رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فى المقال السابق ناقشنا الحرب والسلام فى إبداعات الروسى ليو تولوستوى والفرنسى ألبيركامو والألمانى المحارب يونغر. هنا سنعرج على الأدب العربى لنكتشف استعاراته ونفكّك كناياته لنقل تفاصيل ورؤى عن الحرب والسلام، ولنكشف الوجه الإنسانى الذى يظهر من ركام النزاع، كما يظهر الآن فى مأساة غزة. 

فى شعره يُصوّر محمود درويش السلام كزهرة رقيقة، تظهر من رماد الصراع، ويحوّل أبياته إلى استعارة مؤثرة لصراع من أجل السلام. تنبض قصيدته «حالة الحصار» بالحنين إلى الهدوء والأمان وسط الواقع القاسى للاحتلال، مستخدمًا فى شعره شجرة الزيتون كرمز للصمود. تصبح الشجرة، بجذورها التى تتحمل أشد العواصف، استعارة مؤثرة للأمل الدائم فى السلام. يتحدث كأنه يصف مشاهد الحرب فى غزة:

لا لَيْلَ فى ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة

أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ

فى حلكة الأَقبية

يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ

بمنظار دبّابةٍ...

نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.

أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا،

واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ

فقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا.

أَيها الواقفون على عتبات البيوت!

اُخرجوا من صباحاتنا،

نطمئنَّ إلى أَننا

بَشَرٌ مثلكُمْ!

يروى كتابه «ذاكرة للنسيان» تجارب الشاعر المروعة فى بيروت خلال صيف عام 1982 عندما حاصرها الجيش الإسرائيلى بلا هوادة. أول ما يدهشنا فى هذا الكتاب هو عنوانه الذى يبدو متناقضًا «ذاكرة للنسيان». تشير الذاكرة فى هذا الكتاب مرات عديدة إلى حياة درويش فى الوطن، فى حين أن الغزو الإسرائيلى للبنان وحصار بيروت هى الأشياء التى يتمنى نسيانها. هنا تتشابك أقطاب الذاكرة والنسيان بطريقة تشكل تركيبة وسيطة جديدة تدين بوجودها لكليهما ولكنها لا تنتمى كليًا إلى أى منهما. وبالتالى، تم تحديد مكانة النص فى الفترة الفاصلة، باعتبارها تعكس موقف مؤلفه ورفاقه الفلسطينيين فى لبنان الذى مزقته الحرب.

يبدأ النص بحلم وينتهى بنوم المؤلف فى نهاية اليوم. بين استيقاظه ونومه، تجرى الأحداث ويتم استدعاء ذكريات الماضى، كلاهما متشابك فى فعل الكتابة. الكتابة بمثابة شاهد - عيان حى وأيضاً شاهد جماد صامت - كشاهد القبر- على الأحداث التى يصفها المؤلف. الكتابة هى أيضاً استعارة لكل الوجود فى النظرة العربية والإسلامية. ووفقًا لهذا الرأى الذى عبر عنه مؤرخ القرون الوسطى ابن الأثير بقوله إنّ الله خلق القلم وأمره فكتب فى الوجود كل ما سيبقى إلى يوم الدين.

فى ميدان الأدب، تكون استكشافات مواضيع الحرب والسلام ليست فقط انعكاسًا للحالة الإنسانية، ولكن أيضًا دعوة للتعاطف والفهم. من خلال كلمات تولستوى ودرويش وكامو، تتردد رغبة الإنسانية فى السلام، عابرة حدود الأزمنة وتخوم الثقافات، مذكرة بأنَّ فى سيمفونية الوجود الإنسانى، يمكن لألحان السلام أن تنساب بعيدًا عن صدى الحرب.