رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

قادرون «باختلافهم»..

«ذوو الهمم».. نجوم في قائمة الشرف

الرئيس السيسي مع
الرئيس السيسي مع أبطال "قادرون باختلاف"

أبطال من ألم حملوا آلامهم على جناح الأمل، ورأوا "الإعاقة" سحابة صيفٍ حتمًا ستنزوي يومًا، تقلّدوا سلاح العزيمة، فدقّوا الأبواب وتحدّوا الصعاب واخترقوا الصفوف حتى بلغوا أسمى الغايات، وسطّروا قصص نجاح ما تلاها تالٍ أو سمعها سامعٌ إلا وتيقّن أن الإعاقة لا يمكن تقف في وجه الإرادة، وحقّقوا إنجازات عظيمة تهافتت عليها الصحف أبطالها "ذوو الهمم".. فتحية إجلالٍ لهم!!


مُلهمون لا يعرفون للمستحيل دربًا، أضفوا بصمتهم الخاصة على المجتمع، اعتزلوا دُنيا المحبطين وتغلبوا على إعاقتهم، وآمنوا بأن الإعاقة "مقبرة" المستسلمين لها، وأن اختلاف القدرات لا يُفسد للعزم قضية، وأنه ثروة لا تُقدر بثمن، لم يعطوا لعزيمتهم فرصة لتفتر، ولا لقوتهم فرصة لتخور بل أثبتوا أن التحديات ما هي إلا درجات نصعدها نحو تحقيق إنجازات عظيمة.


بحسب ما أعلنته الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مجلس الوزراء، يمثل حجم ذوي الاحتياجات الخاصة 5٪ من سكان مصر، كثير منهم حققوا إنجازات تاريخية تمثل نموذجًا يُحتذى به للذين يعانون من فقدان الأمل وسببًا في قدرة ذويهم على استكمال رحلتهم الشاقة معهم.

«الوفد» تحدثت مع نماذج مشرفة منهم، صنعوا من إعاقتهم قوارب عبروا بها "نهر" الظروف، لم يلجأوا لحيلة بناء العوازل لتحميهم من فيضانه بل سبحوا في اتجاه السفينة دون إهدار الوقت في انتظارها.

هذا الملف يرصد مسيرة كفاح «ذوي الهمم» والتحديات التي يواجهونها.

فرسان الإرادة (رضا عبدالسلام ومهند عماد وأشرف طه وصباح عبدالرازق

فرسان الإرادة 

 

«رضا» و«مهند» و«أشرف» و«صباح».. نماذج ملهمة لفرسان التحدي.. رفعوا شعار «الإعاقة منحة وليست محنة» وضربوا أروع الأمثلة في التحدي والعزيمة والإصرار.

ضرب بعبارات اليأس والإحباط عُرض الحائط، لم يتعثّر بحجارة الإعاقة بل بنى بها سُلمًا صعد به درجات حلمه إلى أن بلغ مُراده وتقلد رئاسة أكبر إذاعة للقرآن الكريم في العالم.. إنه الإذاعي الكبير "رضا عبدالسلام".

 الإذاعي الكبير رضا عبدالسلام

«الإعاقة الحقيقية هي إعاقة تحديد الهدف وعدم الوصول إليه».. بهذه الكلمات بدأ الإذاعي رضا عبدالسلام رئيس إذاعة القرآن الكريم حديثه، مؤكدًا أن الإعاقة ليست إعاقة الجسد وإنما هي إعاقة العقل وإعاقة الإرادة وإعاقة العزيمة.

وضرب أمثلة بـ«هيلين كيلر»  و«ستيفن هوكينج» و«أبي العلاء المعري» والدكتور طه حسين، مؤكدًا أن هؤلاء ليسوا معاقين فالإعاقة إعاقة إرادة.

وأضاف: «المعاقون يمثلون فئة معينة حددها القانون بشكل معين حتى يأخذوا حقهم، لكن في التعامل معهم لا أقبل أن تطلق عليهم كلمة معاقين، فهؤلاء ذوو همم أو أصحاب قدرات خاصة للتحفيز والتشجيع ومن أجل الإنسانية التي يجب أن تكون بيننا».

شعاع النور دائمًا ما يتسلَّل من نافذة والأمل، هذا ما أثبته الإذاعى القدير خلال حديثنا معه قائلًا: «ولدت بضمور العضلات وكانت صدمة غير عادية ليس في الأسرة فقط بل في قريتي كفر الشيخ إبراهيم بمركز قويسنا بالمنوفية، ولكن الله هيأ لي والدًا آمن بشخصيتى وقدراتي وعقلي واحتضنني ونفخ في روحي وأتاح لي الفرص ودافع عني في التعليم والحياة حتى تفوقت في سنوات دراستي، وحصلت على ليسانس كلية الحقوق بتفوق وكان من المفترض أن يتم تعييني في الجامعة، ولكن هذا لم يحدث، وشاء الله لي أن أسلك سبيل الإذاعة وجلست أمام الميكرفون منذ 35 عامًا، قدّمت جميع أنواع البرامج الإذاعية وبرامج الهواء حتى جلست منذ عامين ونصف على كرسي رئيس إذاعة القرآن الكريم».

