رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحدثنا فى مقال سابق عن «متلازمة المنحبس»، وهى حالة يصاب فيها المريض بشلل عدا عضلات العينين مع بقاء العقل فى حالة وعى واستيقاظ كامل، كان الصحفى الفرنسى «جان دومينيك بوبى» نموذجاً لهذه الحالة المرضية، عندما أصيب بجلطة حادة سنة 1995 ليستيقظ بعدها ليجد رمش جفنه الأيسر هو العضو الوحيد الذى نجا من هذا الشلل، ويصبح هذا الرمش هو وسيلة تواصله الوحيدة مع العالم الخارجى، وأداته المتبقية للتعبير عن مشاعر الغضب والفرح والحزن والأمل والألم.

استطاع «بوبى» مع مساعدته الشخصية «كلود ميندى بيل» اختراع لغة تواصل بينهما، وتحويل حركة هذا الرمش إلى حروف، لتتراص بعدها تلك الحروف واحداً تلو آخر، لتتكون الكلمات وتتشكل الجمل وتتولد المعانى، ليرى العالم بعدها روايته «بذلة الغوص والفراشة»، قافزاً بها فوق أسوار هذا العجز المطلق الذى أحاط به، مستخدماً 200 ألف حركة رمش، منتصراً على «متلازمة المنحبس»، وهو وصف مهذب للتعبيرعن إنسان ميت على قيد الحياة.

هناك نموذج آخر لهذا النوع من «الوعى المنحبس»، وهو حالة الوعى تحت التخدير، وهى أحد المضاعفات التى تحدث للمريض أثناء إجراء عملية جراحية، وفى هذه الحالة التى يمكن أن تحدث بنسبة 1- 2 لكل 1000 مريض، يصاب الجسد كله بالشلل نتيجة عملية التخدير، مع البقاء فى حالة من الوعى الكامل طوال فترة إجراء الجراحة، ولك أن تتخيل هذا الكابوس، وحجم هذا الألم وهذه المعاناة التى يشعر بها المريض مع كل حركة يستخدم فيها الجراح مشرطه، دون أن يكون المريض قادراً على النطق أو الحركة، وفقدان كل قنوات التواصل للتعبيرعن هذا الكابوس الذى يعيشه مع الجرَّاح.

المشكلة فى هذه الحالة أنه لا يمكن قياس وعى المريض خلال فترة الجراحة، ولا يمكن استدعاء هذا الوعى إلا بعد الانتهاء من العملية، والحصول على المعلومات مباشرة من المريض وسؤاله، وتبقى المراقبة التقليدية أثناء الجراحة ومتابعة المريض مثل التحقق من الحركة والاستجابة للأوامر ونمط التنفس، ومراقبة النشاط الكهربائى للدماغ وغيرها من وسائل المراقبة الطبية هى الأدوات الوحيدة لمعرفة وقياس درجة الوعى لدى المريض أثناء الجراحة.

فى هذا النموذج من «الوعى المنحبس» أثناء التخدير تصاب بعض الحالات بنوبات مؤقتة من القلق والتوتر والعجز، ويسبب هذا الوعى لبعض المرضى اضطرابات وكوابيس مؤقتة، وهناك حالات يتطور معها هذا الاضطراب ويشعر المريض بكوابيس متكررة قد يحتاج خلالها إلى علاج نفسى.

العبرة هنا ليس فى سرد الرواية الطبية أو ذكر نماذج من حالات «الوعى المنحبس»، العبرة هنا فى المعنى، ففى النموذج الأول «متلازمة المنحبس» لم تكن الإرادة منفردة هى السلاح الوحيد الذى عبر به الصحفى «دومينيك بوبى» كل أسوار العجز، فمن دون الوعى وقنوات التواصل لأصبحت الإرادة بلا جدوى، وهذا ما يؤكده النموذج الثانى «الوعى أثناء التخدير»، فمع غياب قنوات التواصل والتفاهم المشترك بين المريض والجرَّاح يصبح الوعى كابوساً يعيشه المريض ولا يشعر به الجراح، وكلما زاد مقدار الوعى، زاد معه حجم الألم والكابوس.

الخلاصة.. إن الوعى والإرادة مع وجود قنوات للتواصل والتفاهم المشترك تصنع المعجزات، ويمكن بها القفز فوق أسوار العجز أياً كان شكله وأنماطه وتحدياته، ويمكن تطبيق هذه المعانى على كل أنواع الإصلاح الاجتماعى والسياسى والاقتصادى وكل القطاعات والنواحى الأخرى، مع الوضع فى الاعتبار أن فقدان أى عنصر من هذه العناصر أو ما يحيط بها من مقومات داعمة فى بيئة إيجابية ستكون حتماً النتيجة عكسية، ويكون القلق والاضطراب وأحياناً الكوابيس هى نتيجة طبيعية يعيشها المريض ولا يشعر بها الجرَّاح.

[email protected]