عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات


يتساوى لديها الليل والنهار فكلاهما مظلمان، وكأن الدنيا اتّشحت بالسواد، لا فيها نور أو فرح أو ألوان، وحيدة رغم الصَخب، حزينة مهما تعالت حولها الضحكات، لا تنطق رغم ثرثرة المحيطين، زاهدة مهما بلغت المطامع من الناس أشدها، كسا الحزن كل ملامحها، فقدت آخر قطرة من نهر الشغف المتدفق في روحها فما عاد شيءٌ يربطها بالحياة، جف ينبوع دمعها في مقلتيها بعد أن فاض نهرا سريع الجريان، نصف ميتة، مُقطّبة الوجه، عبوس، غادرت البشاشة شفتاها بلا استئذان، انتُزعت السعادة من قلبها فباتت البهجة والسرور وكأنهما عليها محرمتان، الذهن غافل، والعقل في صراع محموم مع القلب نحو البقاء، الفراغ هجم هجمته الشرسة على القلب والنفس معا فأعجزهما، فلا مفر أو فكاك، القلق والخوف والوجع اتحدوا جميعا في شكل أشباح سوداء تلازمها كظلها بلا أمل في الانقشاع، فراحت المسكينة في دوامة من النوبات الشرسة، نوبات شجن ووجع وأنين وعدم رغبة في الحياة.
هذا وصفي لإحداهن حينما شاهدتها وهي على مشارف الانتحار، مُكبلة بكل قيود الاكتئاب، ورغم أنى أسهبت في وصفي لها إلا أنني قد أحتاج لصفحات كي أبين لكم معنى أن يعيش بشرٌ بلا روح، بلا أملٍ في الحياة.
آسفُ على مقدمتي الطويلة وآسف أيضا على كتابة حروف تنطق وجعا ولكني معذورة في ذلك فالكثير منا قد لا يتفهم معنى المرض النفسي وخاصة الاكتئاب وما يكابده المريض النفسي من آلام، فهو بين نارين، نار الألم النفسي من ناحية والخوف من الذهاب للطبيب النفسي من ناحية أخرى خوفا من الوصم المجتمعي.
فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن الوصم المجتمعي في سياق الصحة هو إشارة إلى العار، مما يؤدي إلى الرفض والإقصاء من المشاركة في عدد من المجالات، ويمكن للوصم الاجتماعي والتمييز المصاحب له أن يؤثر أيضاً على كرامة الناس وثقتهم بأنفسهم، وأن يؤدي إلى سلوكيات سلبية من شأنها أن تكون ضارة بل وخطيرة في بعض الحالات، فتضر بالصحة العقلية للشخص، كما يمكنها أن تؤدي إلى العزلة الاجتماعية، والمعاناة من الوحدة، وانتشار الخوف وانعدام التماسك الاجتماعي.
ومن هنا أدعم أي مبادرة لعلاج الاكتئاب أو الحد من الانتحار وأرى أن نبدأ في عمل إحصاءات رسمية حول معدلات حالات الانتحار وأسبابه. وتعميم فكرة تقبل المرض النفسي والذهاب للطبيب النفسي من خلال التعليم ووسائل الإعلام والدراما والسينما لرفع مستوى الوعي، والحد من القوالب النمطية.
وعدم عرض فكرة الانتحار بتاتا ولا طرقه كسبيل للخلاص من الاكتئاب لا في الروايات ولا في الدراما أو الأفلام بل بالعكس العمل على تقديم حلول وإنشاء مراكز ومصحات لعلاج الاكتئاب بدرجاته كمراكز علاج الإدمان مثلا وتدريب القائمين عليها تدريبا علميا سليما، مراكز بها متخصصين في الصحة النفسية، أطباء يقدمون خدمات علاجية للمرضى، وبها أيضا رجال دين مدربين على التعامل مع نفس الحالات لإحياء الأمل في النفوس وشحن الروح من جديد وبها أيضا أماكن لممارسة الهوايات، كل ذلك لتقليص فكرة الانتحار وتقديم العون لشحذ الإرادة والهمم وربط من يعاني الاكتئاب بالحياة من جديد.  
 وكلمة أخيرة للمتبارين في إصدار الأحكام والتكفيريين والمتنمرين على المرض النفسي، اترك الناس وشأنها، فإما أن تقدم حلا أو أن تصمت للأبد، فأمثالك كانوا سببا في يوم ما في عزلة المكتئب وإقدامه على إنهاء حياته، فلا هو قدم له يد المساعدة ولا تركه في ألمه بلا ازدراء ووصم، فلا تقلل من ألم أحد ولا تسخر من وضع أحد، فربما يدور عليك الزمن فتشعر بألم ومعاناة من سخرت منهم، وتذكر دوما أنك لست ببعيد عن أي مرض، عضوي كان أم نفسي.
كن إيجابيا أو اصمت.

[email protected]