رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

د. عصمت نصار أستاذ الفلسفة والفكر العربى الحديث لـ«الوفد»:

إسرائيل.. بؤرة صهيونية لإضعاف الشعوب العربية

بوابة الوفد الإلكترونية

الإسلام السياسى أكذوبة.. والسياسة الدولية لعبة مصالح

الأزهر الشري{ صان الفكر المصري من الاستعمار

لعبة المصالح تحكم العلاقة بين أمريكا وإيران

الماسونية نصَّبت «الهضيبى» فى منصب الإرشاد

نهضة مصر مرهونة بتماسك أبناء الشعب

هناك صراع أصوليات.. والجماعات المتطرفة وليدة أعداء الإسلام

 

أحداث كبرى عاشها المفكر الإسلامى الدكتور عصمت نصار أستاذ الفلسفة الإسلامية والفكر العربى والعميد الأسبق بكلية الآداب جامعة القاهرة فرع الخرطوم عبر تاريخ حياته الحافلة بالعطاء، كلها تعطى معنى الثورة على التقليد، وتحرير العقل من خرافاته المتعددة التى صبغها أدعياء الدين.

«نصار» عضو الجمعية الفلسفية المصرية، والمجلس الأعلى للثقافة والجمعية التاريخية المصرية، وهو عضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بالمجلس الأعلى للجامعات ومحكم أكاديمى فى العديد من الدوريات العلمية وعضو الجمعية الدولية للمكفوفين الأكاديميين بإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وعضو لجنة مشروع إعادة إصدار كتب التراث فى الفكر الحديث.

أثرى المكتبة الإسلامية والفكرية بالعديد من المؤلفات الرصينة منها: «الأبعاد التنويرية للفلسفة الرشدية فى الفكر العربى الحديث» و«اتجاهات فلسفية معاصرة فى بنية الثقافة الإسلامية» و«الأعمال الكاملة.. مصطفى عبدالرازق».. دراسة وتحقيق، و«ثقافتنا العربية بين الإيمان والإلحاد» و«حقيقة الأصولية الإسلامية فى فكر الشيخ عبدالمتعال الصعيدى»، و«الخطاب الدينى والمشروع العلمانى وجهان لعملة زائفة» و«من التقليد إلى التبديد.. رهانات العقل العربى» و«من جوه نبدأ» و«الصراع الثقافى والحوار الحضارى فى فلسفة محمد إقبال».

«الوفد» التقت المفكر الكبير د. عصمت نصار أستاذ الفلسفة والفكر العربى الحديث.

< بداية.. فى رأيك كيف جعل الاستعمار العقل العربى الذى حمل مشعل الحضارة لأكثر من خمسمئة عام مصابًا بالعجز عن ممارسة العقلانية؟