وقال: منذ صغري وأنا مولعٌ بالإذاعة فوالدي كان من عشاقها، لم يكن في فكري يومًا أن أعمل بها ولكن طرأت عليّ الفكرة وهذا قدرٌ بعد أن حصلت على الليانس ولم أُعين في الجامعة، فكان الدكتور حسين فتحي أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق، وبعدها أصبح عميدًا لكلية الحقوق بجامعة طنطا، هذا الرجل كان على صلة قوية بالأستاذ إيهاب مطاوع هذا العلم الكبير في دُنيا الصحافة والفكر فذهبت إليه وأفصحت له عن رغبتي بالعمل في الإذاعة فأرسلني إلى فهمي عمر أحد قيادات الإذاعة، عندما رآني سألني: "أنت جاي تشتغل إيه؟.. قلتله جاي أشتغل مذيع" فبدت عليه علامات الدهشة والاستغراب، فظللت عامين نصف بعيدًا عن الميكرفون حتى دخلت على الأستاذ حلمي البلك رحمه الله، وأفصحت له عن رغبتي بدخول الامتحان فأمسكت القلم بفمي وكتبت فأتاح لي الفرصة وتخطيت الامتحان وكتب  بيده "يُقبل مذيعُا للهواء في إذاعة القرآن الكريم".

الإذاعي رضا عبدالسلام

وأعرب رضا عبدالسلام عن اعتزازه بما قدّمه خلال سنوات عمله قائلًا: هناك برامج أعتقد أنها ستظل فى تاريخ الإذاعة مثل برنامج «سيرة ومسيرة»، وقد سجّلت فيه مع القامات الدينية والعلمية والفكرية، وصدر منه كتابان؛ الأول مجموعة حوارات مع علماء الدين بعنوان «علماء ومواقف بين ثوابت الدين وعواصف السياسة، والثاني هو كتاب إضاءات العقل وهدايات النقل وهو مع مجموعة من المفكرين الإسلاميين في مصر.

تابع: تعرضت كثيرًا للتنمر، وفى واقع الأمر أنا أشفق على المتنمر، لأن عنده عقدة نفسية، وأعرف أنه يعاني من نقص، وأضاف: أهم عقبة قابلتني هي العقول الضيقة التي لا تؤمن بنفسها ولا تؤمن بغيرها فقد أرهقتني على مدار حياتي، فهم همٌّ لأنفسهم والناس، وأنا عكس ذلك فقد تعبت إلى أن وصلت إلى هذا المكان، وجلست على كرسي رئيس إذاعة القرآن الكريم، فمن تفنن في أن يُعيقني هو ذاته الذي أتاح لي الفرصة لأن أدخل الاستديو وحدي وأن أعمل وحدي وأن أقدم الفقرات وحدي لما توثّق من قدراتي.


واستطرد: عندما رفضني أحدهم في الإذاعة قلت له مقولة لا يمكن أن أنساها «مشفتفش في اللي معايا ده كله ليسانس حقوق ولغة عربية غير إيديا اللي مش موجودين»!.. هذا الموقف لا يُمكن أن أنساه طوال حياتي فقد علمني أن الحياة لا بد أن يكون فيها تعب وجهد ودأب، لو وقفت وقتها ولم أتحرك لكنت في ظلال المسياد.

وتطرّق رئيس إذاعة القرآن الكريم إلى الشخصيات الملهمة في حياته، قائلًا: «كل شخص تعلمت منه شيئًا نموذج ملهم بالنسبة إليّ فمن الشخصيات التي تعلمت منها في مجال الفكر وقرأت لها الدكتور مصطفى محمود الذي زاوج بين العلم والإيمان في سبيكة لم يفعلها أحد غيره، والعالم والطبيب عمرو شريف.

وحول موقف الدولة من دعم ذوي الهمم، أشار رضا عبدالسلام إلى أن العصر الحالي يُعد نقلة كبيرة جدًا لذوي الهمم، مؤكدًا أن لا أحد يستطيع أن يُنكر اهتمام القيادة السياسية بهذه الفئة وخصوصًا فيما يتعلق بـ«قادرون باختلاف»، وتلك نقلة كبيرة جدًا، خطونا خطوات جيدة جدًا وننتظر الأفضل.. وأنا خير شاهد على تغيير النظرة لذوي الهمم، وأتمنى أن تكون المناصب بالأكفأ والأولى سواء أكان من ذوي الهمم أو غيرهم.

"يجب أن تنصر نفسك فلو لم تنصر لن ينصرك الناس".. بهذه الكلمات اختمم الإذاعي القدير حديثه قائلًا: عليك أن تستخرج قدرات داخل نفسك حتى تعيش مرفوع الرأس موفور الصحة موفور الكرامة.

يذكر أن رضا عبدالسلام تناول مشوار كفاحه ومسيرة عطائه في كتاب بعنوان «نقوش على الحجر»، أهداه إلى أبيه وأمه قائلًا: «لولاهما ما كنت وما كانت لى حياة، إذا قُدّر لى أن أسأل ربي شيئًا فأسأله أبي.

 

سفير الطفولة

مهند عماد الدين

وُلد كفيفًا وآمن بأن «الإعاقة» ما هي إلا عاصفة شديدة تقوى فقط على العيدان الخضراء التي تنحني لها، وأثبت للجميع أن «النور مكانه في القلوب»، وأن فقدان البصيرة لأمَرّ على النفس من فقدان البصر.. إنه الطفل متعدد المواهب مهند عماد الدين، بطل الجمهورية في السباحة، مقدم برامج وممثل و«سوليست» في فريق كورال الأوبرا وأحد أعضاء Dream band قادرون باختلاف.

لُقب مهند عماد بـ«سفير الطفولة» من خلال مشاركته فى حفل «قادرون باختلاف»، وهو صاحب اقتراح تدريس مادة «احترام الآخر» بالمناهج التربوية فى المدارس، ونفذ الرئيس السيسى مطلبه بالفعل ليتحوّل حلمه بنشر الوعى وتعزيز مبدأ الاحترام لدى النشء إلى حقيقة.

«أنا مختلف ولست معاقًا».. بهذه الكلمات بدأ مهند الطالب بالصف الأول الثانوى، حديثه قائلًا: لولا اختلافي ما تميزت وتركت بصمة في أكثر من مجال، فالإعاقة بالنسبة لي هي عدم القدرة على فعل الأشياء وأن يتحول الإنسان إلى «عالة» على مجتمعه، وأضاف: تجاوزت مرحلة الطفولة بدعم والدتي، إلى أن تشكّل وعيي وبدأت أتكيف مع وضع فقدان البصر.

