب قدم جيلا جديدا من الكتاب والنقاد والشعراء والقصاصين والفنانين والمطربين، شكل عماد الحركة الثقافية والإبداعية فى مصر والعالم العربى فى الثمانينات والتسعينيات. وعلى صفحاتها عرف القراء جيل المخرجين والكتاب من رواد حركة السينما الجديدة، والحركة النقدية التى واكبتها. سلك هذا الطريق فى التنقيب عن المواهب والدفع بها إلى المجال العام، والذهاب إليها حيث توجد، وإخراجها من العتمة إلى النور، كما فعل عام 1968 مع ظاهرة الشيخ إمام ونجم، ليس بسبب بداهته وفطنته فقط، بل كمثقف موهوب، تملى عليه مسئوليته الاجتماعية والأخلاقية، أن يسلط أشعة الضوء على أجيال جديدة خدمة لمواهبها وللوطن.

ولعله كذلك الإيمان بالقدرة الخارقة التى يمتلكها الحب، الذى كان عنوانا لمسيرة رجاء النقاش الإبداعية والحياتية. ولذلك لم يكن صدفة أن يصدر كتابه عن «أبوالقاسم الشابى» بكلمة لتشكوف تقول: إن كان فى وسعك أن تحب، ففى وسعك أن تفعل أى شىء.