رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

قصة معلم الأجيال من رحم المعاناة يولد الأمل

الكنيسة تحتفل بمئوية ميلاد البابا شنودة الثالث

بوابة الوفد الإلكترونية

«مصر وطن يعيش فينا وليس وطناً نعيش فيه»، كلمات لا تزال عالقة فى أذهان المصريين نطقها مُعلم الأجيال البابا شنودة الثالث، حين أراد منادى التعصب أن يتسرطن فى أطياف المجتمع ويضع فتيل التفرقة بين الأقباط والمسلمين.

 وضع بطريرك الأقباط دستور محبة الأقباط لهذا البلد عكست مواقفه مدى ترابطه بالشعب المصرى وتمسكه بحماية العقيدة الأرثوذكسية وحماية الكنيسة القبطية فى مراحل قاسية شهدتها مصر على مدار ٤٠ عاما وهى مدة توليه الكرسى المرقسى.

وقبل أيام من الاحتفالية المرتقبة تستعد الكنائس القبطية والمركز الثقافى الأرثوكسى بالعباسية، الخميس الموافق 3 أغسطس المقبل، بمناسبة مئوية ذكرى ميلاد مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، بطريرك الكرازة  المرقسية الـ117، الذى أفنى حياته فى رعاية الأقباط وساهم خلال أربعة عقود فى وضع أساس قوى وعتيد لحماية الكنيسة وتأسيس ودان الشباب الذى رأى أنهم المستقبل فظل يرسم لهم الطريق ولا تزال تعاليمه وكلماته باقية تنعم الأجيال المتعاقبة حتى الآن. 

لمحات من حياة معلم الأجيال..مُلهم الأجيال

كان من ينظر إلى قداسة البابا شنودة يجده رجلًا عظيم الشأن وقوى المكانة، حكيم الكلمة، ولا تولد هذه القوة إلا من رحم المعاناة، فقد غير الراعى الصالح حياته الصعبة المظلمة إلى قصة مُلهمة للأجيال، وروى من جوف الحرمان أرضًا نمت وتحولت إلى حديقة مزهرة ومفعمة بالحياة والتجديد، تنمو غصونها رغم رحيله فى نفوس الشباب ويتوارثها الأقباط. 

كان البابا شنودة، أباً حنونًا مُفعماً بالإنسانية تنساب من ثناياه صانعة عذب كلمات الشعر والحكمة، لينعش الكنيسة القبطية بعدما شهدت نهضة كبيرة فى عهد مثلث الرحمات البابا كيرلس السادس. 

رصدت «الوفد» بمناسبة مئوية ميلاد البابا شنودة البطريرك الـ117، أبرز المواقف والعِبر المؤثرة فى حياة جيل بأكمله ومحطات دونها تاريخ الأقباط حفظتها صفحات كتاب «اسمك فى فم من الذهب» الذى تحدث فيه البابا عن نفسه وطفولته ومشواره الملهم، ومن كتاب «ذكريات فى حياة البابا شنودة»، الذى قدمه أعضاء مركز «معلم الأجيال» بمنطقة الزيتون بإشراف القمص بطرس جيد، ابن أخ البابا شنودة الثالث. 

 تستعرض «الوفد» محطات لا تُنسى فى حياة معلم الأجيال..الحاضر فى وجدان الأقباط.

بدأت سطور هذه القصة مع بزوغ شمس يوم 3 أغسطس 1923 فى قرية سلام بمحافظة أسيوط، حين ولد الطفل «نظير جيد» فى ظروف قاسية رحلت أمه فور ميلاده متأثرة بحمى النفاس، وكانت سيدات القرية يتناوبن لرعايته وهو فى المهد، ويذكر مثلث الرحمات البابا شنودة عن هذه المرحلة فى حديثه الأخير أنه رغم ما وصل إليه لا يزال «مديونًا لهن»، وأخذ الطفل مرحلة الروضة خلال عام فقط ثم انتقل منها إلى المرحلة الابتدائية.

يذكر البابا شنودة فى حديثه عن هذه المرحلة التى مر بها أنه كان وحيدًا لا أحد يهتم لأمره لفترة من عمره حتى أخذه أخوه الأكبر الذى كان يعمل آنذاك فى دمنهور، لتبدأ دراسته الأولى فيها ثم توجه إلى الإسكندرية.

وحينئذ بدأت دراسته ثم انتقل فيما بعد إلى الإسكندرية ليتلقى تعليمه داخل مدارس أهلية، ولم يتمكن من الالتحاق بمدرسة أميرية لأنه لم يملك حينها شهادة ميلاد وظل فترات هذا الطفل قاسية حتى عودته إلى مسقط رأسه التى كانت بمثابة نقطة التحول العظمى فى سيرته.

كان البابا شنودة فى هذا الوقت يعيش برفقه أخيه الأكبر «شوقى جيد» والذى أصبح الأب بطرس جيد بعدما بدأت حياة الكنسية، وكانت هذه الفترة التى ألمحت بداخله إلى أهمية اللجوء إلى الكنيسة والمشاركة فى الفعاليات الروحية والقداسات وبدأ يتردد على العظات وكان أكثر ما يحرص على التواجد فى عظاته هو «الأرشدياكون إسكندر حنا».