وأكد أنه شارك في أكثر من نسخة لـ«قادرون باختلاف» قائلًا: شعرت بمزيج من الفرحة والفخر عند تلبية مطالبي بالتمثيل وتدريس مادة احترام الآخر في المدارس، اكتشفت موهبة في نفسي لسرد القصص بأسلوب سلس وجذاب منذ أن طلب مني الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم السابق، سرد قصة الكتاب لزملائي وبالفعل سردتها بطريقة شيّقة، وقدمت برنامجًا على صفحة راديو أسوان FM سردت فيه القصص الموجودة داخل كتاب احترام الآخر، والبرنامج أُذيع على 3 مواسم.

وأضاف ابن أسوان: «العصر الذي نعيشه هو العصر الذهبي لذوي الهمم، فما يحدث لنا طفرة لم تحدث من قبل من تمكين وظيفي ومالي، والإتاحة لأصدقائي ممن هم على كرسي متحرك أن يذهبوا لأي مكان في الجمهورية عن طريق كود الإتاحة، واستخدام طريقة برايل في النقود وأزرار المصاعد، وأصبح فرضًا على كل مكان تركيب رامب لتسهيل حركة السير لذوي الهمم ومحاولة دمجهم في المجتمع».

مهند عماد

وقال: «أؤمن بأن الأمل سر حياة وأن من جد وجد، لم يختر أحد أن يكون كفيفًا أو قعيدًا على كرسي متحرك أو مصابًا بإعاقة ذهنية، كلها منح ربانية اختصّنا الله بها، لم أتعرض للتنمر ولكن كثيرًا من أصدقائي تعرضوا له، لي صديق عانى من تنمر البعض به ما أدخله في نوبة اكتئاب فلم يخرج من بيته وأصبح سجينًا لإعاقته، والمتنمر شخص غير سوي ولا بد أن يُعالج، تعلّمت من أبي وأمي المثابرة والإصرار على الحلم، أحب القراءة والقصص والروايات الأدبية، وأعشق عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين فهو نموذج ملهم بالنسبة لي، وأحب الإذاعي أحمد يونس وأسمع قصصه، والموسيقار العظيم الراحل عمار الشريعي وموسيقاه المتفردة، فقد أثرت عليّ بشكل كبير وأفادتني كثيرًا بُحكم أنني صولو في الأوبرا».

واختتم مهند حديثه قائلًا: «أطور ذاتي باستمرار لكي أحقق هدفي بأن أكون إعلاميًا ناجحًا، وأحلم بأن يكون لي مكان وسط أبطال السباحة العالميين وأن أُغني مع الفنان الكبير مدحت صالح، ويكون لي برنامج شهير».

 لا تتوقف أحلام مهند عند هذا الحد، فهو لا يزال يحلم ويسعى، ليقف أمام العالم أجمع معلنًا حريته من إعاقته.

قاهرة الإعاقة

البطلة البارالمبية صباح عبدالرازق

منذ 40 عامًا، انضمت الأم والبطلة البارالمبية صباح عبدالرازق إلى شريحة ذوي الهمم، مُثبتة أن الإعاقة هي إعاقة الفكر وليست إعاقة الجسد، فكم من أجسادٍ سليمة ولها أفكارٌ معاقة!

قالت صباح عبدالرازق، ابنة كفر الشيخ ولاعبة منتخب مصر لألعاب القوى: «تعرضت لحادث وأنا في سن السادسة من عمري أُصبت على إثره ببتر تحت الركبة، هذا اليوم غيّر مجرى حياتي من طفلة صغيرة تجري وتلعب إلى «متفرجة من بعيد» تشاهد الأطفال وهم يلهون ويلعبون بكل أسى، مرت عليّ أيام ثقال تنوء بحملها الجبال، ظننت أن أحلامي انتهت في فترة من المفترض أن تبدأ فيها!.. استطعت بالرضا والإيمان أن أتجاوز تلك المرحلة الصعبة في حياتى ولولا دعم والدي رحمه الله وثقته بقدراتي ما وصلت لما أنا عليه الآن، تقبلت الأمر الواقع وبادرت بارتداء الجهاز وتحركت به، وكنت دائمًا الأولى على المدرسة في المسابقات الرياضية، وحاولت بشتّى الطرق أن أُنقذ نفسي من مستنقع الاستسلام للإعاقة؛ لأنه أشبه بالموت على قيد الحياة.

وأضافت البطلة البارالمبية: «لم أقف مكتوفة الأيدي أمام إعاقتي بل اعتبرتها حافزًا وزادت من عزيمتي يومًا بعد يوم، وقررت ممارسة الرياضة فهي حقًا غذاء الروح والجسد، وحققت نجاحات كثيرة وحصدت بطولات عربية وإفريقية».

وأضافت: «منذ أن بدأت رياضة عام ١٩٩٦ وشاركت في بطولات الجمهورية في الرمح والقرص، وحصدت ميداليتين ذهب فى كل بطولة، شعرت بأنني أُنبت كأرضٍ أزهرت بعد طول بوار، وكانت بداية انضمامي للمنتخب البارالمبي في «سباق للدراجات» وحققت أرقامًا قياسية في شهر ونصف، وفي عام 2000 شاركت في البطولة الفرانكوفونية في كندا وحصلت على المركز الرابع على مستوى العالم، وشاركت في بطولة البحر الأبيض المتوسط في تونس وحصدت المركز الرابع على مستوى العالم، وفي 2013 شاركت في بطولة فزاع في القرص وحققت فيها ميدالية فضية، ولكن حالت الظروف دون سفري إلى فرنسا للمشاركة في بطولة العالم عام 2018».