<< الاستعمار -فى مصر بالذات- لم يستطع النيل من العقل الجمعى المصرى، والمقصود بالعقل الجمعى هنا هو الطبقة الوسطى المحركة للوجدان والنظام والمثل والثوابت التراثية فى كل حضارة، فلم يستطع تحويل العقل الجمعى لأمرين:- الأول: وجود الأزهر الشريف، فهو الحد المنيع ضد أصول وعقائد شاذة أو عقائد متطرفة مثل الوهابية أو نشاطات إلحادية أو نشاطات ماسونية، والأمر الثانى وجود تيار العلوم الذى ساهم فى تثقيف شبيبة المتعلمين فى التعليم العالى غير الأزهرى، فهناك وحدتان صانتا الفكر المصرى من هجمات الاستعمار، بل بالعكس أن هذين التيارين استطاعا أن يردا على المستشرقين ولا سيما فى الأعداد الأولى للأزهر، ثم بعد ذلك عندما دخلت الفلسفة للتعليم العام، بمعونة تلامذة محمد عبده ثم دخلت فى الجامعة فأصبح الرد على المستشرقين فى الثلاثينيات بالتحديد واجبًا أو فرض عين على كل من تعاطى الفلسفة وانتهج الجدل وفن المثقافة والمصاورة، فالعادات والتقاليد الغربية لم تصب الريف المصرى، من الممكن أن تكون أثرت فى العوام فى الإسكندرية ودمنهور ودمياط وبعض الأماكن فى عواصم المدن، والقاهرة، ولكن الصعيد والريف الأصيل لم يكن للاستعمار أدنى أثر على أخلاقياتهم أو عاداتهم وتقاليدهم، أيضًا الأحياء الشعبية استطاعت أن تحمى التراث المصرى أخلاقيًا من المدنية الأوروبية الزائفة التى حُملت مع الإنجليز، أما الأثر الفرنسى فكان محدودًا جدًا على العقل المصرى، فالحملة الفرنسية لم تمكث فى مصر إلا بضعة أشهر، وكان العقل المصرى قد أخذ موقفًا عدائيًا جدًا منها، حتى المثقفون كان قد أخذوا من الحملة الفرنسية موقفًا باعتبارهم غزاة، أما الإنجليز -كما قلت- فكانوا إنجيليكيين أو بروتستانت، والبروتستانت على خلاف نقيض الأرثوذكس، فلم يكن هناك تعاطف مسيحى مع الإنجليز على الرغم من الديانة الواحدة من ناحية الشكل ولكنها مختلفة تمامًا من ناحية العقيدة، وهذا ما فسَّر شعار ثورة 19 (يحيا الهلال مع الصليب) هذا الشعار أكد فيه الإخوة الأقباط أننا مصريون ولا يمكننا أن نكون غير ذلك.

< إلى أى مدى ترى أنَّ صراع الحضارات ليس قائمًا على صراع الأصوليات؟

<< أؤيدك فى فكرة صراع الأصوليات لكن فكرة صراع الحضارات بالنسبة للحضارات المتواجدة، فإنَّ الحضارة العربية موجودة فى كتب التاريخ وكتب الماضى لكن لن تتصارع اليوم، فالتصارع الذى تمتلكه هو تصارع الخطابات والكلام ولكن التصارع الحقيقى بين الحضارات التليدة التى أرادت أن يكون لها موضع على مائدة التفاوض أو مائدة الجدل أو التصارع فى القرن الحادى والعشرين، فالصين من الحضارات التليدة (القديمة) ولها تاريخها ولكن استطاعت أن تصعد وتقول إنها من الممكن أن تقابل الحضارة الأمريكية، والحضارة الغربية واليابان وإن كانت تعمل فى صمت، فهى حضارة لها عراقتها أيضًا، واستطاعت فى نصف قرن أن تغزو الآفاق الثقافية ودنيا الاقتصاد والعلم وأيضًا تعلن عن نفسها باعتبارها شريكًا فى صناعة القرار التقدمى وليس القرار السياسى، لأنَّ السياسة حاليًا فى العالم يحكمها من يملك القوة، بغض النظر عن القيم والمبادئ، أما إن كانت هناك قيم ومبادئ فسنجد اليابان من أولى الحضارات التى تعنى بالأخلاقيات والذوق والرقى والجمال.