 وبحسب ما وصفه البابا شنودة فى حديثه الأخير أن هذه المرحلة هى «مرحلة الالتصاق بالكنيسة» من شدة تأثره بكلمات مطران أسيوط الأنبا مكاريوس، والأرشدياكون. 

مرحلة وضع بذور محبة الكنيسة 

كانت عائلة الطفل «نظير» تروى بذور المحبة الإيمانية فى نفوس أبنائها فقد قرر أخوه الكبير أن يلتحق بالكلية الإكليريكية وكانت هذه الخطوة التى بشرت ببداية مرحلة التكريس، وهى الخطوة التى تلت هذه مرحلة التعلم الإكليريكى والتى كانت تتطلب جهدًا كبيرًا نظرًا لوجود الكلية بالقاهرة ومسكنهم فى بنها فظل يسير على الأقدام طوال هذه الفترة.

البابا شنودة.. ولد بدون «شهادة ميلاد»

كانت حياة معلم الأجيال منذ ميلاده شديدة الدقة فقد ولد بدون «شهادة مولد»، بسبب ما تعرض له من فقدان والدته وانشغال أسرته بالعمل، ولم يشعر بأهمية هذه الوثيقة سوى فى المرحلة الثانوية فلم يجد مدرسة يلتحق بها فى بنها التى لم تضم سوى المدارس الأميرية، ولجأ حينها إلى القضاء ورفع قضية على والده لأنه لم يسجله بعد ولادته ثم دخل فى سواقط القيد فأرسل إلى طبيب ليقوم بتقدير عمره وهو من وضع تاريخ ميلاده بعد حساب فترة وفاة والدته بحمى نفاس، وبعد عامين استخرجت الشهادة ووصلته وهو فى العام الثانى من هذه المرحلة الدقيقة. 

تفوق الطفل نظير فى الدراسة 

كانت قدرات الطفل نظير تبشر بوجود حالة فريدة ينعم بها بالرغم من صعوبة ما وجده فى حياته إلا أنه أخذ بثأره من الحياة وكان متفوقا فبعد أن انتقل إلى القاهرة وعاش بمنطقة شبرا برفقه أخيه التحق بمدرسة الإيمان الثانوية، وكانت هذه المرحلة الثانوية تصل لمدة 5 سنوات، وظل فى الترتيب الأول ومنافس المتفوقين. 

البابا شنودة.. الشاعر صاحب الكلمة القريبة من الأقباط

يشتهر البابا شنودة بإحساسه المفعم بالإنسانية رغم حكمته ومواقفه الحاسمة ظل يعبر فى شعره على أهمية الشعور الإنسانى، ويقول القمص موسى إبراهيم يعقوب، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية، فى حديث سابق لـ«الوفد» إن الشعر الذى كتبه البابا شنودة كان مؤثرًا فى حياة الكثير، بل أثرت فى نفسه هو شخصيًا حين سمع قصة قداسة البابا وهو فى المرحلة الثانوية عبر الراديو وكانت تعكس متطابقة بما يشعر به هذا الشاب حينها، لذا ارتبط البابا شنودة بوجدان الشباب والكبار لأنه قريب إلى أنفسهم ويشبه عقولهم، ويملك قدرة كبيرة فى الإلتصاق بالآخرين والانسياب إلى عقولهم بمفردات قريبة وواقعية. 

قصة أول قصيدة لـ«البابا شنودة» فى رثاء صديقه

ذكر البابا شنودة فى كتاب «ذكرياته» عن قصة أول إلقاء شعر داخل الكنيسة فى ذكرى وفاة أحد الزملاء وحينها أنزله القسيس بعدما انهمرت دموع الحاضرين، ويقول إنها المرة الأولى التى لم يُكمل فيها عظته وكانت السبب فى تغير أسلوبه فى الوعظ بالجنازات فى حياته التى تلت هذه الواقعة.

البابا شنودة الثالث.. البطريرك الشاعر

عبر البابا شنودة من خلال كلماته عن صعوبة الحياة التى مر بها وهو فى سن المراهقة ولا يتجاوز من العمر 15 عاماً، وعلى الرغم أنه لم يذكره أنه شعر بل ظل يقول إنه مجرد منثور، بعدما قرأ كتاب «أهدى سبيل إلى علمى الخليل»، التى ساعده فى تعلم قواعد الشعر والعروض والقافية وبحور الشعر وأوزانه وتفاعيله. 

كان البابا يملك من موهبة اختيار الكلمات التى تعكس مدى شعوره وتُلبى حاجته فى وصف ما يريد أن يوصله فى شعره، ويذكر البابا فى كتابه أن هذه القدرة ساهمت فيها تمكنه وتعلمه اللغة العربية بفضل المعلم «محمود محمد سعد» رئيس نقابات العمال آنذاك، والذى طلب منه أن يضع نشيدًا للعمال عام 1940م. 

