رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ونس الدكة

فى غضون ساعات قليلة كانت لوحة «العشاء الأخير» للفنان الإيرانى محمد على الصنوبرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية فى إيران، وهى محاكاة للوحة «العشاء الأخير»، للرسام الإيطالى «ليوناردو دافنشى»، قد انتشرت بين رواد مواقع التواصل الاجتماعى العربى بسرعة البرق، نشرها فنانون تشكيليون ومثقفون وأساتذة جامعة ومواطنون عاديون من كل الفئات شباب وأطفال وكبار فى السن، الكل يريد ان يشارك فى تلك الصفعة المدوية التى ضربها الفنان الأيرانى محمد على الصنوبرى على وجة العالم القبيح والمتجسد فى عرض افتتاحية «أوليمبياد 2024.. المقامة فى العاصمة الفرنسية باريس، حيث كان من بين فقرات الحفل عرض تضمن محاكاة للوحة «العشاء الأخير»، للرسام الإيطالى «ليوناردو دافنشى» التى تجسد مشهد وجبة العشاء الأخيرة، التى تجمع على تناولها السيد المسيح مع تلاميذه من الحواريين، قبل القبض عليه وصلبه، وذلك وفقًا لمعتقدات الديانة المسيحية، وقد جاء هذا العرض بشكل ساخر ومسىء لسيدنا عيسى (عليه السلام)، ولمقامه الكريم، بحسب ما تقول د. غادة محمد عبدالرحمن، مضيفة انه لاسيما أن من شارك فى العرض مجموعة من الشواذ والمتحولين جنسيًا، ما أدى إلى حدوث حالة من الغضب العالمي، وموجة عارمة من الانتقادات الحادة لهذا العرض.

هذا ولم يجد منظمو حفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية، وأمام ثورة الغضب العارمة التى اجتاحت العالم، مفرا من تقديم اعتذار رسمى عن العرض المسيء، حيث أعلنت المتحدثة الرسمية باسم أوليمبياد باريس 2024 آن ديكا فى مؤتمر صحفى باهت وكاذب أنه بالتأكيد لم تكن هناك نية على الإطلاق لإظهار عدم الاحترام لأى طائفة دينية، وأن حفل الافتتاح حاول الاحتفاء بقيم التسامح، وقالت إنهم يعتقدون أن هذه الرغبة تحققت، وإذا شعر الناس بأى إساءة فهم يأسفون لذلك حقًا.

لوحة العشاء الأخير للفنان الإيرانى محمد على الصنوبرى تمثل السيد المسيح وهو يتوسط طاولة متواضعة يحيط به أطفال غزة يتحدثون اليه وتعبيرات وجوههم البريئة تشى اليه بالأهوال التى يعيشونها تحت القصف الصهيونى المجرم منذ السابع من أكتوبر 2023، وفى خلفية اللوحة وبدرجات اللون الرمادى الذى يقترب من السواد نجد حجم المأساة الفلسطينية، على شكل بيوت مهدمة وحطام وحجارة مبعثرة فى كل مكان وسحب داكنة، ولكن يبقى الأمل فى علم فلسطين المعلق بكبرياء وشموخ على إحدى تلك الخرابات لتلقى عليه أشعة الشمس الحثيثة قليلا من الضوء توحى بالنصر ولو بعد حين.

جمال لوحة الفنان الايرانى محمد على الصنوبرى من وجهة نظرى فى عودة اليقين مرة أخرى إلى سطوة الابداع وقدرته على التغيير فى الفكر الجمعى حينما يخرج صادقًا، تعاطف السيد المسيح عيسى عليه السلام وجلوسه حول أطفال غزة رسالة شفيفة تصل إلى قلب كل مؤمن فى أرجاء العالم بالقيم الانسانية من حب وخير وجمال، لوحة رغم محاكتها للوحة الأشهر للفنان الأيطالى «ليوناردو دافنشى»، فهى الأعمق برسالتها لعالمنا الحالى الذى يروج له الغرب بالشذوذ وازدراء الأديان وتخريب العقول بأفكار سامة كالعولمة والتجارة عبر القارات، والبعد عن العادات والتقاليد والهوية التاريخية لكل بلد ومنطقة جغرافية.

