رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

هل ستغير الفاجعة الخريطة الإبداعية بالقطر الشقيق؟!

«ليبيا» أوجاع الجار بالجنب للوطن

بوابة الوفد الإلكترونية

إبراهيم المجبرى: «الكونى» استنطق صمت الصحراء.. وإبداع «دانيال» مصبوغ بآلام المذبح المقدس
الفنان العالمى على بن سالم: أتنبأ بكتابة مسرحية لجيل جديد يرصد الوجع بزاوية مختلفة
 

ما يقارب من اثنى عشر عاما، ظلت تلك الأحداث محفورة بذاكرتى حيث لم تستطع ذكريات توالت بعدها من ممارسة فعل الطمس والهدم، وكأن ما أسطره الآن يتراءى أمامى، أكون مشاركا فيه وأنا مشاهد له، كثير من الشيب قد سرى فى شعر رأسى ولحيتى، وأصيبت روحى ببعض منه.. حماس الثلاثين كنت ذلك الشاب، والآن بعض من الحكمة وكثير من الهزائم التى سكنت ذلك الرجل الذى يسطر تلك الأحرف الآن.  
تعبر الحدود المصرية، لا أثر فى ذلك التوقيت لمعبر حدودى يدل على أنك قادم إلى بلد آخر، ثلاثة براميل من النفط مشتعلة، تخبرك بأن القادم هو نوع من مغامرة المجهول، صوت الرصاصات يترامى من كل الأصداء حولك، سيارات دفع رباعية تحمل كلاشينكوف بصحبة أفراد ملثمين،  وقاذف ثقيل رشاش متعدد الطلقات، والنصيحة التى أخبرنى بها رجال الصحارى من قبيلة أبناء على «مهمتنا إلى أمساعد المصرية.. بعدها لا نستطيع تقديم لك أى يد عون».

ملح الأرض
خضت مغامرتى الصحفية فى بلاد سى عمر المختار، وقعت فى غرام هذه الأرض، ثمة أمر قد اشتبك فى الروح لم أستطع التخلص منه، حملتنى المهنة لبلاد ما وراء النهرين، الصين، شرق أوروبا، السودان، الخليج العربى، أمريكا، لكن ثمة شيئا مختلفا داخل هذه الأرض قد أوقعنى فى أسره، اسشتعرت أن فضلا أدين به لهذا الوطن، ربما ما حققته من نجاحات عبر ما كتبته عن أحداث جرت فى هذا القطر ربما، لكن شيئًا ما علق فى القلب واستبد به، صرت أتذكر بين الحين والآخر رائحة ترابه، قسمات وجه أهله. صرت أستشعر أن ليبيا امتداد روحي لوطنى، شقيق ينتمى لشقيق، تترك بيت أبيك لتنعم بحنو بيت عمك، لا فارق بين الهويتين طالما قد قذف النبتة جد واحد.
منذ أيام قاربت على العشرين، كان اتصال زوجتى الذى تجاهلته فى المرة الأولى ثم الثانية لتخبرنى برسالة نصية :«ليبيا بها كارثة إعصار دانيال والوضع مرعب» ابتعدت عن ركن الأصدقاء منقبًا فى وكالات الأنباء العالمية محاولا تصيد المعلومة ومصدر الخبر. كان أول من بادر إلى ذهنى هو الكاتب الليبى عماد عجاج، طغت ملامحه أمام عينى وكأنما انتقل بروحه ليواجهنى لا ليحادثنى عبر الهاتف، عماد عجاج المواطن الليبى صاحب الهوية العربية الأصيلة فى انتكاستنا المتكررة، ملامحه الطفولية رغم أنه توسط الأربعين، أحلامه المؤجلة التى تاهت فى زحام الحياة والمسؤولية، الحلم بوطن يعيش فيه الفقراء مستورين، لتذهب كل الأيديولوجيا للجحيم، «شعوبنا غلابة يا رامى» جملته المفضلة بين الحين والآخر، دخان سجائره الذى يحتفظ بعادة قديمة فيه، وهى إنهاء السيجارة «السيبسى» قبل منزل والده بكيلو متر كامل «أبى يستشعر التدخين على بعد كيلو متر.. الحرص واجب»، يوجهنى بهزيمة جديدة ألمت بوطنه لتضاف إلى كومة هزائمه، أحلامه التى تبددت لأن ابنتين جميلتين تستحقان منه أن يفكر فيهما لا ليفكر فى نفسه وتحقيق ذاته، صار هم العيال أكبر من هم الحلم برفاهية تحقيق الذات، حبه لزوجته التى رآها تحملت الكثير من الطيش والترحال والبحث عن الذات، يحادثنى ليخبرنى أن الإعصار اقتلع مدينة درنة وأن الضحايا بالآلاف، أن كتابة جديدة ستولد من رحم الفجيعة والفقد هى كتابة «أدب اليتامى». تمر أمامى وجوه الزملاء فاطمة المبروكى بشخصيتها التى تسعى فيها للتفرد، نضالها المستديم للنجاح، ثم والدها الرجل الذى خدم فى الإطفاء وإنقاذ حيوات الناس، نور الهدى طاهر ذلك الملمح الملائكى بجوار شجرة بيتها العتيق التى تحمل الكثير من التذكر، عبد السلام الفيتورى بخفة ظله ومزاحه الذى ينافس فيه المصريين، سليمة الكاتبة صاحبة الملامح الدالة على الحكمة والاختمار ومحاولة الانتصار على الحياة رغم الهزائم، عندليب الدقى الذى كنا نسميه وقت المحاضرات «سيف خليفة»، المعتقل القديم صلاح الدين الغزال الذى لا يرى العمر سوى رقم وما تزال هناك أحلام يجب أن تحقق على أرض الواقع. أمانى الليبية صاحبة الطلة الحزينة والصمت ثم عبد السلام شقلبان، هدى الشيخ التى تتجدد روحها بالتنقل والحراك والسعي، بشرى العجيلى الشغوفة بالمعرفة ومحاولة الفهم والوجه الطفولى الأقرب لملامح مصرية بارة بوالديها تساؤل وحيد يلح للطرح كيف حال هؤلاء جميعا؟ هل أصابهم وابل الإعصار؟ هل ستتأثر كتاباتهم وإبداعهم بمس من الكارثة التى ألمت بديارهم؟!