< هل الأصولية الإسلامية تعد ظاهرة أيديولوجية؟

<< لا يمكننا اعتبار الإسلام مسئولًا عن هذه الظاهرة، فالمسئول عنها هو الآخر، فعندما نرى أول التيارات المتطرفة فى العصر الحديث فسوف نجد الوهابية، فالوهابية صنيعة الغرب، وبالتحديد المخابرات الإنجليزية، فهى التى دعمت محمد بن عبدالوهاب وساندته، حتى أنَّ الثورة العربية 1916 كانت أيضًا صنيعة الإنجليز والماسونية الغربية نكاية فى الرجل المريض(الدولة العثمانية) وأوهموا العرب بأنَّ لديهم القدرة على تكوين دولة أو خلافة أو جمهورية عربية أو كيان عربى يستطيع أن يناهض الاستعمار الغربى الذى كان يحاك فى خلفية المشهد، وفى التوقيت نفسه الذى أوعزت إنجلترا فيه إلى العالم العربى أن يشكل جبهة كانت تعقد اتفاقية (سايكس بيكو) وفى اليوم الذى يليه كانت هناك التقسيمة الشهيرة لفلسطين، جزء يهودى صرف ليكون بؤرة صهيونية لمراقبة هذا الكم الذى أسموه (الدولة العربية)، وهناك العديد من المفكرين كتبوا عن (لورانس العرب) والمكائد التى كانت تلعب بها المخابرات الغربية للإيقاع إما برؤوس أو عقول المتحمسين للقومية العربية ضد الدولة العثمانية أو للطامعين فى الثروات وفى التريث والترؤس أو جلب الأموال أو الاندفاع القبلى نحو إعادة العزة والكيان الجزئى داخل هذه الدول، والتاريخ يشهد بأنَّ كل هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم يصمد إلا العقل المصرى الذى أعلن أنَّ مصر للمصريين ورفض فى البداية الانسياق حول الحلم العربى الزائف وإن كان بعد ذلك أراد أن يمد يد العون للبنة أو المحاولة القومية العربية بعد ثورة يوليو، وقال إننا لنا كيان عربى ويجب أن تكون لنا قومية ونساعد حركات التحرر، كل ذلك كان مجرد هراء ولم تستفد منه مصر ولا العرب، فما زالت القبلية والفرقة موجودة فى العالم العربى ولم يتحقق سوى بند أو بندين من ميثاق الدول العربية ومازال باقى المقومات التى حلم بها القوميون حبرًا على ورق بداية من السوق العربية المشتركة والجيش العربى المشترك، كل هذا أحلام، ونأتى- كما قلت- إلى الأصوليات، فقد أدرك الاستعمار منذ 1453 أنَّ الإسلام لا يمكن أن يهزم من الخارج عن طريق الجيوش بل عن طريق المؤامرات وعن طريق الداخل، وإضعاف العقل الإسلامى- المحرك للشعوب الإسلامية- إما إضعافه أخلاقيًا أوعلميًا، وانعدام القدرة على بعث النهضة التليدة ورفض أن يكون له جيش أو لديه استعداد فى السيادة الدفاعية، فمجرد أن كوَّن العراق جيشًا قويًا له تم ضربه، وتورطت مصر فى ثلاث حروب متتالية، والجزائر كانت محتلة، والمغرب سيطر عليها الاتجاه اليهودى المرابض فى الرباط، ومازال المغاربة وإن كانوا لا يصرحون بأنهم تحت عباءة الفكر الفرنسى سواء فى الأيديولوجيات أو فى الهوى إلا أنهم ينتمون للثقافة الغربية أكثر من انتمائهم للثقافة العربية فى معظم اتجاهاتهم أو أفكارهم، فلو تتبعنا أى قرار إسرائيلى تحب أن تحسمه كانت ترسل بالوفد اليهودى الموجود فى الغرب لاستشارته باعتباره الجناح الآخر من التواجد الصهيونى فى المنطقة العربية.

< البعض يرى أنَّ الإسلام السياسى هو السبب فى تخلف العرب وتقدم غيرهم فما رأيك؟ وهل تؤمن بمصطلح الإسلام السياسى؟

 

