رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فى كتابه Le Rire (الضحك، 1900)، يقدم الفيلسوف الفرنسى هنرى بيرغسون (ت. 1941) قائمة بآليات وأسباب الضحك.

يفترض بيرجسون أن الفعل المضحك ينشأ من الصدام بين التوقعات والواقع. عندما يكون هناك تناقض مفاجئ يخلق ذلك مشهدا مضحكا: مثلا رؤية رجل محترم يسير فى الشارع ثم ينزلق فجأة ويسقط على الأرض. لماذا تكون الافعال من هذا النوع مضحكة دائمًا؟ وفقا لبرغسون، فإن الطبيعة اللاإرادية للفعل هى التى تجعلنا نضحك. تشير العثرات والأخطاء والحماقات العامة إلى الافتقار إلى التنوع والوعي؛ حيث يتوقع المرء أن يجد القدرة على التكيف واليقظة والمرونة الحية للكائن البشرى يجد بدلًا من ذلك فعلا مضادا للمتوقع. لهذا السبب نضحك عند مشاهدة طريقة مشى تشارلى تشابلن أو عادل امام فى أعمالهما الكوميدية، فنحن نتوقع أن نرى فى الجسد البشرى الليونة والمرونة ونضحك عندما نراه يتحرك بطريقة ميكانيكية ومتكررة تذكرنا بالآلة.

بحسب بيرغسون «الكوميديا ​​لا توجد خارج نطاق ما هو إنسانى تمامًا». بهذه الكلمات، لم يكن يتوقع أنه، بعد قرن من الزمان، ومن خلال الإنترنت، سنجد مقاطع فيديو وميمات وصورا متحركة سريعة الانتشار ​​لحيوانات أليفة تتصرف كبنى البشر.

قبل برغسون بأكثر من تسعة قرون يفاجئنا أبو حيان التوحيدى (ت. 1023) بكتابه «مثالب الوزيرين» الذى نجد فيه ما يبدو وكأنه تطبيق مبدع لنظريات برغسون عن الكوميديا الساخرة. فى «نطاق ما هو إنسانى تمامًا» يضحكنا التوحيدى على أفعال وأقوال شخصيات بارزة فى عصره مثل الصاحب ابن عباد وأبو الفضل بن العميد.

يسلّط التوحيدى الضوء على غرابة ابن عباد بما فى ذلك مشيته المضحكة وحركة عينيه الزئبقية وخفته، ويصفه وقد «.. لوى شدقه، وشنّج أنفه، وأمال عنقه، واعترض فى انتصابه، وانتصب فى اعتراضه، وخرج فى مسك مجنون، قد أفلت من دير جنون».

ويعرّج على أعماله الأدبية فيصفها بالفارغة المليئة بالسجع والتكلف: «كان يأتى بالسجع فى أكثر كلامه مع.. حشرجة صدره، وانتفاخ منخريه، والتواء شدقيه، وتعوّج عنقه، واللعب بخنقفته..»

ويسخر من ردود أفعاله المتعجلة غير المدروسة والتى تؤدى فى كثير من الأحيان إلى نتائج غير مقصودة. دخل عليه احد القضاة من مدينة قم، وأراد ابن عباد ان يقول جملة مسجوعة فقال: «أيها القاضى من قُمْ.. قد عزلناك فقمْ!»

ويعكس تصوير أبو حيان التوحيدى لابن عباد مفهوم برغسون عن شعور الساخر بالتفوق على من يسخر منه فنجده يدعو القرّاء إلى السخرية من سلوك وحمق المهجو -ابن عباد- وإدراك تفوقهم على هذه الشخصية غريبة الاطوار.

وكما نرى، ينبهنا الضحك، كما يصوّره برغسون نظريا والتوحيدى عمليا، إلى مخاطر التمسك ببعض السلوكيات الشخصية كى لا نصبح عرضة لسخرية الآخرين. بهذا المعنى ​​يجب أن نأخذ الكوميديا على محمل الجد.