رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سطور

منذ يومين تقريبا وبينما كنت أجلس فى الطابق العلوى والأخير بأحد الفنادق المطلة على النيل، مستمتعة بالأجواء الشتوية القاهرية المشمسة التى لا مثيل لها خلال الساعات المبكرة من الظهيرة .

وقد قررت أختلاس ساعة من يومى الطويل أو أقل بقليل قبل التجهيز للظهور التلفزيونى كضيفة على أحد القنوات الفضائية، ولعلى كنت مشتاقة لوقت أجلس فيه مع نفسى - تلك التى أفتقد الإنفراد بها أوقات كثيرة - بسبب زحمة الحياة ، وضجيج البشر ، وفوضى إدارة الوقت التى يعانى منها مجتمعنا وترمى بظلالها علينا فتسرق من أعمارنا دقائق غير معدودات.

وفى تلك اللحظات الرائقة الهادئة، أمسكت بهاتفى المحمول و روحت أتصفح أحد المواقع المتخصصة فى عرض الكتب الإلكترونية، وبينما كنت ( أسكرول ) الشاشة بحسب التعبير الدارج نتيجة للتشوهات المخيفة التى لحقت بلغتنا الدارجة والتى ربما سيكون لنا عنها حديث مفصل لاحقا، فقد وقعت عينى على كتاب قديم جدا يرجع للقرن التاسع الهجرى ، ويحمل إسم غريب لحد عجيب كذلك ! الأمر الذى إستوقفنى وآثار فضولى ، فنقرت على العنوان لأبدأ رحلة جديدة فى عالم القراءة التى أعشق ممارستها فى أوقات إنفرادى بذاتى.

وقد حمل الكتاب إسم" الفلاكة والمفلوكون، ولعلى أعلم أن حال الكثير منكم  كحالى أعزائى، فالغالبية العظمى لم تسمع عنه من قبل، ربما لأنه يعتبر من نوادر الكتب فى موضوعه النادر الحديث عنه أيضا ، و لذا فقد قررت أن أشاركه معكم لا لندرته كأحد الدراسات التشريحية للمجتمع على المستوى الشعبى فقط ، ولا لأهمية وقيمة موضوعه المتفرد، ولا حتى لثراء أفكار كاتبه العالم والإمام الجليل والصعيدى الأصيل ابن دلجة أحمد بن على الدلجى ، ولكن لما هو أبعد من ذلك بكثير، فعندما نفهم سويا لحالة  (الفلاكة)  ستدركون يا سادة كم هى منتشرة ومتغلغلة ومتعمقة فى مجتمعنا والمجتمعات المجاورة بشكل ملموس يلحظه القاصى والدانى، وبتأثيرات خطر وخطيرة، مخفية ومخيفة، تختلف درجة إنتشارها وحدتها وتتنوع وتتعدد أعرضها بإختلاف المجتمعات واللحظة التى يمر بها هذا أو ذاك المجتمع.

وال (فلاكة)  فى عجالة وبإختصار  شديد للغاية  تعبر عن تجربة إنسانية عميقة ، تكشف بصدق ونفاذ بصيرة عن أسرار وجدانية شاملة وخصبة ، وعلى الرغم من مرارة وحزن وآسى الموضوع إلا أن الكاتب والمفكر العبقرى (الدلجى) قدم لنا من خلال كتابه هذا أيضا جانب لطيف من الطرائف المتعلقة بحسب قول المثل الشعبى الشائع " هم يبكى ، وهم يضحك" حيث خيط لنا المرح فى طرف الحكمة فى مزيج أدبى ممتع  فى ثوب حزين.

والفلاكة كلمة فارسية بالأساس، كانت تستخدم للتعبير عن  الشخص الفقير، العاجز ، الغير محظوظ، المهمل بين الناس بسبب فقره ، و الذى يشعر بالإغتراب ، والملل والضجر العميق ، كما يشعر بالقهر والمذلة والمهانة ، نتيجة لحياة الظلم والحرمان والإحساس بفقدان الكرامة، وغير ذلك  الكثير والكثير من الأعراض والمشاعر المملوءة بالمرارة ، مما يترتب علي ذلك من صور لا حصر لها من الإنحرافات النفسية والإجتماعية والعقلية تصبح فى غاية الخطورة على صحة المجتمع ، ومعنى ذلك أن الفلاكة هى ظاهرة نفسية وإجتماعية وفكرية ، وعلى الرغم من أنها مبنية بالأساس على الفقر، إلا أن الفلاكة ليست فلاكة مالية ، بل هى فلاكة حالية ، فالمشكلة ليست فى الفقر فى حد ذاته وإنما فى الأزمات التى تخلقها حالة الفقر. 

والأكثر سواء فى الأمر هو عندما تستولى الفلاكة على عالم أو صاحب فضل فى مجال من المجالات الإنسانية حيث تسبب له آلالام عقلية ، ومفكرنا الدجلى بذلك يحلل لنا ظاهرة "غرابة الأطوار" المعروفة عن العلماء والفنانين والفلاسفة والشعراء والأدباء، ويردها إلى الفقر وضيق ذات اليد ، وليست متعلقة حتما بالعلم والأدب كما هو شائع لدينا بنسبة كبيرة.

وعن باقى الحديث عن الفلاكة والمفلوكون ستتمحور سطورنا فى الاسبوع القادم بإذن الله.