تعاونت الكلمات مع رغبة البابا شنودة فى التعبير وكانت تسير المفردات طواعية لمشاعره فخرجت مئات الكتب التى صدرت مجمع أشعاره تلامس الوجدان انساب من خلالها إلى قلوب القراء ومن أشهرهم حتى الآن قصيدتة «أحقًا كان لى أم فماتت، أم أنى قد خلقت بغير أم»، التى عكست ما مر به من طفولة ويتم.

البابا شنودة.. يُشبع حبه للعلم فى ثلاثة أنواع من الدراسة فى وقت واحد

 عوض البابا شنودة ما مر به فى المرحلة ما قبل الثانوية وحرمانه من التعلم بحرية فى فترة طفولته من خلال تلقيه ثلاثة أنواع من الدراسة فى وقت واحد، فخلال العام الأخير من كلية الآداب عام 1939 قرر الالتحاق بـ«الكلية الإكليريكية» وكانت مرحلة مؤثرة فى حياته، إذ بدأ فيها بمهمة التدريس من خلال خدمة «مدارس الأحد» فى كنيسة العذراء بمنطقة مهمشة بشبرا، وهو أول منبر يُدرس فيه ثم انتقل للتدريس فى كنيسة الأنبا أنطونيوس، ثم تخرج عام 1947 من الجامعة وفى نفس العام شهدت تخرجه من كلية الضباط الاحتياط وكان الأول فى مدرسة المشاة.

 عاد البابا إلى الإكليريكية مرة أخرى وخلال هذه الفترة تحول شعره إلى الاتجاه الدينى والصوفى، وفيها التقى بأكثر من أثر فى وجدانه مؤسس مدارس الأحد الأرشيدياكون الأستاذ حبيب جرجس، ثم تخرج من الإكليريكية فى سبتمبر 1949 وبدأت عمله كمُعلم فى المدارس الحكومية والاجتماعات. 

البابا شنودة الثالث ودوره فى تنمية الكنيسة القبطية

نمت الكنيسة القبطية فى عهد البابا شنودة الذى وضع نصب عينيه الاهتمام عدة محاور فى آن واحد وقد شهدت زيادة ملحوظة فى أعضاء المجمع المقدس بل سيم ما يقرب من 78 إلى جانب من رحلوا وخمسة أساقفة رسموا أيضاً لمتابعة الكنيسة فى مناطق متفرقة، ولعب دورًا كبيرًا فى توحيد الرأى داخل المجمع المقدس ووضع أول لائحة للمجمع، وأدخل مبدأ حق الأقباط أن يختاروا راعيه، ووضع العضوية داخل الكنيسة لمعرفة من هم الآباء الذين ينتمون للكنيسة وحق الشعب الكنسى فى المشاركة. 

رعاية البابا شنودة بأطفال وشباب الكنيسة 

اهتم البابا شنودة بالأطفال وكان لا يذهب فى اجتماع دون إحضار الحلوى وتوزيعها على المشاركين، وكان يرى أن مستقبل الكنيسة لا يُبنى إلا على أكتاف الأطفال والشباب وحرص على رعايتهم وإعدادهم.

دور البابا شنودة فى توحيد المسيحية 

وهدف البابا شنودة طوال فترة توليه رعاية الكنيسة القبطية أن يوحد المسيحية وحسب ما ذكره كتاب «ذكريات البابا شنودة» كان أول لقاء جمع بينه مع بابا روما، البابا بولس السادس فى مايو 1973، وخلاله اتفقا على العقائد المشتركة ووقعا على إعلان موحد فيه طبيعة المسيح، ويذكر أن العام الجارى شهد زيارة قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إلى روما ولقاء البابا فرنسيس بمناسبة مرور 10 أعوام على هذه الوثيقة التاريخية وكان لقاء مهيباً وشديد الصدى. 

البابا شنودة ومحبة المصريين

يعتبر البابا شنودة أول بطريرك للكنيسة القبطية يُقدس زيت الميرون «أربع مرات» خلال 24 عامًا وهو أمر تاريخى والطقسى هام حتى يستطيع أن ينشره بين جميع الكنائس فى الإيبارشيات، كما كان خير مثال لمصر فى المحافل الدولية الكبيرة وربطته علاقة قوية مع الشعب المصرى جميعًا، وكان صاحب وجه بشوب يلتقى بعدد كبير من الرؤساء والحكام حول العالم. 

البابا شنودة..حاصد الشهادات الفخرية والتقديرية من أنحاء العالم 

نال البابا شنودة شهرة واسعة فى مختلف المجالات حول العالم بل وصل علمه وحكمته أنحاء الكون بسبب مشاركته فى الكثير من المحافل والمنابر العلمية والدينية، وحصد 4 شهادات الدكتوراه الفخرية بعضها من كنائس كاثوليكية وبروتستانتية.

 وحصل على الدكتوراه من جامعة «بون فى ألمانيا» وأيضاً شهادة الدكتوراه الفخرية فى اللاهوت بالإضافة إلى شهادات تقدير من الجامعات العالمية التى أكدت على وجود الأمل فى قوة الإرادة رغم انعدام الأسباب، والتى تعكس مدى قدرة هذا الأب الجليل فى ترسيخ وإلهام الشباب التى أكدتها سيرته فى كثير من المحطات المؤثرة.