عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

كنت قد تناولت فى مقالى السابق « الملاذ الآمن» شرحا تفصيليا عن حالة غريبة انتابتنى من الهدوء العجيب، والسكينة المتزايدة، والدالة على توازن سليم إلى حد كبير بين القوى العقلية والنفسية ناتج عن دخول العقل والقلب معاً فى مرحلة السلام التام والذى جاء أخيرا نتاج بعض المحاولات التصحيحية الناجحة بعد عدد لا بأس به من المحاولات الفاشلة فى ضبط إيقاع الصراع القائم أو التخفيف منه.

فللوصول لسلامة القوى النفسية والعقلية معًا على حد سواء من وجهة نظرى يكمن أولا فى ضبط التصنيف فلا تُصنف أى حدث على أنه مشكلة كبيرة تستدعى القلق والتوتر، فليست كل المشاكل تستحق أن تأخذ من وقتنا واهتمامنا، فمثلا ليست كل صنوف الخسارات تعتبر خسارة حقيقية فأحيانا كثيرة نرى بأعيننا المكاسب الكبيرة وراء خسارتنا لأشياء أو لأشخاصٍ ظنّنا وقتها أنها خسارات قد تُفقدنا الحياة.

وثانيا فى تقليل الشعور بالصدمات وهدم نظرية التوقعات العظمى، الصدمة أسوأ شعور نفسى سلبى قد يمر بنا، فتأثيرها عنيف ليس فقط على مستوى النفس أو الشعور، ولكن أحياناً تمتد لتعبث بالجسد، فتختل وظائفه وتعتل صحته، فليس فينا أحد لم يجرب هذا الشعور اللعين وما تبعه من أزمات نفسية حادة اقتلعت سعادتنا من الجذور وهدمت اطمئناننا وغذت آلامنا وأوجاعنا بأسباب الوجود والاستمرارية.

لذلك فمواجهة الصدمة أو على الأقل الاستعداد لاستقبالها أمر غاية فى الأهمية، وأهم أسباب تلك الحالة العنيفة من الصدمات هى أنك مازلت تتوقع من الآخرين التوقعات العظمى، فاخفض سقف توقعاتك فلا تتوقع فى معاملاتك مع البشر أن يُعاملوك كما تعاملهم، أو أن يُحسنوا إليك كما تحسن إليهم، فلا تتعامل مع البشر وكأنهم ملائكة، وتذكر دوماً أنهم بشر، تَتَمَلكهم صفة النقصان فى الصفات والقدرة.

إن عاملوك بالحسنى فخير ورحمة أما إن جحدوا وأنكروا فلا تنصدم، فأنت قد برمجت عقلك مسبقا بهذا الاحتمال الوارد حدوثه، فقناعاتك السابقة ستحميك من الوقوع فى مثل هذه الصدمات، فلا تتوقع مثلا ألاّ يكذب عليك أحد لمجرد أنك لا تكذب، وتأكد أنك ستُقابل من ينكر فضلك، ومن يظلمك ويفترى عليك زوراً وبهتاناً، ومن يرفض إنصافك مع علمه ببراءتك، من ملأ قلبه بالحقد والغيرة منك، فلا يفرح لفرحك ولا يتمناه لك من الأساس، توقع أن تلقى كل هؤلاء حتى لا تنصدم وقت ملاقاتهم.

 ثالثا: لا تتعلق تعلقا مرضيا بزائل، اقضِ على شعور التعلق المرضى بالأفراد أو ما يسمى بإدمان الحب، كما صنفته الجمعية الأمريكية للطب النفسى ضمن أنواع الإدمان.

 وهو ما يعنى ببساطة شديدة عدم قدرتك على اتخاذ قرار بإنهاء علاقة غير سوية، تُسبب لك ضغوطاً نفسية شديدة بسبب سيطرة مشاعر التعلق المرضى عليك، وبالمناسبة مشاعر التعلق المرضى لا تُصنف على أنها مشاعر حب على الإطلاق.

وإذا أردت معرفة ما إن كنت متعلقاً بشخص تعلقاً مرضياً أم لا؟ فإليك الأعراض، وهى: أن تتمحور الحياة أمامك حول شخص واحد فقط، ترى بعينه، وتسمع بأذنه، وتتنفس بدقات قلبه، تنسى وجودك بوجوده، تهتم بتفاصيله حتى ولو على حساب اهتمامك بنفسك وعملك وكل من حولك، تترك أحلامك وأهدافك وفى المقابل تسعى لتنفيذ أحلامه، تقبل منه أى مشاعر سلبية أو معاملة غير مُرضية، تكره الدنيا فى غيابه، تنهار و تمرض إن ابتعد عنك، ولا تستطيع أن تتخذ قرارك بالانسحاب أو التخلي، إن كان يُسيء معاملتك، وكأنك خُلقت من أجله هو فقط.

رابعا: كن سببا فى نشر قيمة أو تحقيق النفع للآخرين، فهذا يسعدك أنت أولا قبلهم، فمهما كان دورك فى المجتمع فستستطيع أن تنفع غيرك أو أن تسعده بكلمة أو تصرف منك، وكما يقول الكاتب الروسى «تولستوي» فى كتابه طريق الحياة:» إن كنت أقوى وأغنى وأكثر علما من الناس فحاول أن تخدمهم بما لديك وليس لديهم، فإن كنت أقوى فساعد الضعيف، وإن كنت أذكى فساعد من هو أقل ذكاء، وإن كنت ثريا فساعد الفقير، وإن كنت أكثر علما فساعد الأقل علما منك، ولكن المتكبرين لا يفكرون هكذا إنهم يعتقدون أنه إن كان لديهم ما ليس لدى الآخرين فلا يتوجب عليهم أن يتقاسموه بينهم بل عليهم أن يفخروا به أمامهم.      

[email protected]