وأوضحت: «شاركت فى بطولات إفريقية وعربية عدة، وأتمنى التأهل لبطولة العالم في اليابان وبعدها أوليمبياد فرنسا، وأنا دائمًا مؤمنة بأن المكافح والمثابر حتمًا سيصل لهدفه، خاصة أننا في عقد ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي كنف الدولة المصرية، وشتّان بين ما نحن عليه وما كنا عليه في السابق، ونتمنى المزيد فيما هو قادم».

صباح عبدالرازق

واختتمت قاهرة الإعاقة حديثها قائلة: «تعرضت كثيرًا للتنمر في الشارع والدراسة والعمل، وكانت كلمات المتنمر تقع عليّ كالصاعقة، ولولا أنني تجاهلتها لكنت أسيرة لها وقابلة للكسر والهزيمة، أنا لست معاقة بل إنسانة طبيعية أمثّل بلدي وأرفع اسمها عاليًا، واجهت عقبات كثيرة، ولكن والدي ساعدني في ذلك وكذلك إخوتي رغم أنهم كانوا في بادئ الأمر رافضين لفكرة ممارستي الرياضة، ولكن بعدما رأوني أحصد ثمار تعبي وأحقق بطولات فدعموني، وحتى زوجى الكابتن عبدالرحمن هو أكبر داعم لي بعد ربي وأبي، فحين قررنا الزواج وانقطعت عن الرياضة دعّمنى وشجعني لكي أحقق هدفي وساندني إلى أن عُدت ثانية بقوة، وحاليًا تكمن قوتي الحقيقية في أولادى الأربعة، فخورة لأنني حققت المعادلة الصعبة - بفضل الله - ووازنت بين عملي وبيتي وأولادي».

 

مثال في العزيمة

الرياضي أشرف طه

نسج عالمه الخاص من خيوط الرضا، وأضاء طريقه بشموع الأمل، وتحدّى الإعاقة بإرادة من حديد، وتوهّج بين أقرانه كمثال فى العزيمة والإصرار إنه الرياضي «أشرف طه» صاحب الـ35 ربيعًا، ولاعب ألعاب القوى للإعاقات الحركية بنادي فرسان الإرادة بأوسيم (القرص والجلة).

حكى أشرف طه قصته قائلًا: «أُصبت بشلل الأطفال في سن عامين تقريبًا والسبب خطأ طبيب وقلة الرعاية، عانت أمي معي كثيرًا فقد كانت تحملني على كتفيها لمعهد شلل الأطفال أسبوعيًا، وللمدرسة يوميًا لأنه لم يكن لديّ كرسي متحرك، وبعد مجيء الكرسي المتحرك فرحت وشعرت بانطلاقة غير عادية لأن أذهب بمفردي إلى المدرسة مع زملائي بدون تعب أبي أو أمي أو إخوتي، وأعود بمفردي لأرى الفرح في أعينهم، وتغلبت على الإعاقة بالإصرار على النجاح في دراستى، وعندما طلب أحد أقاربي من والدي الاكتفاء بتعليمي في المرحلة الإعدادية مرة في الثانوية مرة بحجة أنني معاق، فرفض والدي وبشدة وأخبره بأنني سأدخل الجامعة».

وأضاف: «التحقت بجامعة القاهرة وسكنت بمدينة الطلبة لأكون بجوار الجامعة وكانت تجربة جديدة أن أعيش بعيدًا عن أسرتى، ولكنها كانت حافزًا قويًا آخر على الاستعانة بالله أولًا ثم بنفسي وأن أتعامل مع عقليات جديدة في المدينة الجامعية، وبعد التخرج قابلت صعوبات كثيرة في الحياة العملية.. وعملت إداريًا في شركة للصناعات الغذائية قرابة 5 سنوات، وكنت أذهب للعمل بدراجتي النارية ذات الأربع عجلات، وأضطر لصعود طابقين لعدم وجود مصعد في مكان العمل، ورغم التعب كانت التزاماتي كرب أسرة تدفعني للمواصلة».

وقال: «بعد تصفية الشركة عملت مدرسًا للقرآن وفتحت مكتبًا لتحفيظ الشباب القرآن بأوسيم وأصبح عملًا مميزًا، وشاركتني مشوار كفاحي زوجتى الغالية الكابتن يسر عمر وأم أبنائي «فارس ومكة»، تعرفت عليها منذ أن كنت لاعب منتخب جامعة القاهرة لذوي الهمم وحققت عددًا من البطولات على مستوى الجامعات، وحصلت على العديد من الميداليات الذهبية والفضية باسم نادى فرسان الإرادة بأوسيم سواء بطولات الجمهورية أو كأس مصر، وكرّمني السيد اللواء أحمد راشد محافظ الجيزة مرتين».

أشرف طه أثناء تكريمه من محافظ الجيزة

واختتم أشرف حديثه قائلًا: «العميد طه حسين سبب رئيسي لزيادة طموحي وقوتي ورغم أنه كفيف لكنه حقق إنجازًا عظيمًا في زمنه».

وأضاف: لا أحد ينكر اهتمام الرئيس السيسى بذوي الهمم وننتظر منه الأفضل، وأتمنى أن أكون لاعبًا بمنتخب مصر لذوي الهمم وأن أكون سببًا في تحفيظ أكبر عدد من الطلاب القرآن الكريم كما أتمنى زيارة بيت الله برفقة أسرتي.

أمومة مع مرتبة الشرف..
أمهات ذوي الهمم.. أدوار بطولية وكفاح لا ينتهي

كانت رحلتهن مختلفة تمامًا، مزجت بين التحدي والإصرار، واجهن تحديات الأمومة أضعافًا مضاعفة، فلا مجال لرفاهية الاختيار، فقد شاءت الأقدار أن يعشن لحظات تتأرجح بين الأمل ولسعات الألم، تجاوزن صدمة البداية، وتقبلن واقعهن ولعبن أدوارهن على أكمل وجه، وكُنّ طاقة النور لفلذات أكبادهن، حتى عبرن بهم من رحم الحياة إلى رحِبها.

