رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

يتبدى النيل، بسحره المتموج وجاذبيته الغامضة، كلوحة فنية رسم عليها المستكشفون والزوار الأوروبيون ملامح حية، فكل لون يلتقط جوهر هذا النهر القديم.

من حصافة فلورنس نايتنجيل  Florence Nightingale  (ت. 1910)  إلى روح المغامرة لأميليا إدواردز  Amelia Edwards (ت. 1892) وإلى الاهتمام العلمى لجان فرانسوا شامبوليونJean Francois Champollion  (ت. 1832)، فكّك هؤلاء المستكشفون ألغاز النيل، مساهمين فى تضفير نسيج أدبى يخلد سحر هذا النهر العظيم.

بالنسبة لفلورنس نايتنجيل، المشهورة كمؤسسة للتمريض الحديث، لم يكن النيل مجرد مَعْلَم جغرافى وإنما مصدر للسكينة. وجدت السلام الداخلى فى مياهه الهادئة، ووصفت النهر بمرهم للروح المُتْعَبة. عدسة نايتنجيل، التى كانت غالبًا ما تركز على الشفاء، أضافت منظورًا فريدًا لجماليات النيل، مصوّرة إياه كقوة علاجية للزائر والمقيم على حد سواء.

أمّا أميليا إدواردز، المستكشفة الفيكتورية الجريئة، فقد انطلقت فى رحلة على طول النيل فى القرن التاسع عشر. فى رحلتها السردية A Thousand Miles Up the Nile  «ألف ميل على طول النيل»، ترسم لوحة حية لسحر النهر وتستكشف ألغاز المعابد القديمة والمناظر الخالدة، وتصف النيل كموصِّل كَهْرو-سحرى يربط العالم المعاصر بالتيار الحضارى لفراعنة مصر القديمة.

بالنسبة للعالم الفرنسى البارز، جان فرانسوا شامبوليون، الذى اشتهر بفكّ شفرة حجر رشيد وكشف أسرار اللغة الهيروغليفية، لم يكن النيل مجرد نهر بل شهادة حية على مهد الحضارة ومدارجها الاولى. وصفاته التى مزجت بين الأهمية التاريخية للنيل وعجائبه الجغرافية، خلقت سردًا تتماهى فيه الدهشة المذهلة التى تُذْهِب العقل مع الفهم الرزين الذى يرسخ فى خلايا الدماغ.

صوّر المستكشفون الأوروبيون، من أمثال نايتنجيل وإدواردز وشامبوليون، النيل كسيمفونية من المتناغم والمتناقض؛ من الامتدادات الهادئة التى تعكس نشوة مهدئة إلى الحياة النابضة التى تزخر على ضفافه. يصبح النيل، من خلال أعينهم، مصدر إلهام دائما، يدعو القراء لاستكشاف أعماقه، سواء كانت مادية أو استعارية.

والآن، أرغب فى إضافة ملاحظة قصيرة عن النيل، فليسمح لى القراء أن أتخيل هذا الحديث بينى وبين النهر العظيم:

كمال: مياهك تروى الحقول والعقول على حد سواء. فى هذا العصر الرقمى، كيف ترى بلادنا المصرية وبحثها عن المعرفة والتقدم؟

النيل: المعرفة نهر يعكس تدفقى الأبدى. فكما تحمل مياهى الحياة إلى التربة، فهى تجلب الحيوية إلى أهل مصر، فليبحروا من بدايات الفهم  مرورا بعمق الاستيعاب ومنه إلى ميناء التقدم والازدهار.

كمال:  تياراتك مجاز لتلاقى التاريخ والتقدم. كيف يمكن لنا، كمصريين، أن نجتاز مياه مصيرنا المتغيرة باستمرار؟

النيل: فى رقصة الزمن، يا كمال، ابحث عن التوازن والانسجام. اعتنق الدروس المحفورة فى قاع نهر العصور، ودع تيار التقدم يرشدك، كما يجوب القارب على سطحى، اتجه باصرار مع فيضان المعرفة ولكن بحكمة العاقل الرشيد، فرحلتك متشابكة مع كل تيارات المصير الإنسانى.