رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

 

 

 

ما الهدف الذي نعيش عليه؟ ما المراد الذي نبتغيه؟ وهل شرعنا في تحقيقه؟ أم هل وصلنا له من الأساس؟ هذا سؤال ليس لديّ له جواب!

من منّا لم تمر بعقله هذه الدائرة غير المتناهية من التساؤلات الفلسفية، بل قل: من منّا عرف وبيقين مطلق، الإجابة؟ أو بالأحرى قل: من منّا بدأ في تنفيذ تلك الأسئلة فأصبحت سلوكياته مثالا واقعيا لها؛ فقد يحيا المرء ويموت دون أن يصل لجوابٍ شافٍ عنها.

تولستوي الكاتب العظيم، كانت له قصة قصيرة، رائعة السرد، وعظيمة المعنى، عَنوَنها ب" علام يعيش الإنسان؟".

وتحكي القصة باختصار عن مَلَكٍ عصى ربه، فرفض قبض روح أرملة تعول ابنتين بعد أن ترجته ألا يقبضها حتى يتأتَّى لها رعاية ابنتيها فليس لهما عائلٌ أو مُعين، فرقّ لها المَلَك وتركها وشأنها وعاد لربه رافضا حكمه غير منفذٍ إياه، وهذا بالطبع يتسق مع العقلية الكتابية الخيالية للكاتب أما الملائكة فلا يعصون الله ما أمرهم.

ولما علم الرب عصيانه لأوامره، فورا أصدر حكمه بطرده من الملكوت واشترط ألا يعود إلا بعد أن يُجيب على ثلاثة أسئلة وهي ما مُنِحَهُ الإنسان؟ ما مُنعه الإنسان؟ وعلام يعيش الإنسان؟

فنزل المَلَك إلى الأرض منزوعَ الجناحينِ، عاريا بجسمٍ بشريٍ ولكن بروح ملائكية، فلما رآه أحد المارة – وكان اسكافيا- وهو مُلقى على الأرض بلا ثوب ويرتجف من البرد، رقّ لحاله وأشفق عليه، فأعطاه زوج من الأحذية ومعطف كي يقيه البرد، ثم أخذه لبيته الفقير، فما إن رأته زوجة الاسكافي إلا وأشفقت عليه وقدمت له الطعام.

وبعد أن أشبعوه وكسوه، تعجب المَلَك وظهرت على ملامحه الحزينة ابتسامةٌ حانيةٌ ثم عاد إلى صمته المعتاد، فكان لا ينبسُ بِبِنتِ شفة ولا يَرد إلا بإجابتين فقط وهما "لا أستطيع إجابتك" و "لقد عاقبني ربي".

وبعدها فاتَحَهُ الاسكافي برغبته في أن يظل معهما لكن بشرط أن يساعده في عمله كصانع أحذية فوافق المَلَك والتزم بالشرط، وفي يوم من الأيام جاء رجل من النبلاء للإسكافي وأمرهم بعمل حذاء بمواصفات مميزة كي يتفاخر به بين الناس، ووقتها طلب الاسكافي من مساعده عمل الحذاء، فابتسم المَلَك للمرة الثانية، ولم يفهم الاسكافي سر ابتسامته.

والمفاجأة أن قام المَلَك بصنع خُفٍ بدلًا من الحذاء، وقد حان الأوان لحضور النبيل لاستلام حذاءه ولما رآه الاسكافي غضب غضبا شديدا وبدأ في توبيخه وطلب منه تفسيرا لما فعل وقبل أن يشرع في الرد جاء ساعي الرجل النبيل وأخبرهما أن النبيل قد مات بالأمس وأنه يريد خُفا بدلا من الحذاء لينتعله الرجل في جنازته، فاندهش الاسكافي من تصرف المَلَك.