<< الإسلام لم يتعارض مع السياسة التى جاءت فى الكتاب والسنة، ففى الحديث «أنتم أعلم بأمور دنياكم» فلم يتدخل النص العقدى سواء من القرآن أو صحيح الحديث فى اختيار الحاكم أو فى المشكلات اليومية أو فى الحياة البرلمانية، فقد وضع خطوطًا عريضة يمكن للمجتمع أن يبلورها، والدليل على ذلك طريقة الحكم فى العالم الإسلامى عقب وفاة النبى سنجد أن سيدنا أبو بكر تولى الحكم انطلاقًا من وصية الرسول، وعمر عن طريق الترشيح، كنائب لسيدنا أبو بكر، وعمر كون نخبة من 6 أفراد وطلب اختيار خليفة منهم، وسيدنا على عن طريق الصراع أو الثورة، بعد ذلك أصبحت هناك ممالك، الحكم فيها للقوة والسيف فهل كل هؤلاء يمكن أن نطلق عليهم خارج الدولة الإسلامية، لا فهم داخل الدولة الإسلامية ولكن هم أعلم بشئون دنياهم، والواقع المعيش هو الذى كان يتحكم فى اختيار النمط السياسى أو الأيديولوجية السياسية أو الفكر السياسى داخل الدولة الإسلامية، فأكذوبة «الإسلام السياسي» و«الإسلام هو الحل» شعارات روَّج لها الاستعمار أكثر من ترويج الفكر الإسلامى، فعلى سبيل المثال نجد فى الأمس القريب، من الذى كان يناصر الإخوان المسلمين، أمريكا وإسرائيل كانت تصفق من وراء الستار وكان يهمها الفوضى التى كانت موجودة، وأخذت الصك من الحكومة الإخوانية بأن شارون والفكر اليهودى أصدقاء بدلا من أنهم كانوا أحفاد الخنازير، وهذا لعب سياسى، ومعظم الفكر الإيرانى الشيعى يلعب سياسة لكن لا يخلط الأوراق، فالخومينى أو الولى أو نائب الخليفة الغائب لا يتحدث باسم الدين عندما يختلف مع أمريكا، فهى لعبة مصالح، ولذلك يلعبون فى الساحة على طريقة (سيب وأنا سيب) وهناك تنسيق بينهم حتى فى المسلسلات التى يقدمها الإيرانيون مجرد أحلام يخدع بها الشعوب المنتمية للحلم الإسلامى، ولو أنَّ إيران أرادت أن يكون لها دور فأين هى فى أزمة غزة، وأين هى فى الأزمات التى كانت تتعرض لها جيرانها من الدول الإسلامية، باكستان والشيشان وأفغانستان، الظلم الذى وقع على (عرب ستان) وهى منطقة بين العراق وإيران، وهم من أثرى المناطق بالبترول، لكن تسطو عليها بالحديد والنار، وتحرم أى تنمية بها، فأين ذلك من الإسلام، فلا أستطيع القول إنَّ الإسلام السياسى ينتمى إلى العقلية الإسلامية أو الفكر الإسلامى الأصيل ولكن الاستعمار أراد أن يلصق بالإسلام هذه الجماعات لأنها تدعمه، فأى فرقة وخلافات أو رجعية فى العقلية الإسلامية تشوه الإسلام فتحرمه من أى امتداد فى الدعوة، وفى الوقت نفسه تعطل الكيان الإسلامى من الداخل بالموضة وثقافة العرى والإلحاد والثقافات التغريبية، فهى تستفيد من الجهتين داخليا وخارجيًا.

< إذن هل نستطيع القول إنَّ الإسلام السياسى أداة فى يد الغرب لتشويه الإسلام؟

<< الواقع المعيش أثبت ذلك، فهل رأينا أى تيار إسلامى فى أى بلد إسلامى قدم نهضة، بداية من السعودية إلى ماليزيا وأفغانستان وباكستان إلى الصين التى يوجد بها أكثر من أربع ولايات إسلامية ولا حقبة من هؤلاء خرجت علينا لتؤكد أن المسلمين بنوا الحضارة أو أعادوا تجديد الفكر الإسلامى على أسس تليدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، والدين والعلم.

