رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

سنة الضغوط النفسية ما زالت تتحدى الجميع:

الثانوية العامة شبح لا يموت

طلاب الثانوية العامة
طلاب الثانوية العامة

طلاب يقدمون على الانتحار بسبب الامتحانات.. وآخرون يصابون بأمراض نفسية

طلاب الثانوية العامة 

حالة من الجدل المتجدد، تثيرها امتحانات الثانوية العامة كل عام، وكأنها كابوس يأبى ألا ينتهى، نتيجة ما يسميه البعض بعام تحديد المصير، مما يزيد الضغوط على الطلاب ويجعل الخوف يقتلهم مع بداية الامتحانات، فى ظل حالة من الطوارئ يفرضها أولياء الأمور فى المنازل، حيث يعتبرون هذا العام هو عام الحصاد بالنسبة لهم، فالكل يريد أن يلتحق أبناؤه بكليات القمة التى قد تسهل لهم فرصة الحصول على عمل.

إلا أن هذه الضغوط تجعل امتحانات الثانوية العامة مصحوبة دائما بكوارث حقيقية، بسبب حالات انتحار أو انهيار الطلاب، وهو ما يتكرر كل عام، وعلى سبيل المثال ألقت الطالبة إسراء محمد إبراهيم البالغة من العمر 18 عاما بنفسها من الطابق الثانى بمدرسة روفيدة الأنصارى بحى الزهور بمحافظة بورسعيد، مما أدى إلى إصابتها بإصابات فى غاية الخطورة، وأوضح المستشفى أن الطالبة أصيبت باشتباه بكسر فى العمود الفقرى، واشتباه ما بعد الارتجاج، لافتة إلى أن حالتها فى غاية الخطورة.

وفى قرية الروضة بمحافظة الدقهلية بعد أداء امتحان مادة اللغة الإنجليزية،  تناولت طالبة «حبة الغلة» السامة لمرورها بأزمة نفسية نتيجة ضغوط الامتحانات.

ومعلمون موتى بالسكتة القلبية أو ضحايا حوادث.. وآخرون مهددون بالقتل

 

الأمر لم يقتصر فقط على طلاب الثانوية العامة بل امتد إلى المدرسين الذين دائما ما ينالهم قسط كبير من الضغوط، حيث الانتدابات التى تحدث بين المحافظات للمعلمين للمراقبة على الامتحانات والتى يواجه المعلمون خلالها الكثير من المعوقات، مثل الاغتراب أو معاناة السفر، وعدم جاهزية الأماكن التى يقيمون فيها خلال فترة المراقبة، حيث أعلنت غرفة عمليات النقابة العامة للمهن التعليمية تلقيها إخطارًا من النقابة الفرعية للمعلمين بسوهاج، يفيد بوفاة المعلم عزت فاروق إسكندر، نتيجة سقوطه من القطار قبل توقفه فى محطة فرشوط متجهًا إلى إحدى لجان الثانوية العامة بمدرسة الشهيد وسام منصور التابعة للإدارة التعليمية بفرشوط محافظة سوهاج.

 كما أعلنت النقابة عن تلقيها تقريرًا من النقابة الفرعية بالأقصر، يفيد بوفاة المدرس جبريل على محمد سليمان، أثناء أداء عمله بإحدى لجان الثانوية العامة بالمدرسة الثانوية بنات التابعة لإدارة أرمنت التعليمية بالأقصر، وتم نقله بواسطة سيارة إسعاف إلى المستشفى الدولى بالأقصر.

كما تلقت غرفة عمليات النقابة العامة للمهن التعليمية، إخطارًا من النقابة الفرعية للمعلمين بالقاهرة الجديدة، بوفاة المعلمة أمل فتحى عبدالله عبيد أثناء أداء عملها داخل إحدى لجان الثانوية العامة، بمدرسة سيزا نبراوى بالتجمع الخامس، نتيجة أزمة قلبية حادة، وتم نقلها إلى مستشفى القاهرة الجديدة، لمحاولة إسعافها، ولكن وافتها المنية.

 

خبراء: لابد من تخفيف الضغط على الطلاب وأولياء أمورهم وكل أطراف المنظومة

سنة الضغوط للجميع

الدكتور تامر شوقى

وقال الدكتور تامر شوقى، الخبير التعليمى، إن الثانوية العامة تمثل سنة ضاغطة لكل عناصر العملية التعليمية وبصفة خاصة للطلاب وأسرهم والمعلمين، وذلك نظرا لما يرتبط بها من أمور مصيرية بالنسبة للطلاب والمعلمين على حد سواء.