أمهات.. قهرن المستحيل

حاورنا بعض النماذج لأمهات خارقات حصدن وسام الأمومة بامتياز مع مرتبة الشرف، أولهن كانت إيمان والي والدة إبراهيم الخولي أول معيد مصري من ذوي متلازمة داون والتي سطّرت بمجهودها النفسي والبدني قصة نجاح ابنها، وأثبتت أن الحب اللامشروط لا يوجد معه مستحيل ولا يعرف للإعاقة سبيلًا، وأن الأم هي جيش ابنها الوحيد ومأمنه وسط مخاوفه.

إيمان والي وابنها إبراهيم الخولي

حكت «إيمان» كواليس الصدمة الأولى وكيف اجتازت الامتحان رغم قسوة المصاب، ولحظة حصاد ثمرة تعبها حين صدر قرار تعيين نجلها معيدًا بكلية الإعلام بالجامعة الكندية بالقاهرة، قائلة: «بدأت مشوار الألف ميل مع إبراهيم بعد أيام من ولادته، منذ أن لاحظت وجود اختلاف في ملامح وجهه، وهو ما أكده لي الطبيب بإجابة حاسمة، وهي أن ابني مصاب بمتلازمة داون، وقعت الإجابة على مسامعي وقع الصاعقة، أتذكر تفاصيل هذا اليوم جيدًا، دموعي المنهمرة بلا توقف، فرحتي المنكسرة، أملي الضائع، إلى أن دخلت غرفته ورأيته نائمًا كالملاك ظللت أدعو ربى، إلى أن بدّل لحظات ضعفي إلى قوة لدعم طفلي، بدأنا مرحلة التأهيل والعلاج الطبيعي وجلسات التخاطب وتنمية المهارات والتغذية، وأكد المختصون أنه يتمتع بنسبة ذكاء عالية، فعملت على تطويرها بالتدريب المستمر والتعامل معه بشكل طبيعي بدون كلل أو ملل وزرع الثقة بقدراته بداخله، مرحلة التحاقه بالمدرسة كانت الأصعب، ولكن سرعان ما تأقلم على الحياة الطبيعية، ونجح في الاندماج وسط أطفال أسوياء وتميز وتفوق في دراسته».

وأضافت: «واجهتني عقبات كثيرة كانت أقساها نظرات الأمهات لى خوفًا على أولادهم منه، وإحباط الآخرين وإيمانهم بأن ابني لن يفعل شيئًا طوال حياته، وعدم قناعة الأطباء بأننا من الممكن أن نحقق نجاحًا، تحديت كل الظروف وآمنت بأن المنح حتمًا ستأتي من بواطن المحن، ونجح إبراهيم في إثبات ذاته وأن لديه مهارات تؤهله ليكون شخصًا ناجحًا، إلى أن حققت حلمًا راودني زمنًا، وتم تعيين ابني معيدًا بكلية الإعلام بالجامعة الكندية بالقاهرة فى عام 2019، ولم يتفوق إبراهيم دراسيًا فقط، بل أصرّ على إثبات تفوقه الرياضي أيضًا، فهو بطل مصر وشمال إفريقيا والشرق الأوسط للتنس الأرضي، علاوة على أنه حقق بطولات جمهورية في السباحة وتنس الطاولة».

شمس مشرقة

استمدت من قلبها إرادة حديدية واجهت بها «فقدان بصر» ابنها منذ ولادته، احتضنت آلامها في سبيل سعادة صغيرها، وكانت له الشمس المشرقة في ليله المظلم.. إنها أسماء عيد حفني، والدة الطفل الموهوب مهند عماد، والتي سردت قصة كفاحها مع ابنها قائلة: «كانت صدمتي كبيرة يوم أن وُلد مهند كفيفًا لم أستفق منها إلا بعد 3 أشهر، في تلك الفترة كان قلبى يقطر دمًا كلما نظرت له، قصدنا أطباء كثيرين منذ ولادته لعل أحدًا يروي قلوبنا ويُشكك في الأمر، ولكن دون جدوى، تأكدنا أن ما نحن عليه هو الوضع الأبدي، في البداية كنت تائهة شاردة لا أعرف من أين أبدأ، وكيف أجعل منه شخصًا يواجه مجتمعه بعزيمته وبصيرته لا ببصره.. بحثت على الإنترنت عن كيفية التعامل الصحيح مع حالته، وكنت مقيمة في العاشر من رمضان وهناك لم تتوفر الإمكانيات التي تؤهلني للتعامل معه، فنزلت إلى القاهرة وتوجهت لمركز رعاية الطفولة والأمومة بجامعة عين شمس، حينما كان عمره 6 أشهر، أخذت كورس إرشاد وتأهيل أسرى للتوعية وتعلمت كيفية استغلال باقي الحواس لتعويض النقص في حاسة الإبصار».

أسماء عيد وابنها مهند عماد

وأضافت: «انتهى الكورس ومهند كان عمره سنة ونصف السنة، فبدأ يأخذ جلسات تنمية مهارات، وعندما تم الـ3 سنوات بدأ يتعلم القراءة والكتابة بطريقة برايل في مركز المكفوفين بجسر السويس، ولأنني كنت أعمل معلم أول لغة إنجليزية فضلت العمل بنظام النصف أجر؛ أذهب عملي ثلاثة أيام، وباقي الأسبوع أذهب مع مهند يومين إلى مركز الطفولة بجامعة عين شمس ويومين للحضانة، وتجاوز مهند تلك المرحلة بخطى متسارعة، حيث كان يتمتع بنسبة ذكاء عالية وكان متفوقًا في دراسته ومُتكلمًا وأُطلق عليه «الكتكوت الفصيح»، وفي سن 6 سنوات بدأ مهند تعلم الموسيقى والعزف والمدربة اكتشفت فيه موهبة الغناء».