< ما توقعاتك لمستقبل الإسلام السياسى فى العالم العربى انطلاقًا مما حدث فى السنوات العشر الماضية؟

<< أعتقد أنَّ الجماعات تندثر أو تضعف شيئًا فشيئًا، اللهم إلا إذا أخذت دفعة كبيرة من أعداء الإسلام، فهناك بعض الجماعات الماسونية والصهيونية وحتى الجماعات ذات الميول الصهيونية التى تتلون فى أشكال كثيرة، وتصنع نجومًا وتعملق أصحاب ادعاءات أو أصحاب أيديولوجيات وتلبسهم عباءة الإسلام، وهم يروجون لأفكار هادمة للإسلام لا يقبلها العقل الجمعى البسيط، فلكى يهدموا الفكر الإسلامى يبدأون بالعوام من الناس ثم يسيطرون على قادة الفكر الإسلامى عن طريق الاقتصاد، فمن الذى حوَّل الأزهر فى فترة الستينيات إلى أواخر الثمانينيات، عوزشيوخ الأزهر الذين هاجروا للسعودية فتأقلموا مع الفكر الوهابى وهذا شجَّع على وجود حسن البنا فى مصر، الذى رفضه الأزهر نفسه فى بداياته، بدءًا من خالد محمد خالد الذى رفض أن يكون عضوًا فى الإخوان المسلمين والشيخ يوسف الدجوى الذى عرَّى حسن البنا فى أحد المقاهى من عباءة الإسلام التى كان يريد أن يلبسها وبيًّن جهله وسطحية أفكاره، وهذا هو العقل الوسطى الإسلامى الذى غرسه محمد عبده فى العصر الحديث، فمن الذى صنع سيد قطب، وهو صنيعة أمريكية صرف، والماسونية هى التى نصَّبت الهضيبى فى منصب الإرشاد، فلا أستطيع إلا القول بأنَّ كل الجماعات المتطرفة وليدة أعداء الإسلام وليس نبتًا إسلاميًا صحيحًا.

< المفكر السودانى عبدالله النعيم فى كتابه «علمانية الدولة فى الإسلام» يرى اعتبار العلمانية وهى فصل الدين عن السياسة فريضة إسلامية.. فما ردك على هذا الطرح؟

<< هذا حق ظاهره باطل، فلا أستطيع فصل الإسلام عن أخلاقيات السياسة، إذا ما كانت اليد العليا للفكر الإسلامى، أما إذا كانت اليد العليا للسياسات الغربية، فالإسلام يرفضها تمامًا، وأى محاولة للربط بين السياسات بالمنحى الأوروبى أو المنحى الأصولى أو الراديكالى، فهذا ضرر كبير جدًا على الإسلام ويجب الفصل بين هذا وذاك، ولكن هناك قيم إسلامية، فنحن نحتاج وجود حاكم عادل غيور على الرعية، يكون محبًا لوطنه، ولديه بطانة ذات قيم وورع وأخلاقيات تجمع بين الضمائر الحية والإبداع فى شتى العلوم، وكذلك نحن فى حاجة لمجلس شورى يقوم على النظام الإسلامى يجمع أهل الخبرات، (تكنوقراط)، وهذا ليس ضد الإسلام، فقد كتب الشيخ «القرافى» العديد من الموضوعات عن إشكالية وجود النبى فى المدينة هل كان النبى نبيًا وحاكمًا وفقيهًا أم لكل منصب من المناصب ركن لا يجب الخلط بينها، فصفة النبوة لم تطغ على كونه رجلا عاديًا يخضع للأفكار ذات العلم والحنكة السياسية، ولم يكن فقيهًا باسم السماء، بل قال «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، فالواقع المعيش أثبت أنَّ النبى كان يخضع لرأى العقل والخبراء.

< كيف ترى مسألة تجديد الخطاب الدينى فى البلاد العربية وهل هى تعنى قطع الصلة بالتراث نهائيًا أم تنقيحه وتنقيته؟

