عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

دائما كنتُ ومازلتُ أغرم بسماع تجارب الآخرين الحياتية الثرية بسعادةٍ وفرحٍ شديدين وبشغفٍ غير متناقصٍ وبلهفةٍ أقرب إلى لهفة طفلٍ ارتمى فى حضن أمه بشوقٍ جارفٍ بعد غيابٍ طويل.

فأولع بفكرة الاستفادة من حيوات الآخرين وتجاربهم، إن كانت جديرة بذلك، فأستخلص دروسا منها، فأستقى المُلهم منها وأتجنب الوقوع فى نفس أخطائهم إن لم تحقق النتائج المرجوة لهم، فأُفتتن بها، بل وتظل عالقة برأسى طويلا فى وجدٍ وهوى ليس له مثيل؛ إن كانت بحق تجارب تحكى قصة كفاح آخره نجاح، أو تحد وصل للشفاء التام بعد صراع مع مرض لعين، أو إنصاف بعد عناء ظلم مرير، أو جبر مع بشائر تحقيق أحلام بعد موجات طويلة من سلسلة صبر ليس له مثيل، أو حتى قصص حب حقيقية ملتهبة دامت عمرا مديدا محافظة على متانة أواصرها وصلابة عهودها.

فأجلس منتشية، منتبهة، يقظة، أفرغ عقلى وقتها من كل مشاغله، كلى آذان صاغية، أسمع بكل حواسى ولا أتحدث كثيرا، أستدعى كل قواى العقلية، أشحن كامل تركيزى، أوقظ انتباهى أحيانا بركلة قوية فجائية إن زاغ أو شُتت.

وفى الوقت ذاته وبذات التصميم والإرادة أهرب وبقصد وبتعمدٍ صريحين من أناسٍ مزيفين لا تجد فى أحاديثهم غير السوء، والبهتان ورمى الناس بكل باطل بلا تروٍ أو بينة، أعرفهم جيدا، فتجدهم يهللون ويصرخون ويبالغون ويدّعون، فيتهمون ذاك ويخوضون فى عرض تلك، ويفضحون هؤلاء، وكأنهم وُكلوا بمحاسبة الخلق، ويكأنّ المولى أعطاهم أسرار عباده وأطلعهم على سرائرهم المخفية بل وأعطاهم الإذن بكشف سترهم، فينشرون كمًا من الظنون السيئة كفيل بتلويث الهواء من حولهم فتختنق بمجرد دخولك مجالهم الجوى وتنفر منهم وتتركهم فى شأنهم الذى لا يعنيك، فالجلوس معهم خسارة كبيرة قد لا تعوضها لاحقا.

وللأسف أجد هؤلاء كثيرا فى طريقى وأتنصل منهم، وبالطبع لا أصدق شخصا خاض أمامى فى عرض أحدهم أو ذِمة آخر بمنتهى البساطة وبدون بينة.

والطريف جدا بالنسبة لى أن تجد هؤلاء متهمين بنفس التهم التى نسبوها لغيرهم بهتانا وظلما، فمنذ فترة سمعت أحدهم يلصق تهما بآخر تخص الذمة، فطعن فى شرفه وذمته ونسب إليه تهما فى ذات الخصوص طبعا بلا بينة ولم يكتف بإساءة الظن به بل فضحه على الملأ ببهتان كاذب، وبعد سنوات ليست بالقليلة اتُّهم ذات الشخص المُدعى بما اتهم به غيره واتهمه الناس فى ذمته كما اتهم هو سابقا غيره ولكن هذه المرة ببينةٍ ودليل.

ويقول ستيفن جروس المحلل النفسى الشهير عن هؤلاء أنهم يعانون ما يطلق عليه التحليل النفسى اسم «الانفصام» والذى يعتبره استراتيجية لا واعية تهدف إلى أن تبقينا جاهلين بتلك المشاعر الكامنة بداخلنا والتى نعجز عن تقبلها فنستمر فى رؤية أنفسنا كأشخاص رائعين ونُسقط تلك الجوانب التى لا نحبها فى أنفسنا على الآخرين، وهذا يمدنا بالراحة النفسية كأننا نقول: «أنا لست سيئا، السيئ هو أنت».

ولكى تعرفهم جيدا ركز فى فحوى كلامهم، فكل كلامهم يحمل اتهامات لغيرهم، اتهامات أشبه بالفضائح، ثم يقوم بعرضها على الملأ وهو لا يملك على صحة ما يقول أى دليل، وأكثر ما يميز هؤلاء صفة المبالغة الجمة، فتجدهم يبالغون لأقصى درجة بانتقاد أمور وهم غارقون فى فعلها حد الثمالة، فتجد صراخا وتهليلا ولعنا وسبابا يخرج من فيهم يملأ الكون كله.

هناك خلط كبير بين كشف الفساد أو نصرة الحق أو تحرى الحقيقة بطرق مشروعة وقانونية أهمها توفر أدلة الثبوت أو الاتهام وبين رمى الناس بالباطل وفضحهم لمجرد ظنون بلا بينة أو لدرء الشبهات عن نفسك كونك ملوثا.

وأختم بقول جروس: «كلما بالغنا فى إظهار شيء.. عَظم شأن ما نُخفيه».

[email protected]