رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

فى مذكرات عبدالوهاب المسيرى حكاية لافتة تستحق الالتفات، ففى صباه كان يستغرب دعاء إمام مسجد دمنهور كل جمعة وهو يستعيذ بالله من علمٍ لا ينفع. كان رأس المفكر يسأله وهو صغير إن كان هناك بالفعل علم لا ينفع، وظل السؤال حاضرا حتى سافر للدراسة فى الولايات المتحدة. وهناك فى أحد الأيام نظمت إدارة الجامعة للطلاب زيارة للعالم الكبير أوبنهايمر الذى اخترع القنبلة الذرية، وتناقشوا معه فى الفلسفة والحياة والفكر. وسأله الطالب المصرى عن شعوره عندما قامت أمريكا فى 1945 بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، وقتل آلاف الأبرياء. ولاحظ «المسيري» تغير ملامح الرجل، وسكوته لفترة طويلة يفكر، قبل أن يقول له «لقد تقيأت». ووقتها فقط أدرك معنى دعاء خطيب الجمعة فى دمنهور مستعيذا من علم لا ينفع، بل يضر ويخرب ويدمر.

وهكذا فإن المعرفة ليست جميعا نفعا وخيرا ونورا، فهناك علوم مدمرة، وبالمثل هناك كُتب أحرقت قلوبا وبدلت عقولا وفتت دولا وسحقت شعوبا.

 وفى ظنى فإن هناك قوائم لأسوأ الكتب فى بلادنا، مثلما توجد قوائم لأفضل الكتب. وربما كان كتاب «الأمير» لنيقولا ميكافيللى واحدا منها، اذ يحتوى على أساليب وأفكار تروج للانتهازية والهيمنة السلطوية. ويُذكر أن محمد على، والى مصر سمع به، فطلب من مترجمه قراءته واطلاعه على ما به. وبالفعل استمع منه لفقرات من الكتاب، لكنه شعر أن مستوى الشر فيه أقل مما ينبغى، فطلب من مترجمه أن يكف عن اطلاعه على المزيد لأن ما يعرفه من حيل أعظم مما يطرحه الكتاب.

كذلك، كان كتاب سيد قطب الشهير «معالم فى الطريق» يعد نموذجا صريحا للكتابة المُلغمة التى تقود الناس نحو الانقسام والاقتتال. وليس سرا أن كافة الجماعات التكفيرية التى نشأت فى العالم العربى خلال النصف الثانى من القرن العشرين استمدت أفكارها الأولية من هذا الكتاب، فكتب محمد عبدالسلام فرج كتابه «الفريضة الغائبة» ليؤسس مفهوم الجهاد ضد المسلمين الجاهليين، ثُم كتب غيره كتيبات شارحة ومفصلة للفكرة لتتحول مجتمعاتنا إلى ساحات دم.

كُتب الثورات الكاذبة والبطولات الزائفة والشعارات الرنانة تدخل أيضا ضمن كُتب السوء التى لا تنفع. فمنها مثلا كتاب شعاراتى سطحى عرف باسم «الكتاب الأخضر» قيل إن معمر القذافى هو مؤلفه، وتضمن شعارات ساذجة عن العدالة والمساواة، بينما ناقضت كثير من عباراته التعددية السياسية مثل «من تحزب خان»، و«المجلس النيابى مجلس غيابي» وغيرها من العبارات الساذجة. كتب أيضا جمال عبدالناصر كتابا بعنوان «فلسفة الثورة» تضمن أفكارا مهلهلة حول مستقبل كاذب وتوجهات غير عادلة، وأثبتت التجربة العملية أنها ضد المنطق العملى، وأنه لا معنى لثورة لا تُحرر الإنسان.

أما صدام حسين، طاغية العراق العظيم، فقد كانت له رواية شهيرة بعنوان «زبيبة والشياطين» قيل إن كاتبها مبدع مصرى معروف، تضمنت تكرارا لأفكار النظم الشمولية الدموية والتى تفترض وجود مؤامرة دائمة لا تنتهى ضد الوطن ينفذها الأشرار، وتحكم بالخيانة على كل من يختلف مع رأس النظام. 

ولا شك ان كتب النفاق والتطبيل وتزوير التاريخ فى بلادنا تكدست وملأت الرفوف على مدى نصف قرن وأكثر، كلما تبدلت سلطة زعق ألف زاعق تقبيحا وتشويها للسابقين ارضاء للسلطة السائدة. غير أن قراء اليوم أفضل حظا من قراء الأمس، ففى ظل التطور التكنولوجى، وانهيار الحواجز، واتساع شبكات الحوار، وحرية النقد التى تكفلها التكنولوجيا رغم أنف الشموليين صار القارئ أقدر على استقراء ما يكتب، غير عابئ باسم رنان وغير منساق لتوجيهات أو حملات ترويج سلطوية لكتاب ما، وأصبح حرا تماما فى اختيار ما يقرأه.

والله أعلم

 

[email protected]