رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

 

 

 

جاءت لى مخلوعة القلب، مكسورة الخاطر، باكية العينين، يائسة، يتساوى لديها الموت مع الحياة فمنزوعةٌ روحها فى الحالتين، تجرُّ ما تبقَّى من حُطام كبريائها المهزوم على يدى طبيب متعجرف، قاسى القلب، عديم الرحمة، لا يستحق لقب طبيب، فلن يتساوى أبداً هؤلاء الشِرذمة مع أطبائنا الأبطال المُضحين بكل نفيس فى سبيل صيانة حيـاة المرضى والاستماتة فى إنقاذهم وتخفيف آلامهم، فأبداً لن يتساووا.

طبيبٌ أذاقها كل ألوان الذل والسباب والسخرية لأنها فقط تجرأت وسألته عن تشخيصه لحالة والدتها المرضية والتى تتبدل من النقيض إلى النقيض ما بين ليلة وضحاها ما أثار دهشة الابنة فلجأت إليه كى تستفسر عن سر انتكاساتها الفجائية وسبب تحولاتها المباغتة من إنسانة سليمة يقظة إلى أخرى فاقدة للوعى تستوجب حالتها الدخول لغرفة العناية المركزة بين الفينة والأخرى.

فرفض الرد عليها، وباستهزاء غريب نعتها بالجاهلة والتى لن تستوعب كلام العلماء أمثاله حينما أصرت أن تعرف سبب مرضها كأبسط حقوقها، فاستقبلت سخريته بهدوء وقالت صف لى مرضها وسأذهب لطبيب آخر يفهمنى ما أعجز أنا عن فهمه، فأصابه العَنَت ومسته لعنة الكِبر قائلاً لها نصاً:(مش كفاية بنعالج أمك ومش كفاية إنى واقف بتكلم مع أمثالك).

ولم يكتفِ بسبِّها ومعايرتها بفقرها وضيق حالها، بل تعدَّى ذلك كله وقال لها رافعاً صوته مشوحا بيديه مستعلياً بسلطته فى ذلك المستشفى وأمام جمعٍ من الناس وفى مشهدٍ مُخزٍ تخجل منه الشياطين: «أمك دى ست كبيرة وإيه المشكلة يعنى لو ماتت إنتى هتحسبيها علينا بنى آدمة ولو ماتت هنقول كلبة وراحت»، وآسفُ أن خطَّ قلمى هذه العبارات المشينة والتى لطالما حرصتُ على ألا أكتبها مذ أن كَتبت، ولكن خطَّها قلمى لبيان وقاحة ووضاعة أسلوبه، ولكن قلمى برىء من هذا العبث.

ولم يكتفِ الطبيب الهُمام بوصلة السب والقذف والتى أمطرها إياها ولم يكتفِ بمعايرتها ونزع كبريائها أمام الجميع بل فاقت تصرفاته المُشينة كل الحدود فأمر أحد أفراد الأمن بالمستشفى أن يطردها خارج المستشفى هى وأمها المسكينة الراقدة على سرير المرض والعجز والفقر، معللاً تصرفه بأنهم لا يستحقون أن ينالوا شرف العلاج على يده الكريمة، وكأنه يعالجها على نفقته الخاصة، وكأن المستشفى ملكٌ خالصٌ له وليس مملوكاً للدولة، وكأنه هو الآمر الناهى فى مستشفى جامعى ضخم لها تاريخ عريق، ما هذا الجبروت وما هذه الجرأة؟ لا أفهم، كيف له أن يصدر هكذا قرار؟ وكيف لأفراد الأمن أن ينفذوا؟أيضاً لا أفهم.

وتخلَّى هذا الشخص عن كل معانى الرحمة والإنسانية، وكأنَّ لا قلب أو ضمير له، ولم يهدأ له بال إلا وهو مشرف وبنفسه على أسوأ مشهد فى تاريخ البشرية، لم يهدأ إلا وقد أنزلوا المريضة المسكينة عن سريرها وطردوها خارج المستشفى ورموها على كرسى بعيداً عن بوابة المستشفى وهى فى حالة إعياء شديد.

فهذا الرجل لم يحنث بقسمه فقط كطبيب بل حنث بالحد الأدنى من الأخلاقيات العامة طاعناً فى كل معانى الإنسانية السمحاء.

ومما يثير دهشتى أن كيف تُترك شئون المرضى بأيدى أطباء كهؤلاء، ومن أعطاه سلطة التحكم فى بقاء أو خروج المرضى من المستشفى بقرار منه حسب أهوائه ومزاجه، وكيف يُعاملون المرضى بهذه الطريقة القاسية الخالية من احترام كبريائهم وشخوصهم؟ ألأنهم فقراء؟ ألأنهم بلا ظهير؟ ألأنهم ضعفاء اضطرهم ضيق الحال ألا يردوا وأن يقبلوا بهذا الوضع المُهين أملاً فى الشفاء؟ أهكذا يعامل مرضى المستشفيات العامة، أين حقوق المرضى؟ لا أحب التعميم فهناك أطباء كُثر تفيض قلوبهم بالرحمة ولكن وجب محاسبة هذه النوعية كى لا تتكرر.

ولن أقولَ كما قال غيرى من الكُتاب بضرورة تطوير البنية التحتية للنظام الصحى والبنية التكنولوجية للمعدات الطبية فهذا منطقى ولا داعى لتكراره ولكنى أطلب ما هو أهم من ذلك كله، أطلب معاملة كريمة للمرضى، أطالب بميثاق أخلاقى يلتزم به الجميع فى المستشفيات الحكومية العامة ويعاقب من يتجاوزه، يحدد طبيعة التعامل مع المرضى بشكل يحفظ لهم كرامتهم ويرد لهم حقوقهم فى بلدهم، مع تفعيل مكاتب شكاوى المرضى فى كل مستشفى عام، فتُدرس الشكاوى ويُعمل على حلها وترفع الشكاوى التى يثبت فيها تجاوز الطبيب إلى لجنة قانونية بالمستشفى لمعاقبته حتى لا تتكرر تلك الفوضى، فالمستشفيات الحكومية ليست مِلكاً لشخص إنما تُمولها الدولة فتعالج المرضى غير المقتدرين وهذا حقهم المشروع ولا تَفضُل عليهم فى ذلك.

ارحموا الناس، ألا يكفى ما أحلَّ بهم من فقر وضعف ومرض، أتزيدون على بلواهم الذل والمهانة؟

[email protected]