للموت رائحة أخرى

ابراهيم المجبري


 

ابراهيم الكوني

كانت الأصوات تأتى دوما عبر الهاتف مخنوقة، معبرة بالصمت أكثر من الحوار، كنت بحاجة إلى أن أستمع إلى أحد منهم، وجدتنى أضغط زر الهاتف مستخرجا رقم الكاتب الصحفى والأديب  إبراهيم هدية، الطبيب الذى هجر الطب ووقع فى أسر بلاط صاحبة الجلالة ومنها إلى الأدب، ملامحه التى تجمع بين الوداعة أحيانا وذكاء أهل الصحارى، جبهته العريضة والتى توحى بحسب علم الفراسة أن للرجل شأنًا كبيرًا بين قومه، كنت بحاجة ماسة لمحادثة روح بشرية متماسكة،  إبراهيم الذى أعرفه عن قرب، لا يبكى إلا فى عزلته، يبدو متماسكا كعمود خيمة لكنه فى أغلب الأوقات لا تستطيع أن تكشتف ملامح معبرة عن طبيعته أو انفعاله الداخلى، فلربما أتقن لغة الصحراء، صوت إبراهيم متماسكا بعض الشيء، يستكمل محدثى إبراهيم هدية المجبرى الكاتب الليبى: «استطاع الروائى الليبى ابراهيم الكونى استنطاق الصمت فى معظم أعماله الروائية، كان الصمت هو البطل المتوج لأعمال الكونى يحمل الهوية العربية الليبية، لكننى هنا أتذكر روايته نزيف الحجر، ذلك العنوان الذى يمكن أن يجسد ما نحياه نحن الشعب الليبى بفاجعة ألمت بمنطقة الجبل الأخضر والمنطقة الشرقية، هنا نزيف روح مرئى وليس خياليًا ولا مجازيًا ولا استعاريًا.. من يسير فى شوارع درنة يرصد الموت بشكله الظاهرى، ذلك الموت برائحته وشكله وطقوسه ورفات جثث بنى الإنسان دون النظر إلى بعد قبائلى أو عشائرى. ذلك الموت الذى حرك الكثير من المشاعر الإنسانية داخل البسطاء برأيك كيف سيكون تأثيره على الأدباء والكتاب والشعراء، إذا كان الكونى استنطق صمت الصحراء فإعصار دانيال سيصبغ إبداعنا بالألم المقدس....» يتركنى إبراهيم على الهاتف لثوان، شاردا، ولا أعلم من منا قد أغلق سماعة هاتفه.

درنة.. الضريح الأممى لغرقى وطننا العربى

علي بن سالم


الفنان الليبى العالمى على أحمد سالم صاحب دور بلال مؤذن الرسول فى الفيلم العالمى الرسالة، لا زلت أذكر ملامحه وقت أن حادثته وجهًا لوجه، كأنما تحادث رجلًا من مريدى سيدى أبى الحسن الشاذولى، رجل ينتمى لشيخين فى عالم التصوف، السيد إبراهيم الدسوقى والسيد الشاذولى، تظنه هكذا، بمجرد أن تتطلع لملامحه، يزهد عن الحديث عن كونه من أصحاب الصيت العالمى، يحادثك أنه رجل لا يزال يجهل الكثير ويرغب فى التعلم، وميض عينين كأنما أدركتا بعضًا من الحقيقة فى رحلتهما، أحادثه فيقول: «يا دكتور أنت مصرى وأنا زوجتى مصرية لا فارق بين الوطنين يا بنى» أستشعر سكينة روحية وأنا أحادث هذا الرجل، كأنما اصطبغ سلامه الداخلى بروحه، أحمل تساؤلى للفنان العالمى مستفسرًا منه عن خريطة الإبداع الليبية بعد كارثة الإعصار يخبرنى :«إننا أمام ضريح روحى لأبناء أمتنا العربية، درنة بلد مات فيها أناس من جنسيات عربية مختلفة لم يفرق الموت بينهم، بل أخالنى أتخيل لحظة ذلك الإعصار بين تمازج اللهجات وقتها بين المصرى والفلسطينى والليبى واليمنى والتونسى، الموت كان واحدا وخضبت أرواحهم ديارنا، وإذا كان الفن هو أحد روافد الإبداع ومشتقاته ومخرجاته للجمهور، فإن جيلًا جديدًا من كتاب المسرح أو الدراما السينمائية لن يقفوا عميانًا أمام هذه الفاجعة الإنسانية، ستطلع على نصوص مسرحية لأدباء ليبيين شبان ينظرون للواقعة بزاوية رؤية مختلفة.