رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

كنت قد كتبت من عام أنه قد انتابتنى منذ فترة ليست بالقليلة حالة غريبة من الهدوء العجيب، والسكينة الفريدة، والطمأنينة المتزايدة، والدالة على توازن نفسى سليم إلى حد كبير ناتج عن دخول العقل والقلب معًا فى مرحلة الوئام التام.

فخمدت أخيرًا نيران نزاعاتهما الطويلة، فما عادا يستمعان لمن يدق طبول الحرب بينهما أخرى، وترفّع كلٌ منهما وبرغبةٍ قوية وإرادةٍ جليّة عن الدخول فى حلبة الصراعات الكبرى من جديد، والتى كان هدفها استعراض القُوى وإثبات أيهما الأفضل أو لفرض لغة بعينها بالقوة على الجسد كله فرضًا لا جدال فيه، سواء لغة القلب بمكنونات عواطفه ورقة شعوره، وموسيقى نبضاته التى تعزف سيمفونيات تفيض حبًا، ونشوة أوتاره الرقيقة التى تنطق بكل معانى العشق والهيام والتضحية والاحتواء والحنان، أو لغة العقل وما يصاحبها من دقة تحليله وفهمه العميق لبواطن الأمور وعِظَم تدقيقه فى التفاصيل وقدرته الهائلة على الربط والقياس والاستنتاج والاستدلال ومقارنة الأقوال بالأفعال للوصول إلى نتيجة منطقية محكمة تثبت لغة القلب أو فى الأغلب ترفضها وتنفيها، وذلك وفقًا لأسسه ومعاييره.

فسادت مؤخرا أجواء من السلام التام فى مكنونات النفس البشرية بين العقل والقلب معا، وهو سلامٌ عزيز ونعمة غالية وحلم أبدى لطالما سعت إليه النفس وتمنت تحقيقه بكل ما تملك من قوة، فكم من المرات تدخلت النفس فى صراعات العقل والقلب كوسيطٍ موضوعى دقيق، لا يُقلل من قيمة أحدهما أو يُعلى من قدرة الآخر، بل كانت كحكمٍ عدل أعطى الفرص كاملة للاثنين بلا أدنى تفضيلٍ أو تحيزٍ لأحدٍ على حساب الآخر، مع مراعاة الحقوق الكاملة لكل طرف ومع الأخذ فى الاعتبار مخاطبة كليهما باللغة التى يفهماها.

ودخل كل من القلب والعقل مع النفس فى منطقة الهدوء العجيب، وهى المنطقة التى ما إن دخل فيها أحد إلا وتبدلت أحواله وتغيرت صفاته من النقيض للنقيض، فالقلب والذى كان فى الماضى يفز من بين ضلوعه صارخًا بأعلى الآهات معلنًا حزنه الشديد وقت تعرضه للصدمات، باتت الآن نبضاته طبيعية وخفقانه عاديًا، والهدوء يعم كامل أركانه، والصمت يسرى فى ثنايا أوردته، والطمأنينة تسبح فى شرايينه، وعبير السكينة يملأ كل ضلوعه وقت تعرضه لنفس الصدمات أو أكبر منها، أما العقل والذى كان أكثر صخبًا وضجرًا ويهتاج بعنف شديد بعد سجال من التحليلات المنطقية والمناظرات الفكرية مع القلب والتى يخرج منها رافضًا منهجه ساخطًا على مشاعره ومُعلنا سيطرته الكاملة بعد إعلان قراراته الفاصلة والتى لا يقبل فيها نقاش أو جدال، بات الآن غريبا بشكل لافتٍ للنظر، أكثر هدوءا فى ردود أفعاله، لا يغضب كسابق عهده هذا الغضب العاصف، ولم يعد ينشغل أساسًا بعناء التفكير وتحليل وتفنيد أسباب ونتائج الصدمات، أما النفس فهى فى أفضل حالاتها تتجلى بفرح ونشوة غير عادية، تنعم بالسكينة والسلام القائم بين القلب والعقل بعد أن ارتاحت من صراعاتهما، فهى أخيرًا قد اقتنصت ملاذها الآمن وهو السلام الداخلى بين قطبيها القلب والعقل، وعلى وعد بألاّ تُفرط فيه أبدًا مهما كلفها الأمر.

وأعتقد أن تفسير تلك الحالة والتى أتمنى أن تدوم طويلا يرجع لعدة أسباب أو لبعض المحاولات التصحيحية الناجحة بعدد عدد لا بأس به من المحاولات الفاشلة فى ضبط إيقاع الصراع القائم أو التخفيف من حدته.

فللوصول إلى سلامة القوى النفسية والعقلية معا على حد سواء من وجهة نظرى يكمن أولا فى ضبط التصنيف فلا تُصنف أى حدث أو موقف على أنه مشكلة كبيرة تستدعى القلق والتوتر، فليست كل المشاكل تستحق أن تأخذ من وقتنا وراحتنا واهتمامنا فأحيانا تكون المشكلة بسيطة وحلها أبسط ولكن تزداد تعقيدا نظرا لتضخيمك الأمور ولمبالغتك الجمة فى الشعور المضاعف بالمشكلة، فمثلا ليست كل صنوف الخسارات تعتبر خسارة حقيقية فأحيانا كثيرة نرى بأعيننا المكاسب الكبيرة وراء خسارتنا لأشياءٍ أو لأشخاصٍ ظنّنا وقتها أنها خسارات قد تُفقدنا الحياة.

«وللحديث بقية فى المقال القادم».

[email protected]