وعن أصعب موقف تعرّضت له قالت أسماء عيد: «في الصف الثانى الابتدائي كانت درجات مهند سيئة كلها أصفار، وتعرض لنوبة تشنجات، فأجرينا الفحوصات وأخبرتنا الطبيبة المعالجة بأنه عنده «كهرباء» لا يزال يعالج منها، وقتها تحدثت معه الطبيبة واكتشفت أنه يتمتع بهوايات كثيرة، ولمست فيه حبه للسباحة وبالفعل تدرب عليها مع مدرب لذوي الهمم لمدة 6 شهور، وبعدها دخل أول بطولة وحقق فيها نتائج، قدمت له على كورس إنشاد مع الشيخ محمود التهامي، وتخرج في دفعة الإنشاد رقم 14 وكان من المميزين، وفاز في أكثر من جائزة متعدد المواهب، وحصد المركز الثاني في مهرجان الموسيقى العربية، وفاز في مسابقة «talent» بالعربي، كانوا طالبين جودلن كيدز «أطفال متعددو المواهب» وقدم فيها مع أولاد عاديين وكان هو الوحيد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكرّمه وزير الشباب والرياضة، وهو حاليًا يدرس فى الكونسرفتوار، حصدت فيه تعب السنين يوم أن رأيته بجوار الرئيس السيسي في احتفالية قادرون باختلاف وأثبت أن في اختلافه نبوغه وتميزه».

 

يعشقون التحدي.. ويكرهون نظرة الشفقة

الأشخاص ذوو الهمم أو ذوو الاحتياجات الخاصة، هم أشخاص يعانون من نقص مؤقت أو دائم، كامل أو جزئي، أو ضعف في قدراتهم الجسدية أو الحسية أو العقلية أو حتى التواصلية والتعليمية إلى الحد الذي يحد من قدرتهم على إمكانية أداء المتطلبات العادية، لذا وجب علينا دراسة وتعلم الأساليب والطرق التربوية السليمة للتعامل مع هؤلاء الأشخاص منذ الطفولة سواء كانوا يعانون من إعاقة واحدة أو إعاقات عدة.

خالد عبدالحميد ـ بسمة سليم ـ سارة الكرداوي

خبراء: تأهيل ذوي الإعاقة مسؤولية المجتمع والأسرة

يقول خالد عبدالحميد مدير البرامج الإدارية والقيادية بمركز إعداد القادة: «يجب أن يكون الآباء والأمهات على قدر كافٍ من الوعي كي يتمكنوا من تقديم الرعاية والأمان لطفلهم، وذلك عن طريق تقديم الاهتمام والحب والعاطفة التلامسية والأحضان واللعب معهم دائمًا، وجمع المعلومات والقراءة حول مشكلاتهم والالتزام بتعليمات الأطباء والأخصائيين بالمراكز الصحية المؤهلة، وتقديم كل المعلومات والخبرات المتنوعة للطفل بما يتناسب مع فئته العمرية والعقلية وتعليمه المهارات المختلفة.

خالد عبدالحميد مدير البرامج الإدارية والقيادية بمركز إعداد القادة

وأضاف: يجب علينا أن نحترم عقولهم ولا نستخف بكلامهم والتفاعل والإصغاء لهم بحب أثناء الحديث معهم، وألا نستخدم المسميات أو المصطلحات الهجمومية والمشوهة مثل الأعمى، المشلول، المعاق، المنغولى فمن المؤكد أنها تؤثر سلبًا عليهم، وعلينا رسم الابتسامة على وجوهنا عند التعامل معهم لنشعرهم بالحب والحنان والتقبل، وكذلك عدم التمييز أو التفرقة في التعامل بين الأطفال داخل الأسرة الواحدة، وعدم عزلهم عن الأسرة أو المجتمع مما يضر بهم، وضرورة دمجهم داخل جميع مؤسسات الدولة وإعطائهم كل الفرص المتاحة فى التعليم والعمل حسب قدراتهم.

وعلق خبير التنمية البشرية على إطلاق مصطلح إعاقة قائلًا: «إنه مصطلح ظالم ومجحف لهذه الفئة حيث إنهم بالفعل متميزون عن غيرهم في كل شئ منحهُ الله إياهم ويوجد منهم الكثير أبطال في جميع المجالات مثل الرياضة والتعليم والإعلام فهم جزء لا يتجزأ من الكيان الاجتماعي والأسري لا يمكن إغفاله على الإطلاق».

وقال: أحب أن أذكر جهود الدولة المبذولة نحوهم حيث إن الفترة الأخيرة شهدت تغيرات مهمة خاصة في مجال التعليم، حيث تم إدخال نظام الدمج حتى يتمكن الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة من الالتحاق بالمدارس التجريبية والخاصة ويدرسون مع باقي الأطفال الطبيعيين في مكان واحد، وتوفير ما يسمى ”shadow teacher” للطفل من ذوي الهمم لمساعدته في الفهم والكتابة داخل الفصل، أيضًا تم توفير خدمة قياس الذكاء، كما أن بعض المراكز تقدم خدمات التخاطب وتنمية المهارات والتكامل الحسي والعلاج الطبيعي، بالإضافة إلى كارنيه الخدمات المتكاملة الذي يكفل لهم حياة كريمة ويساعدهم في الحصول على المعاشات والمساعدات الشهرية وامتيازات أخرى كثيرة.