وفي يوم آخر جاءت زبونة أخرى للإسكافي وكانت برفقة ابنتيها تطلب لهما أحذية، فبدأ  الاسكافي بسؤال السيدة عن البنتين وهل هما بالفعل بناتها، فأجابت أنها لا تمت لهما بصلة وأن أمهما قد ماتت، وأنها رقّت لحالهما حينما رأتهما في ميتم العزاء ولم تستطع تركهما وحيدتين بل قامت بتبنّيهما، وما إن سمع المَلَك كلامها إلا وقد ابتسم للمرة الثالثة.

وبعد تلك الواقعة طلب المَلَك من الإسكافي طلبه الأخير وهو أن يغادره فقد حانت لحظة الوداع،

ولم يستوعب الاسكافي ما حدث للمَلَك، ففجأة وجد هالة من النور تُحيط به، فوقتها أيقن الاسكافي أن مساعده لم يكن بشرا عاديا، فوافق على رحيله ولكن طلب منه قبل أن يغادره شرحا لسبب ابتساماته الثلاث.

فرد المَلَك عليه بالموافقة، وقال: إن ابتساماتي الثلاث تعني أن قد وجدتُ الإجابةَ على أسئلة ربي الثلاثة، فالابتسامة الأولى جاءت بعد جوابي على السؤال الأول، فحينما أشفقتم علي أنتَ وزوجك في البداية بلا سابق معرفة فعلمتُ أنَّ ما مُنحه الإنسان هو حب الآخرين، ثم الابتسامة الثانية جاءت لعلمي جواب السؤال الثاني فعندما لمحت مَلَك الموت وراء الرجل النبيل والذي كان يعد لتحضيرات حفله الكبير رغم أنه لن يعيش إلى مغيب الشمس أدركت إجابة السؤال الثاني أن ما مُنعه الإنسان هو عدم معرفته لغاياته في الحياة، وأما الابتسامة الثالثة حينما وجدت إجابة السؤال الأخير عندما رأيت السيدة والفتاتين وتذكرت أنهما ابنتا تلك الأم والتي رفضتُ قبض روحها في السابق، فابتسمتُ لأني أدركت أن ما يعيش عليه الإنسان هو مساعدة الآخرين.

وحينما أنهى المَلَك حديثه ترنّم بحمد آلاء ربه وانبثقت أجنحته وطار صاعدا إلى السماء مستقرا في الملكوت.

والخلاصة أن ما يعيش عليه الإنسان بعد عبادة المولى هو مساعدة الآخرين بلا شرط أو غرض أو تحصيل الثناء من البشر، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.

وتتنوع فلسفات البشر حينما تسألهم ذاك السؤال، علام تعيش؟ فمنهم من يقول من أجل المال، أو السلطة أو الشهوة أو الشهرة أو غيرها من الفتن الزائلة والتي لا تلبث في يدك إلا قليلا فلا تحقق لك السعادة الدائمة، فبعد إشباعها تجد نفسك غير راض أو سعيد، لم ترتوِ بعد، لم تصل لسر هذه الحياة، ولم تلمس بيدك مبررات الوجود البشري.

ألم تتعجب يوما أن وجدت أحدهم يقدم لك يد المساعدة وأنت لا تعرفه؟ من ظهر ليدافع عنك بعد أن فقدت الأمل في إنصافك؟ من يتولاك كلك؟ تذكر جيدا، وراجع شريط حياتك، وأؤكد لك أنك حتما قد مر عليك شيءٌ من ذلك.

وتلك رحمة الله الواسعة، ورحمة الله هي مركز النور الذي يشع بضيائه على الكرة الأرضية، فتسكن القلوبَ وتُضيء ظلمتها، وتُوجه البشرَ – متى توفرت الإرادة- إلى مساعدة غيرهم.

وكما قال المولى في سورة يوسف "نصيبُ برحمتنا من نشاء" فابحث عن رحمة الله في حياتك فإنك حتما ملاقيها.

        [email protected]