وأكد أن الثانوية العامة بشكل دائم تشغل أذهان الطلاب والأسر المصرية، ويرجع ذلك إلى العديد من الأمور منها أنها السنة التى يتقرر فيها مستقبل الطالب من خلال التحاقه بكلية توفر له فرصة عمل فيما بعد أو عدم التحاقه بها، كما أن ضخامة أعداد طلاب الثانوية العامة والبالغين (783 ألف طالب) مع محدودية الأماكن المتاحة للطلاب للالتحاق بالجامعات، وكذلك الضغوط التى يمارسها الآباء على الطلاب للنجاح والتفوق تزيد من قلق الطالب، وتركيز الوزارة والأسر ووسائل الاعلام على الامتحانات باعتبارها العنصر الأهم فى العملية التعليمية مما ينقل القلق والضغوط النفسية إلى كل الأفراد المشاركين فى هذه العملية.

وأضاف أن هناك عوامل أخرى تساعد على زيادة الضغوط، منها: المنافسة الشديدة بين الطلاب وبعضهم للحصول على أعلى الدرجات، وقلق الطالب وأسرته من عدم حصوله على مجموع يتماشى مع ما بذلوه من مال وجهد طوال العام، بالإضافة إلى القلق من النظرة الاجتماعية الدونية للطالب الحاصل على مجموع منخفض، وكذالك وجود  فرصة واحدة للطالب للامتحان وخلالها إما ان يحصل على الدرجات التى يطمح فيها أو لا يحصل على ما يريد مما يزيد القلق لديه. 

وأكد الخبير التعليمى، أنه فى ضوء هذه الضغوط الكبيرة التى تفوق قدرة طالب لا يتجاوز عمره  18 عاما تحدث للطالب العديد من التأثيرات السلبية تتمثل في الاصابة بالتوتر الذى قد يصل إلى حد الإصابة بالاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، وإظهار ميول وسلوكيات عدوانية نحو المراقبين الذين يمنعونه من الغش، وعدم التزام الطالب بتعليمات المراقبين من حيث تدوين رقم الجلوس أو الاجابة على الاسئلة فى مكانها، أو رغبته فى أخذ وقت اضافى بعد انتهاء زمن الامتحان، وصدامه مع المعلمين حال رفضهم ذلك، وفى ضوء توقعات الوالدين المرتفعة من الطالب للحل بشكل ممتاز فى الامتحانات وعدم قدرة الطالب على تحقيق ذلك قد يؤدى به ذلك إلى التفكير فى الانتحار بل والإقدام على الانتحار فعليا.

وأوضح أن المعلمين يعانون من ضغوط أيضا أثناء امتحانات الثانوية العامة وخاصة مع وجود عقوبات رادعة لهم فى حالة أى تقصير مثل اعتذارهم عن أعمال الامتحانات بدون عذر،  بل وتتم محاسبتهم على أفعال الطلاب أنفسهم (مثل قيام الطلاب بالغش، أو تصوير وتسريب الامتحان، أو عدم التزام الطالب بالاجابة عن الاسئلة فى الاماكن المخصصة لها فى أوراق الاجابة وغيرها) وقد يترتب على ذلك عقاب المعلم بالحرمان من أعمال الامتحانات لمدة خمس سنوات مما يؤثر عليه بشكل سلبى معنويا وماديا.

وتزداد مشكلات المعلمين مع الامتحانات فى ضوء بعض النقاط، منها عدم التدقيق فى انتقاء المعلمين القائمين بأعمال الامتحانات واستبعاد  كل من لا تثبت صلاحيته، وعقد الامتحانات فى لجان بمناطق نائية تضم أهالى وأسرًا تهدد سلامة المعلمين، وعدم مراعاة التجانس والتوازن فى توزيع الملاحظين على اللجان، بحيث  قد  تتضمن  بعض اللجان  معلمين كبار السن، أو معلمات سيدات فى لجان طلاب ذكور، وعدم استخدام اجهزة حديثة للتفتيش على الطلاب أو  التشويش على الموبايلات فى اللجان، وعدم استخدام كاميرات مراقبة فى جميع اللجان والتأكد من كفاءتها فى العمل، أو عقد امتحانات فى مدارس غير مؤهلة من حيث تصميمها أو أثاثها لاستقبال الطلاب، وعدم مراعاة رغبات  المعلمين فى المراقبة، حيث يتم إرغام المعلمين على المراقبة، بينما يتم استبعاد معلمين آخرين لديهم رغبة فى المراقبة، بالإضافة إلى ضعف المقابل المادى الذى يحصل عليه المعلم نظير المراقبة وأعمال الامتحانات وخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم، وتكليف المعلمين بالمراقبة فى لجان تبعد عشرات الكيلو مترات عن أماكن إقامتهم، واضطرارهم إلى استخدام أكثر من وسيلة مواصلات، يتعرضون فيها لخطر الحوادث والوفاة، وعدم توفير استراحات مناسبة لهم يتوافر فيها الحد الأدنى من المعيشة الكريمة خلال فترة الامتحانات والتصحيح.