واختتم عبدالحميد حديثه قائلًا: «مع الأسف لا يزال هناك جزء معيب في نظام الدولة وهو الروتين الذى يعمل على تعطيل وتأخير الإجراءات في استخراج كارنيه الخدمات، وأيضًا عدم التزام بعض المدارس الخاصة لقبول هؤلاء الأطفال وتطبيق نظام الدمج كما يجب».

الدكتورة بسمة سليم

والتقطت أطراف الحديث الدكتورة بسمة سليم، أخصائية علم النفس الإكلينيكى وتعديل السلوك والتخاطب، مشيرة إلى أن نجاح الابن من ذوي الاحتياجات الخاصة ينبع من الأسرة، فحاليًا توجد نماذج كثيرة من ذوي الهمم حققوا ذواتهم على مستوى الرياضة والإعلام، وكان للأسرة دور كبير في ذلك، فإيمان الأب والأم بأن ابنهما يمتلك مهارات هو البداية ولا بد من العمل على تنمية مهارات الطفل وثقته بنفسه عن طريق تقبله لنفسه وتقبل أهله له.

وأضافت «سليم» أن دور المدرسة لا يقل أهمية عن الأسرة باعتبار أن الطفل يقضي فيها معظم وقته، وبالتالى فلا بد من عقد دورات توعية للمدرسين وكذلك الأطفال لكي يتقبلوا فكرة أن هناك أطفالًا آخرين مختلفين عنهم وعليهم دور في مساعدتهم، وبالتأكيد أن المدرسين حاليًا يحتاجون لمساعدات لأن الأعداد في الفصول أصبحت كبيرة جدًا، ولكن ولكن نخاطب روح الأم وروح الأب فالطفل في الفصل بمثابة الابن وهو أمانة ولا بد من الحفاظ عليها، والتأهيل يتم من قبل مختصين على هيئة دورات تدريبية للمدرسين في قدرتهم على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
ولفتت أخصائية تعديل السلوك إلى أن الدمج أفضل ولكن بشروط؛ وهي أن تكون الفئة العقلية التي ينتهمي إليها تلائم وضعه داخل فصل معين، وهو ما يقوم به الأخصائيون النفسيون المؤهلون لعمل تلك الاختبارات، وأن يكون المدرس مؤهلًا للتعامل مع الطفل من ذوي الهمم ومتقبله، وأن تكون القدرات العقلية للطفل مناسبة لوجوده داخل المجموعة التي تم فيها الدمج، علاوة على أنه سيسهم في تسهيل عملية التخاطب حال وجوده وسط مجموعة من نفس سنه، في بينهم لغة تواصل وتحاور عالية.

الدكتورة سارة الكرداوي

وأوضحت الدكتورة سارة الكرداوي، أخصائية التخاطب والتربية الخاصة أن هناك اختلافًا في طبيعة الأسر التي ينشأ فيها الطفل من ذوي الهمم، فمنها المُنكرة التي تعترض ولا تعرف آلية التعامل، ومنها تلك التي تمد يد العون والمساعدة لطفلها بكل رضا وإيمان بأن الإعاقة امتحان وعليهم اجتيازه بجدارة، وأضافت: عندما تأتيني حالات في المركز من ذوي الهمم، فأنا أُكثف جهدي على الأم لأن هذا سيعود بالإيجاب على الطفل.

وأضافت: «أكثر ما يزيد من معاناة ذوي الهمم نظرات العطف والشفقة التي ينظر بها الناس إليهم، فالمجتمع من شأنه أن يؤثر سلبًا، وكذلك للمدرسة دور كبير في تحصين الطفل من التعرض للتنمر، وهذا يرجع لدرجة الوعي الكافية من المدرسين والإدارة، لذلك لا بد من العمل على تطوير فصول الدمج وتأهيل المدرسين، حيث توجد فجوة كبيرة بين أخصائي التخاطب والتربية الخاصة وتنمية المهارات والمدرس العادي، وعلينا ألا نغفل دور مراكز التخاطب وبرامج التربية الخاصة التي يمكنها أن تؤثر بشكل إيجابي على العملية التعليمية والاجتماعية، فهي تؤهل الطفل لكي يتعايش اجتماعيًا.

 

التعليم.. أبرز تحدياتهم

ذوو الهمم بين مطرقة الدمج وسندان الرعاية الصحية 

 

تحديات كبيرة يواجهها ذوو الهمم في مصر، تبدأ من مرحلة الطفولة خاصة في التعليم وعدم وجود فكرة الدمج بشكل فعلي في المدارس رغم الحديث الدائم عنها، بالإضافة إلى مشكلات نقص الرعاية الصحية ونظرة المجتمع لهم، وبالتالي يجب أن يتكاتف المجتمع والدولة لمواجهة كل هذه التحديات والوقوف مع ذوي الهمم حتى يمكن للمجتمع الاستفادة من قدراتهم الخاصة.

الدكتور تامر شوقي

الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، قال إن الأطفال ذوي الهمم يُمثلون قطاعًا مهمًا في التعليم المصري ويحظون برعاية خاصة من الدولة ومن الرئيس «السيسى» الذي يحرص دائمًا على مشاركاتهم مناسباتهم الخاصة، وعلى توجيه شتى أوجه الرعاية لهم، مشيرًا إلى أن الأطفال ذوي الهمم يواجهون تحديات كبيرة في التعليم وبشكلٍ خاص في مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية في ضوء بعض العوامل؛ منها أن تلك هي مراحل بداية خروج الطفل من رحم أسرته الصغيرة التي ترعاه وتحافظ على مشاعره وتلبي له احتياجاته، إلى مجتمع جديد يضم أطفالًا صغارًا أصحاء ليس لديهم أي وعي بكيفية التعامل مع نظرائهم من ذوي الهمم بشكل صحيح، وبالتالي فقد يتسببون في الألم والضرر لهم، كذلك عدم قدرة المعلم على مراعاة الفروق الفردية بين الطفل ذي الإعاقة وزملائه في الفصل العادي، أيضًا نظرة الشفقة التي قد يجدها في تعامل كل المحيطين به، بالإضافة إلى وجود إشكاليات في التصميم الهندسي للفصول والمدارس قد تعوق الأطفال ذوي الهمم عن التكيف معها، وأيضًا نفور الأطفال الآخرين من الطفل المعاق، ومن تكوين علاقات صداقة معه.