هل لوحة «العشاء الأخير» للفنان الإيرانى محمد على الصنوبرى هى الأولى التى يلجأ فيها الحس الإبداعى إلى السماء طالبًا الشفاعة والنصر؟ الاجابة بالنفى ففى شهر ديسمبر 2023 اى بعد شهرين فقط من بداية الهجوم الصهيونى الوحشى على قطاع غزة قام الفنان المصرى محمد دمراوى فى معرضه الجديد (العشاء الأخير)، الذى يرصد الأوضاع الصعبة التى يعيشها الشعب الفلسطينى جراء القصف الإسرائيلى الهمجى لقطاع غزة، من خلال مشهد فنى بانورامى يجسد أطفال غزة كأنهم ملائكة تحلِّق على مائدة العشاء الأخير مع السيد المسيح عيسى عليه السلام. المعرض استضافه فى ذلك الوقت «غاليرى ديمي» فى ضاحية الزمالك بالقاهرة، ويوثق دمراوى من خلاله معاناة الفلسطينيين، خصوصًا أطفال غزة، الذين طالهم العدوان الإسرائيلي، ما أدى لاستشهاد أكثر من خمسة آلاف طفل حتى الآن. وقد أعلن الفنان تخصيص نصف عائد مبيعات لوحات المعرض للهلال الأحمر والمساعدات الموجهة لقطاع غزة. فى هذا العرض، خصص دمراوى عملًا فنيًا اختار له عنوان «ملائكة غزة»، يجسد من خلاله ويلات الحرب وتداعياتها، خصوصًا على الأطفال، وكم المأساة التى يتعرضون لها فى كل لحظة، وهذا الكم الكبير من الضحايا بينهم، وهى مأساة نالت كذلك من براءة وأحلام من نجا منهم.

يقول دمراوي: «عندما يندمج الفن التاريخى والإبداع المعاصر، فإنك ترى نفسك مُحاطًا بالأعمال الفنية المُستلهمة من لحظات تاريخية مهمة، وتعيد تفسيرها بأساليب فنية معاصرة، وهذا من شأنه أن يتيح لنا فرصة لاستكشاف أبعاد جديدة من الفن والروحانية الممتزجة بالكثير من الجمال والإلهام».

ربما ما قلته سابقًا هو محاولة مستميتة لإرضاء ضميرى الانسانى ليتوقف عن الصراخ والنحيب، والعيش ليلًا فى كوابيس وأحلام مرعبة، وهو العاجز والمشلول أمام شاشات التلفاز يشاهد ولا يشارك.

ضميرى الانسانى.. هذا الخوف الممزوج باعتياد رائحة الموت والخراب الفلسطينى اليومى كقهوة الصباح المرة، أو كما يقول الباحث الفلسطينى سامر أبو هواش: ان القتل هناك بات أمرا يوميا، ثابتا من ثوابت الحرب، عدادا تتوالى الأرقام على صفحته. الصور المرعبة باتت هى الأخرى مكرّرة، كلّ ما من شأنه أن يهزّ العالم، لم يعد يهزّ أحدا. مرة أخرى، نجحت آلة الحرب الإسرائيلية فى جعل الموت شأنا اعتياديا. لتدرك فداحة ما يجري، حقيقة أن هناك أناسا، أطفالا ونساء، يقتلون بمعدّلات يومية تتحدّى كلّ منطق، ليس عليك سوى متابعة السجال حول لوحة «العشاء الأخير» فى افتتاح أوليمبياد باريس. السجال فى حدّ ذاته، أى كونه قائما فى الأساس، درجات الاستياء، تعبيرات الغضب، الآراء المتطايرة، المزاج العام، كلّ هذا يقودك إلى شعور مرير باليأس.