رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

ثمة سؤال هام يفرض نفسه على بلادنا كلما دار الحديث عن التقدم هو ما سبب أفول تجربة محمد على الحداثية، ولمَ لم ينجح فى سعيه المحمود للنهضة؟
فى ظنى أن هناك ثلاثة أمور لا يُمكن استبعادها عند استعادة التجربة، أولها أن تجربة محمد على انطلقت من طموحه الشخصى لبناء إمبراطورية له ولأبنائه وليس للمصريين.
الأمر الثانى، أنه ركّز انتصاراته وأمجاده فى المجال العسكرى لا المجال الحضارى، فتوسعت مصر فى السودان والشام والحجاز ولكن هذا التوسع كان توسعا سياسيا فقط، ولم يقدم أى تأثيرات حضارية أو فكرية.
ثالث الأمور أن الرجل كان – ربما أسوأ من معاصريه من الحكام – مستبداً ظالماً غشوماً، لا يتورع عن إراقة الدماء، ولا يحمل أدنى عاطفة لأحد، فما بالك بالمصريين الذين يحكمهم.
واللافت أن هناك مرجعًا مهمًا يحكى قصة التعليم فى عهد محمد على صدر سنة 1938(خلال حكم أسرة محمد علي) كتبه أحمد عزت عبدالكريم، وقدم له الباحث العظيم شفيق غربال. ومؤلف الكتاب كان أستاذا فى علم التاريخ ورحل عن عالمنا سنة 1980.
والمثير فى الكتاب أنه على الرغم من قيام مؤلفه بإهدائه إلى الملك فاروق، مليك البلاد الذى كان محل آمال الناس وقتها، إلا أنه لم يتحرج عن نقد مشروع محمد على فى تجربة التعليم وتحميله أسباب عدم اكتمال التجربة.
وهنا فإننا نجد هذا الباحث الموضوعى لا يرى بأسا أن يشير صراحة إلى أن انفراد محمد على بالرأى، وخوفه الشديد على سلطاته، وإصراره على المركزية الشديدة كانت عاملا أساسيا فى أفول الحلم.
لقد كان التعليم فى مصر قبيل تولى محمد على قاصرا على التعليم الدينى بمستوييه البسيط أى تعلم القراءة والكتابة فى الكتاتيب التقليدية بالقرى والنجوع ومختلف الأنحاء، والعالى والمتمثل فى التعليم بجامع الأزهر الشريف، والذى كان يتم فيه حفظ القرآن الكريم وتعلم الفقه والعلوم الشرعية والبلاغة. وبخلافهما لم يكن هناك تعليم حديث، ولم تكن علوم الرياضيات والكيمياء والهندسة والطب تحظى بأى اهتمام طوال العهد العثمانى.
وعندما أقدم محمد على على إنشاء جيش نظامى مصرى منفصل عن الدولة العثمانية، فقد وجد وقتها الحاجة لازمة للبحث عن معاونين لذلك الجيش من أطباء ومهندسين ومترجمين وكيميائيين، ومحاسبين، وغيرهم. وهكذا بادر بإنشاء عدد من المدارس النظامية الابتدائية والمتخصصة فى القاهرة والمدن الكبرى، مستعينا ببعض المعلمين الأجانب خاصة من الطليان، إلى جانب شيوخ ومعلمين اختارهم بعناية من المعاهد الدينية التقليدية، ولم يكن غريبا وقتها أن تكون اللغة الأولى المعتمدة هى الإيطالية، قبل أن تتحول فيما بعد إلى اللغة الفرنسية.
وكانت إدارة المدارس وتنظيم شئونها فى بداية عهدها من مسئولية ديوان الجهادية، ورأى محمد على لاحقا أن ينظم تلك المدارس على نسق النظام التعليمى نفسه المتبع فى فرنسا، فأصدر فى سنة 1836 لائحة لإنشاء مجلس شورى المدارس المصرية.
ولما كانت تجربة التعليم لدى محمد على مجرد وسيلة لدعم الجيش النظامى الكبير، ومع إجباره على تخفيض عدد جيشه بعد هزيمته وفرض اتفاقية لندن عليه سنة 1840 فإنه صار فى غنى عن الوسيلة الداعمة لذلك الجيش وهى التعليم، بل إنه رأى فى إحدى رسائله إلى ابنه أن يعارض تعميم التعليم الابتدائى للجميع لأنه قد يبغضهم فى بيئاتهم التى نشأوا فيها، ويدفعهم إلى الثورة على المهن التى نشأوا عليها. لكن الأهم فى نظره أنه قد ينقلهم إلى حال من القوة التى قد تمثل مشكلة على سلطة البلاد فى المستقبل، ما يعنى أن تعميم التعليم قد يصنع حالة من النضج السياسى غير المطلوبة لدى حاكم يعتبر نفسه صاحب الرأى الأول والأخير فى كل شىء.
لذا فإن عام 1841 شهد رسمياً وأد التجربة مرة أخرى بإغلاق أكبر عدد من المدارس الابتدائية فى الأقاليم ودمج معظم المدارس المتخصصة معا، لينخفض عدد المدارس تباعا من 67 مدرسة إلى 38 مدرسة تمنح التعليم الابتدائى فقط. ثم تحول ديوان شورى المدارس الذى كان يضم مصريين نجباء وأجانب إلى مجرد كيان شكلى لا تأثير حقيقى له، ما جعله مرتعا للاشيء.
وتلك كانت من الفرص الُمهدرة فى تاريخنا الحديث، وكم من الفرص لدينا مهدرة..
والله أعلم
[email protected]