حكم الشر ع فى سب الأموات
![بوابة الوفد الإلكترونية](/themes/alwafd/assets/images/no.jpg)
إن الله تعالى جعل حرمة المسلم من أكبر الحُرمات ، و أوجب صونها على المسلمين و المسلمات ، و هذا ما فهمه السلف قبل الخلف ؛ فقد روى ابن حبان و الترمذي بإسنادٍ حسن أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نظر يوماً إلى الكعبة فقال : ( ما أعظمَكِ و أعظمَ حُرمتِكِ ! و المؤمنُ أعظم حُرْمةً مِنْكِ ) .
و حرمة المسلم غير مقيدة بحياته ، بل هي باقية في الحياة و بعد الممات و يجب صونها و الذب عنها في كلّ حال ، و على كلّ حال .
روى البخاري أن عبد الله بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما شهد جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها بِسَرِفَ فَقَالَ : ( هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلا تُزَعْزِعُوهَا وَ لا تُزَلْزِلُوهَا و ارْفُقُوا ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله [ كما في فتح الباري : 9 / 113 ] : يُستفاد من هذا الحديث أنَّ حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته ، و فيه حديث ( كسْرُ عَظْمِ المؤمن ميْتاً كَكَسرِهِ حياً ) أخرجه أبو داود و ابن ماجه و صححه ابن حبان .
قلت : هذا الحديث حسَّن الجلال السيوطي في الجامع الصغير إسناده عن أم سلمة رضي الله عنها ، و ليس كما قال ، و سكت عن بيان درجة إسناده عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، و هو إسناد صحيح ، فتنبه .
و من المعلوم أن نصوص الشريعة جاءت بتحريم سب المسلم على الإطلاق و لم تفرِّق في النهي بين الأحياء و الأموات ، و شددت في الوعيد لمن سبَّ مسلماً و من ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَ قِتَالُهُ كُفْرٌ ) رواه الشيخان و غيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
قال الحافظ ابن حجر : ( في الحديث تعظيم حق المسلم ، و الحكم على من سبه بغير حق بالفسق ) .
و روى مسلم في صحيحه و أبو داود و الترمذي كل في سننه ، و أحمد في مسنده ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : ( المستبان ما قالا فعلى البادئ ، ما لم يعتد المظلوم ) .
أي أنَّ إثم ما يقع من سباب المتسابَّيْن ينوء به الأول ، لأنه المتعدِّي ، و المتسبب في الإثم فيبوء به كلُّه ، إلا إن تطاول المنافح عن نفسه فزاد في الانتصار لنفسه عن القدر المشروع في دفع الظلم ، فيلحقه حينئذٍ إثم الزيادة و التعدي ، كما نص على ذلك الإمام النووي رحمه الله و غيره من شراح الحديث .
و هذه النصوص و غيرها تراعي حرمة المسلم دون تفريق بين حال حياته ، و ما بعد مماته ، و يستفاد منها مجتمعة أن سبَّ المسلم على العموم كبيرة مفسّقة .
فإذا أضيف إليها ما جاء في النهي عن سبِّ الأموات على الخصوص ، صار التحريم آكَد و النهي أبلغ .
روى البخاري و النسائي و أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا ) ، و قد بوَّب البخاري على هذه الحديث في الصحيح ، فقال : ( باب ما ينهى من سبِّ الأموات ) .
و علَّل بعض أهل العلم النهي عن سبِّ الأموات بما يلحق الأحياء بسببه من الأذى الذي لا يبلُغ الميت بحال .
قال ابن حبان في صحيحه : ذكر البعض من العلة التي من أجلها نهى عن سب الأموات ، ثم روى بإسناده إلى زياد بن علاقة أنه سمع المغيرة بن شعبة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء ) .