رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عصف فكري

سقط المشروع الدينى السياسى فى العالم العربى شكلا لكنه لم يسقط مضمونا. ما زال الشارع العربى أسيرا للخطاب السلفى الرجعى المتشدد، وهو ما يطرح سؤالا حول إمكانية مداواة الداء بالداء. وبمعنى آخر هل يُمكن صد تغول السلفيين المتشددين بخطاب سلفى آخر رحب، مستنير، متقبل للآخر، ومتصالح مع العلم والعقل؟

 وإذا كانت جماعات الإسلام السياسى تلجأ إلى نصوص وأفكار لشيوخ ورجال سابقين من أمثال الإمام أحمد بن حنبل، وابن تيمية، والشيخ محمد عبدالوهاب، وربما سيد قطب، والمودودى فى العصر الحديث لتبرير سمات العنف ومعاداة الحداثة ورفض الآخر لديهم، فهل يُمكن اللجوء لأطروحات ورؤى مشايخ ومفكرين سابقين من أمثال محمد عبده، مالك بن نبي، محمد إقبال، عبدالمتعال الصعيدي، وأمين الخولي، وغيرهم لتفنيد الخطاب المعادى للمدنية؟

ويبدو المثال شديد الوضوح، والإبهار فى أطروحات الشيخ عبدالمتعال الصعيدي، العالم الأزهرى المصري، المولود بمدينة أجا بمحافظة الدقهلية سنة 1894، والذى قدم مشروعا متكاملا ـ لم يأخذ حظه من الشيوع ـ للإصلاح الدينى بما يقطع الطريق تماما على كافة أطروحات الإسلاميين الآنية والتى تتسم بالرجعية والتخلف.

فى كتابه «العمامة المستنيرة» يفتح لنا الدكتور أحمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية، أفاقا رحبة لقراءة مشروع «الصعيدي» المناوئ للفكر المتشدد وكيفية صده. فالرجل هنا لا يرى ثمة تعارضا فى الجوهر بين الإسلام والعلمانية، بل إنه يؤكد أن الفكر الدينى يمكنه ببعض الاجتهاد أن ينفتح على كل ما هو علمي، وما هو دنيوى.

 ورغم كون عبد المتعال الصعيدى عالما أزهريا ـ نشأ وتربى ودرس فى مؤسسة الأزهر بدايات القرن العشرين ـ إلا أنه حمل روحا وثابة متحمسة لإصلاح مؤسسة الأزهر كأساس مبدئى لإصلاح الفكر الدينى ككل. ورأى الرجل أن تقيد الأزهر بالمذهب الأشعرى هو أول أسباب الجمود الذى يعانى منه، كما أن تقيده بتدريس المذاهب الأربعة فقط هو ثانى أسباب الجمود، وأن آفة الآفات هى عدم الانفتاح على باقى المذاهب، وعلى اجتهادات كافة الفرق الفقهية.

ويأخذ «الصعيدى» على رجال الدين وعلى مؤسسة الأزهر تحديدا تقديس للسلف وتقديس أفكارهم وعدم مجاراة ومتابعة حركة الزمن وتغيرات المجتمع ومستجداته. إنه يقول فى ذلك مثلا «إن من أسباب جمود الفكر الديني، تلك المبالغة فى تقديس الأسلاف وعلومهم، فالأسلاف عند أهل الأزهر أعلى من  أن يتعرضوا لنقد، ولا يمكن أن يسمح الزمان بمثلهم وبمثل علومهم». 

ويدعو «الصعيدي» إلى ضرورة تحريك الأزهر ليتخارج من المتون التقليدية، وتحرير عقول رجال وطلابه من أسر التقليد حتى يبدعوا فى تفكيرهم فلا بد «أن نطلق العنان لأفكار الطلاب ولا نقيدهم بحفظ ألفاظ كتاب فنرى فيهم قوة النبوغ فى العلوم، والقدرة على ابتكار الجديد فيها، والحصول من درسها على عقل واسع، وفكر ثاقب لا يكون أسيرًاللتقليد، ولا يتعثر إذا سير به نحو شيء غريب أو جديد».

ويرى أحمد سالم أن هناك حاجة ماسة لإحياء تراث المفكرين المصلحين خاصة فى الفكر الدينى والذين يمثلون جسرا فريدا للتلاقى بين العلمانية والإسلام، وعلى رأسهم عبدالمتعال الصعيدي، ومحمد عبده، وحسن العطار من قبل.

لا شك أن فكرة استدعاء رموز دينية مستنيرة يمكن التوسع فيها لدحض الخطاب المتشدد.

الأمثلة متعددة وأبرزها الإمام محمد عبده(1849ـ 1905)، الذى يقوم مشروعه الإصلاحى على مقاومة الجهل والتخلف والتأقلم مع المدنية الحديثة ونشر العلوم، وإبعاد رجال الدين تماما عن السياسة، فضلا عن نبذ التعصب وتقبل التعددية والاهتمام بالفنون والآداب والفلسفة وإصلاح الأزهر وإحالة كتب وتراث القرون الوسطى إلى الاستيداع.

ويتفق الدارسون والمتخصصون فى فكر الإمام محمد عبده على وصف خطابه بالإصلاحى والتجديدى الشامل، وعلى قدرته العالية على محاورة الآخر، ولو من باب السجال، مع طرح خطاب حضارى إنسانى مستمد من الدين وتعاليمه ونصوصه الأصلية بما يؤكد قيم الحرية، والمساواة، والعدل، ويساهم فى استنهاض الشعوب لاسترداد مجدها والسيطرة على مصيرها.

كذلك فإن كثيرين ينظرون بعناية إلى مشروع المفكر الجزائرى مالك بن نبى (1905ـ 1973) والذى عُنى بشكل كبير بالنهضة الحضارية ودعا إلى تنقية الفكر الدينى مما علق به من ترهات وشوائب تتنافى مع الحضارة، وكانت له مؤلفات عدة تطالب بالتركيز فى العلوم الحديثة والنبوغ فيها.

فى الفكر الدينى الشيعى ثمة مفكر مهم يمكن استدعاؤه وهو على شريعتى (1933ـ1977) والذى رأى أن الإصلاح الدينى يستوجب إعادة بناء العلوم الإنسانية والخروج من أسر وسيطرة رجال الدين واعادة اكتشاف الإسلام مرة أخرى والتوسع فى الفلسفة والاستنباط وترجيح العقل.

 تطول القائمة بما يُطرح تحديا يستحق البحث حول قدرة السلف المستنير على صد السلف المتعصب. وهو ما يبشر به باحث مغربى مخضرم مثل محمد المصباحى عندما يؤكد فى دراسة حديثة له بضرورة العودة لما يسميها «السلفية المستنيرة» والمؤسسة على القرآن والسنة، فقط بعيدا عن أقوال المفسرين لتحرير الإسلام من معاداته للعقل ورفضه لحرية الإرادة، سعيا وراء استقلال البلاد وتحريرها من تبعيتها الخارجية. ففى هذا السياق يصبح العقل والحرية هما مدار «السلفية المستنيرة» والتى جابهت الاستعمار الغربى للعالم العربى إيمانا منها بأن الانتصار فى معركة التحرر التام من الاستعمار لا يمكن أن يتحقق بدون عقل مستنير ومنفتح على مكتسبات الحداثة العلمية والحضارية، وبدون إرادة مستقلة بذاتها عن قيود الماضى وإملاءات الحاضر الذى يهيمن عليه المستعمر.

والله أعلم

[email protected]