رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

بالأمس كنت أتكلم مع أسرتى عن بعض السودانيين الدين انضموا إلى إخوتهم السوريين فى منطقتنا بالزيتون، وكيف أصبحوا جزءاً من مجتمعنا الصغير، كنا نتكلم ونحاول أن نتعايش مع لحظات حياتهم السابقة الهادئة فى بلادهم قبل أن تحول الأحداث الحالية حياتهم إلى واقع مرير وعذاب صعب الخروج من صدمته إلا بعد مرور سنوات.

فى تسعينات القرن الماضى كنت قد اقتربت كثيراً من معايشتى للإخوة السودانيين بحكم خدمتى فى تلك الفترة بالقوات المسلحة فى مثلث حلايب، وجدت فيهم كثيراً من الطيبة والبراءة العفوية والتعامل بطريقة تجعلك تشعر بغير مواربة أننا جزء واحد، وجدت فيهم ثقافة وعلماً كثيراً، ربما كانت تلك الفترة أيضاً صعبة بالنسبة لهم خلال فترة وجود الثلاثى (البشير – الترابى – الصادق المهدى)، كنت أتابع موقف السودانيين وما يجرى فى بلادهم من أحداث وأشعر بحبهم الشديد لبلدهم وخوفهما عليها، بل وجدت فى البعض مشاعر الحزن لما وصلت له حال بلادهم خلال تلك الفترة، رغم أنهم يعلمون جيداً أن بلادهم تعتبر ثروة أفريقيا زراعياً ومعدنياً.

كنت أستمع إلى قصصهم وذكرياتهم فى بلادهم، وأتعايش داخلها بحكم تكوينى وثقافتى الطفولية فى قريتى الصعيدية والتى تتشابه مع مجتمعهم الزراعى، واليوم أحاول أن أرى تلك الذكريات مرة ثانية فى وجوه إخوتنا السودانيين المتجاورين لنا فى السكن حالياً، فأرى نظرة الحزن تكسو وجه البعض، وأشعر وقتها بأن كل ذكريات الماضى تطارد تلك الوجوه فى غربة حتى ولو كانت بين أشقائهم، فهى غربة عن منبع الذكريات، غربة عن أمن البيت والعائلة، غربة عن تراب عشقوه ومن تربته أجساد أجدادهم، وفى نفس الوقت حزن آخر من تناقل الأخبار عن كارثة إنسانية يعيشها من بقى فى السودان الحبيب المحبب لقلبى.

عندما أتساءل كيف خرجوا من ديارهم، بل والأشد من هذا عندما أحاول أن أضع نفسى فى موقفهم، وهم مجبرون على الهروب من ويلات حرب ليس لهم يد فيها، غير أنها حرب سلطة، أحاول أن أتخيل كيف كانت رحلة عبورهم للحدود، وما سبقها من ترتيبات ونظرة الوداع لكل ذكريات الماضى ووداع للأحبة والأهل والجيران، إن بقى منهم حياً، فليس هناك وقت للوداع بالأحضان بل نظرات حسرة من بعيد عن ماضى ولى ومستقبل مجهول.

ما بين رحلة العبور وحتى الاستقرار بجوارنا، هى رحلة عبور عبر أنفاق الموت وليس نفقاً واحداً، فكل خطوة محفوفة بالمخاطر يسير بجوارها الموت، سواء موت الحرب أو الجوع أو السير والتنقل أو محاولة حمل ما خف وزنه وزادت قيمته من تعب العمر ليكون بذرة لحياة جديدة لا يعرفون عنها شيئاً ولكن هى رحلة البحث عن الأمن.

هنا جاءوا وسكنوا بجوار إخوتهم السوريين فى أمن وأمان، ووقتها تنهدت كثيراً ونظرت إلى أعلى فى حركة فطرية لأقول فليحميكِ الله يا مصر، فمن غيرك يستطيع أن يتحمل كل هذا، وماذا سوف يكون وضعهم لا قدر الله ونجح ما خطط له إخوة الشياطين لبلدنا، فهل كان لهؤلاء أمن وأمان إلا مصر، أين يمكن أن يكونوا أو ربما كانوا فى عداد الموتى بعد صعوبة فى الهرب مراراً وتكراراً، ولينظر مَن ينكر إلى كل حدودنا ويرى كيف كانت وإلى أى مدى وصلت أو حتى يحاول قراءة المستقبل ليقول إلى أين المنتهى؟

ربما ضغوط الحياة أصبحت كثيرة وصعبة والأسعار زادت وارتفعت بشكل غير مبرر، ولكن بالطبع عندما أنظر إلى حال كل هؤلاء المتواجدين وسطنا فى كل بقاع مصر المحروسة، وقد أصبح لهم مسكن ومشرب ومأكل، فأقول طالما فى العمر بقية يجب أن نتعايش بجوار بعض لأجل أن تستمر الحياة وتبقى كل أبواب مصر أبواب الأمن لكل من يطرق بابها، وبالفعل فإنها سوف تستمر أبواب الحياة للعائدين من مناطق الموت.

 

[email protected]