رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بينما كنا نعيش فى الولايات المتحدة، كنا نقرأ لأطفالنا قبل النوم صفحات من كتاب الأدغال The Jungle Book لكبلنغ، عن ماوغلي، الطفل الذى نشأ فى الغابة برعاية الذئاب. خلال النهار، كنت أجد نفسى أحيانًا أحاضر فى مساق الأدب عن روايات مشابهة مثل حيّ بن يقظان وروبنسون كروزو، حيث يجد كل من البطلين نفسه فى جزيرة معزولة، يجب عليه أن يجد طريقة للبقاء على قيد الحياة فى بيئته القاسية، والاعتماد على ذكائه  ومهاراته البشرية.

«حى بن يقظان» هو صبى نشأ فى عزلة فى جزيرة مهجورة، تربى بلا اتصال بالبشر، فقد أرضعته غزالة، ما جعله يعتمد على قدراته الفطرية لاكتساب المعرفة وفهم العالم من حوله. يمثل حيّ فى هذه الرواية النقاش الفلسفى حول مصادر المعرفة والبحث عن الحقيقة، وكيفية التطور الروحى والفكرى للإنسان دون تدخل العوامل الخارجية.

أصبح حى بعد أن بلغ التاسعة والأربعين من العمر متأهبًا لتعليم غيره من الناس. وكان من حسن الحظ أن متصوفًا يدعى آسال استطاع فى سعيه إلى حياة التبتّل والوحدة أن يلقى بنفسه على الجزيرة، فالتقى بحي، وعلمه آسال لغة الكلام (العربية) وأسعده كثيرا أن يجد أن حيًا قد وصل بتأملاته وتفكّره—دون معونة أحد—إلى معرفة الله الخالق المبدع.

بهذا المعنى، يمكن أن نقول بأنّ «حى بن يقظان» ليست مجرد حكاية عن صبى يعيش على جزيرة؛ إنها استكشاف عميق للمعرفة بواسطة العقل البشري، والبحث عن المعنى فى الكون بدون مرشد وكذلك—وهذا هو المدهش هنا—بدون واسطة اللغة البشرية. إنها تحثّنا على إعادة النظر فى فهمنا للعالم، وتظل عملًا فلسفيًا يثير التفكير فى مسائل جوهرية مثل: ماهى مصادر المعرفة؟ وكيف نحصل على المعرفة؟ وكيف يمكن التفكير والتمّعن وإكتساب المعرفة بدون الحاجة إلى لغة بشرية؟

«روبنسون كروزو» لدانيال ديفو هى رواية تحكى قصة رجل تتحطّم سفينته على جزيرة مهجورة ويضطره ذلك إلى البقاء وحده لسنوات عديدة. تُعتبر الرواية انعكاسًا لأفكار عصر التنوير، التى تدعو إلى استعمال العقل، والاعتماد على الذات، والسعى إلى المعرفة.

على الرغم من أن كلتا القصتين تشترك فى الحبكة والموضوع، إلا أنهما تختلفان فى الرؤية الفلسفية والهدف النهائى. حيث يركز «حى بن يقظان» على التطور الفلسفى والروحى للإنسان، بينما يركز «روبنسون كروزو» على الجانب العملى واكتساب المهارات الضرورية للبقاء فى بيئة قاسية.

فى النهاية، يبقى لنا التأمل فى كيفية تأثير العزلة والتحديات على نضوج الإنسان واكتسابه المعرفة، سواء من خلال التفكير الفلسفى والروحى كما فى حيّ، أو من خلال الممارسة العملية والتكيّف مع الظروف كما فى كروزو.