<< مشكلتنا أننا قطعنا الصلة بين الجيل الجديد والتراث، فأول بعثة حضارية للنهضة الإسلامية فى القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كانت امتدادًا للتراث التليد من حيث فتح باب الاجتهاد، والحريات فى العقيدة والفكر والبوح والاعتراض والحرية السياسية، لدرجة أنَّ الطيب بن عاشور قال: إنَّ الحرية من مقاصد الشريعة، بداية من التسليم فى دخول حظيرة الإسلام بحرية إلى أن يكون المواطن المسلم حرًا فى مكانه وفى القيام بكل الأفعال إلا الجهر فى المعصية، فالإسلام الحق فى العصر الحديث هو الذى وضع أسسه الشيخ حسن العطار ثم رفاعة الطهطاوى ثم على مبارك ثم محمد عبده ثم تلاميذ محمد عبده من أقصى أقاصى الأرض فى العالم الإسلامى إلى منتهاه، وكل ذلك نحَّيناه جانبًا وقلنا إننا نحن أصحاب مشروعات وخطابات، فأين هذه المشروعات والخطابات الرنانة حتى صرنا أذيالًا وأتباعًا تسير مثل الإبل لا إرادة لنا، ولا أتخيل أن مصر تحديدًا سوف تُترك أن تنهض مرة ثانية دون التحام بنية المجتمع، فالرهان هنا واضح أن نكون أو لانكون، فنهضة مصر تتوقف على تماسك الشعب المصرى، مسلمين وأقباطًا، مثقفين وعوام.

< المتابع لكتاباتك يرى أن اهتماماتك تنصب على دراسة فترة النهضة المصرية حتى الخمسينيات.. ما أهم ملامحها ولماذا لم نشهد هذه الفترة منذ ذلك التاريخ؟

<< لأننا حوَّلنا المشروع الإسلامى إلى خطابات جوفاء متأثرة بالفلسفة الغربية أو بالنعرات الطائفية، فليس هناك مفكر واحد فى الوطن العربى الآن استطاع أن يقول إن هذا هو باب التقدم وأصبحت له مدارس لها أصول ومنهج وآليات للتفعيل، فهؤلاء أصحاب خطابات جوفاء، لا أقول إنهم أذيال أو أصحاب توكيلات لأفكار أوروبية، ولكن محاولات لم تستطع فهم الرسالة التى يجب عليهم الاضطلاع بها، فلا يمكن أن يكون المقلد فى يوم من الأيام، فاليابان لم تصعد بالتقليد، والصين لم تعلو آسيا وأوروبا وتناهض أمريكا بالتقليد، فما الذى تبقى من تراثنا التليد، القليل، ولكنه إما يتهم أحيانًا بالرجعية أو يتهم بالتطرف أو ينحصر فى دائرة أقرب للجمود منها، فعلى سبيل جلد الذات الفكر المصرى لم يضع فى اعتباره فقه الأولويات وفقه المآلات عندما كان يؤسس النهضة المعاصرة، وكان لزامًا على أهل الخبرات المحيطين بالقيادة أن تنبه أن الخطر الذى يهدد كيان مصر أمران، إما المساس بالدين ووجود فرقة ضالة أو المساس بالأرزاق والفيه (الفم)، فالأرزاق والديانة جزء لا يتجزأ فى الطبقة الوسطى التى يمكن توصل بين رأى أو فكر القائد وفقه العوام، فالطبقة الوسطى فى مصر تعانى أشد أزماتها فى فترة الربع الأخير من القرن العشرين، والأمل معقود على أن نفعل فقه الأولويات ونكون أكثر وعيًا بفقه المآلات عندما نسن القوانين أو نسير وفق الحلم الذى يريد أن يحول مصر فى عدة سنوات إلى أكبر تجمع اقتصادى وعسكرى وجمالى، ولذلك أناشد أصحاب القرار فى إعادة قراءة أو تفهيم فقه الأولويات وفقه المآلات وكيفية الوصول للمقصد أو تفعيل مقصد الشارع.