تحديد مصير

والتقط أطراف الحديث الخبير التعليمى أيمن البيلى قائلا: إن هناك هالة من الإعلام حول امتحانات الثانوية العامة، على اعتبار أنها امتحانات تحديد المصير لكل الطلاب، مؤكدا أن كل ذلك يسبب الكثير من الضغوط على الطالب أولها الضغوط الاجتماعية المبالغ فيها من قبل الأسرة، لتحقيق أعلى الدرجات، والضغوط الاقتصادية، حيث إن حجم الإنفاق على الدروس الخصوصية مبالغ فيه بشكل قوى، مما يشكل ضغطا على الطالب وأسرته للحصول على درجات عالية مقابل الإنفاق الذى تم، وهو أحد أسباب الغش، وتسريب الامتحانات.

كما أن هناك ضغوطا من نوع آخر أهمها أن الطالب لا يعلم الدرجات المطلوبة للالتحاق بالكلية المناسبة له، وبالتالى فهو يسعى للحصول على أعلى الدرجات، ويعتقد أنه إن لم يحصل على الدرجات المرتفعة فسيكون مستقبله غامضًا، مؤكدا أن كل هذه الأسباب تجعل منظومة الامتحانات ليست معيارًا لقياس ذكاء الطالب وتحصيله الدراسى، وإنما وسيلة لجمع الدرجات.

تغيير ثقافة المجتمع

الدكتورة ولاء شبانة

وقالت الدكتورة ولاء شبانة، استشارى علم النفس والخبيرة التربوية، إن الانهيار النفسى والعصبى الذى يصيب طلاب الثانوية العامة له مردود كبير وله مرجعية متأصلة لدينا كمصريين، لافتة إلى أننا نواجه موروثًا ثقافيًا وفجوة كبرى بين الأبناء والآباء، وانحدارًا للثقافة التعليمية وانحدارًا لسوق العمل بشكل مهنى وحرفى، مؤكدة أنه لدينا اقتناع دائم بأن الثانوية العامة عنق الزجاجة، وهى باب الالتحاق بكليات القمة، وهو وهم يسيطر على عقولنا، فى حين أن هناك من تتوافق قدراته المهنية والذهنية مع عمل آخر يكون بارعًا فيه، كما أن الثقافة المهنية منحدرة جدا، ولابد أن نفكر فى احتياجات سوق العمل بشكل علمى؛ لأن الأمهات لن تفرح حينما يتخرج ابنها من كلية قمة ولا يجد فرصة عمل.

وأكدت أن طلاب الثانوية العامة يتعرضون لضغوط كبرى وهم ما زالوا أطفالا، مؤكدة أن طالب الثانوية العامة علميا هو طفل وفى مرحلة الطفولة، ولابد أن يعلم الآباء أن عقول الأطفال يجب ملؤها بما هو مفيد وهادف ومناسب لهذه السن، والضغوط النفسية فى حالة عدم حصول الطالب على مجموع قمة، أو المقارنات الزائفة التى تحدث بين أقارب الطلاب والجيران، كلها عوامل تسلب التفكير الإيجابى من أذهان الطلاب، وتركز تفكيرهم فى الأفكار السلبية، مطالبة جميع أولياء الأمور أن يتحدثوا مع أبنائهم بإيجابية، والحديث عن العمل بما يتناسب مع قدراتهم الذهنية الخاصة، مضيفة أننا كآباء عندما نوضع تحت ضغوط أكثر من اللازم، نفقد تركيزنا ونفقد الثبات الانفعالى، فما بالنا بأبنائنا الصغار؟

وأوضحت أن كل هذه الضغوط التى يمارسها الآباء تجعل الأبناء مقبلين على الامتحانات وكأنها حرب، «إما عايش أو ميت»، مما يجعل هناك شعورًا لدى الطالب بأن الموت أفضل من مواجهة أسرته بعد الإخفاق أو الفشل فى تحقيق مجموع كبير، لذلك نجد طلابًا يقبلون على الانتحار، وآخرين يصابون بسكتة قلبية أو إعياء نتيجة لتلك الضغوط.

وطالبت الدكتورة ولاء بضرورة إحداث ثورة ثقافية لتصحيح مفاهيم الثانوية العامة، والاستفادة من الخبرات السابقة، وإحداث تغيير فى الثقافة المجتمعية، واحترام قدرات الطالب، فقد يضغط بعض الآباء على أبنائهم للالتحاق بكلية الطب وبعدها يصبح طبيبا فاشلا، مضيفة: يجب أن يثقف الآباء أنفسهم قبل ممارسة مثل هذه الضغوط على أبنائهم بشكل قوى، مؤكدة أن حياة الأبناء أهم من الثانوية العامة.