ووضع الخبير التعليمى روشتة لتحصين الأبناء من ذوي الهمم من التعرض للتنمر داخل المدرسة، وذلك من خلال توعية التلاميذ في طابور الصباح بأهمية عدم التنمر على الآخرين، وتعريفهم أن هذا ضد الدين والأخلاق، وعقد ندوات للأطفال بالمدرسة لتوعيتهم بقيم التسامح وقبول الآخر، وتضمين دروس في المناهج الدراسية بكيفية التعامل مع الأطفال ذوى الهمم بما لا يؤذيهم، وأن يكون المعلم نفسه قدوة في احترام الطفل المعاق أمام زملائه.

وأضاف «شوقي» أن الأطفال ذوي الهمم يحتاجون إلى معلمين معدين إعدادًا خاصًا ومدربين على كيفية التعامل معهم بشكل نفسي وتربوي سليم، ويمكن هذا من خلال عمل دورات تدريبية وورش عمل لهم عن كيفية التعامل مع الأطفال ذوي الهمم، وإنشاء أقسام متخصصة بكليات التربية للتعامل مع هؤلاء الأطفال، وهو ما بدأت الكثير من كليات التربية في تنفيذه حاليًا.

وأشار الدكتور تامر شوقي إلى أن هناك اتجاهين فى الدمج؛ البعض يرى أن الدمج أفضل من الفصل، لأنه يُشعر الطالب بأنه شخص طبيعي قريب من الأسوياء، وأنه ليس مختلفًا عنهم، وفي حالة إذا كان الطالب عنده إعاقة بسيطة قابلة للنمو أو التنمية يمكن من خلال تعامله مع طلبة أسوياء أن ينمو بقدراته، أما الاتجاه الثاني فهو يرى الفصل من خلال جمع الطلاب من ذوي الهمم مع بعضهم، وهذا الرأي له إيجابيات وسلبيات، ومن إيجابياته عدم تعرض الطفل للتنمر، ولكنه يؤثر سلبًا على نفسية الطفل؛ لأنه سيشعر بالعزلة والضيق وأنه وأقرانه منبوذون من المجتمع.

وأضاف: «في رأيي أن الحالات التي تسمح بالدمج مثل الإعاقة الحركية، وطالما الطفل عنده قابلية بالدمج فلا مشكلة في ذلك، لكن في حالة إذا كان الطالب حالته متأخرة ومختلف بشكل كبير فالأفضل أن يلتحق بفصول أو مدارس مخصصة لذوي الهمم، وهناك جهات طبية مسؤولة عن اختبارات قبول الطلاب، من خلال تحديد نوع الإعاقة وطبيعتها ومستواها وهل يمكن علاجها وتعديلها.

الدكتور وليد هندي

من جانبه قال الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، إن السنوات العشر الأخيرة شهدت تطورًا ملحوظًا في ملف الرعاية الصحية وتقديم خدمات للمواطنين، ورغم ذلك يوجد قصور واضح في التعامل مع ملف الرعاية الصحية لذوى الهمم، فعلى سبيل المثال يوجد على مستوى مصر 7 مستشفيات فقط لإجراء الكشف الطبى لمنح كارت الخدمات المتكاملة، فالدولة تبذل مجهودًا ولكنه غير كافٍ.

وأضاف «هندي» قائلًا: في الإسكندرية تم استحداث 15 مقرًا لذوي الهمم للكشف المبكر، علاوة على أن مستشفى الشرطة تقدم خدمات مجانية لهم، وكلها اجتهادات ومبادرات ولكنها لا تغني عن توافر المستشفيات؛ لأن خدماتهم ومتطلباتهم كثيرة وعددهم كبير، حيث يوجد في مصر حوالى 12 مليون شخص منهم يمثلون 12% من مجموع الشعب، وهناك رقم لم يلتفت إليه أحد وهو رقم المتأثرين بالإعاقة والذى يصل إلى 36 مليون شخص بما يعادل 35% من عدد السكان.

وطالب استشاري الصحة النفسية بوجود مستشفيات خاصة لذوي الهمم أسوة بالأمراض الأخرى، ولاسيما أنهم في حاجة إلى مستشفيات تقدم خدمات وقائية وعلاجية وتأهيلية ورعاية صحية عامة ورعاية منزلية حسب المتطلبات الطبية لكل إعاقة، فلابد من وجود مستشفيات متخصصة تقدم خدمات الفحص والتشخيص والتسجيل الطبي، ولا بد من أن تحتوي على خدمات الصحة الإنجابية وبرامج الكشف المبكر عن الإعاقة، ويجب توفير برامج صحية وغذائية ومعلومات دوائية، ولا بد من وجود خط طوارئ صحي أو أبلكيشن خاص بهم.

وأكد أنه من الضروري أن تكون المستشفيات شاملة كل أنواع الإعاقات، ويُفضل لو توافر لكل إعاقة مستشفى ويكون الكادر الطبي بها والخدمات الطبية المساعدة مدربين تدريبًا شاملًا، حتى التصميم البنائي والهيكلي للمستشفى يجب أن يختلف باختلاف كل إعاقة، ومثلما نهتم بكل ما يخص ذوو الهمم من الناحية الإنسانية والموضوعية فيحب أن يكون لهم الحق في رعاية صحية مستقلة تبعدهم عن الإيذاء النفسي والتنمر ونظرة الازدراء والشعور بالقلق والدونية والعجز.