< ما قراءتك لمواقف الإسلاميين من القضية الفلسطينية لا سيما فى ظل مواقفهم حاليًا إزاء توجه بعض الدول للتطبيع مع إسرائيل؟

 

<< لو كان أى فصيل غير حماس لاختلف الأمر، لكن تاريخ حماس وحزب الله مع العالم العربى به شكوك، فهل حماس داخل غزة كانت تحكم حكمًا إسلاميًا، لا، جور ومصالح خاصة للقيادات، وهل حزب الله فى لبنان يعمل من أجل اللبنانيين، لا، فنحن نرى الجيش اللبنانى أضعف من الميليشيات الموجودة بسبب الدعم الإيرانى لهذه الحركات، فهناك حركات داخل لبنان ترفع شعار الإسلام ولا تعمل من أجل لم الشمل أو حماية الدولة التى يعيشون فيها، فالنظرة للقضية الفلسطينية تختلف من بلد لآخر، ومصر تحملت الكثير فى سبيل القضايا العربية، لكن لابد من وضع مصالح مصر فى المقدمة، وأؤيد القيادة السياسية عندما تقول إننا مع كل ما يعن لنا من سياسات لصالح مصر فى المقام الأول، فمصلحة مصر تعلو على كل المصالح المتداخلة.

< أخيرًا.. كتابك «نقود وقيود» أحدث إسهاماتك الفكرية ما أهم الخطوط العريضة التى أردت طرحها خلال هذا المؤلف؟

<< إذا ما تأملنا مصطلحى «نقود وقيود» فسوف نجد بينهما الكثير من العلاقات الجدلية الشائكة، وذلك تبعًا لدلالة المصطلحات (لزوم، تداخل، تقابل، تناقض) فبعض الرؤى الوجودية تعتقد أن النقود لا ينبغى أن تحدها أو تمنعها أو تحجر على حريتها سلطة القيود، بيد أنَّ البعض الآخر يؤكد أن القيود تحمى النقود من الشطط والإسراف كالمدح أو القدح أو النقد من أجل النقد أو الاعتراض غير المبرر أو التوجيه غير المباشر، فى حين يعتبر معظم الأكاديميين القيود نسقًا يكسب النقود الصبغة العلمية والرؤية الموضوعية، بينما يعتبر التفكيكيون وما بعد الحداثيين تلك القيود إحدى آليات قمع الأذهان والحجر على المبدعين، وتحاول فصول هذا الكتاب الستة مناقشة هذه القضية على نحو يجعل من النقود سياقات حرة مقيدة بمذهب أو رؤية ذاتية أو عقيدة ذاتية، وتجعل من القيود نسقًا محايدًا ينتصر دومًا للمناهج التى تجعل للفكرة المطروحة مبرراتها وتكشف فى الوقت نفسه على العهود المبرمة بين المبدع والمتلقى تلك التى تؤكد أمانة وصدق الخبر ودقة المعلومات من جهة وحق الاختلاف فى التأويل أو التفسير والنقض وغير ذلك من أشكال الرفض والمعأرضة التى يكفلها التفكير الناقد من جهة أخرى، وقد تناولنا فى الفصل الأول إشكالية الهوية فى الثقافة العربية والمقومات التى تستند إليها المشخصات الجامعة لتلك الثقافة، وفى الفصل الثانى وجهنا وظيفة جدلية النقود والقيود إلى الفكرة المركزية الرئيسية التى تدور حولها محاور هذا المبحث، وفى الفصل الثالث كشفنا عن الخطوات العملية التى قام بها تلاميذ الإمام محمد عبده لبعث الخطاب الفلسفى وإدراجه ضمن البرامج التعليمية، وفى الفصل الرابع تناولت تناولت قضية الاغتراب فى الخطاب العربى المعاصر وغربة المشروع الفلسفى لتبين علة جنوح المفكرين العرب الذين تأثروا بالفلسفات الغربية، وفى الفصل الخامس تحدث عن الديانات الوضعية المعاصرة التى اتخذت من النقض آلية لهدم جل الثوابت العقدية القائمة فى العقل الجمعى لليهودية والمسيحية والإسلام، أما الفصل السادس والأخير فخصصته للحديث عن بواكير فن المقامة فى العصر الحديث ودوره فى حركة التجديد والتنوير وكتابات الرواد الأوائل الذين طوروه.