عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لحظة فلسفة

إليك هذه المعضلة المحيرة: أنت تستقل قطاراً بلا كوابح، يمكنك فقط الانحراف يميناً أو يساراً، وعلى مرمى البصر خمسة أشخاص مقيدين إلى خط السكة الحديدية، لو سار القطار فى طريقه لدهسهم، وبيدك أن تحرف القطار إلى اليمين أو إلى مسار آخر لتفادى قتل هؤلاء، ولكن مهلاً.. ثمة شخصاً واحداً مقيداً إلى خط السكة الآخر. والسؤال: هل تفعلها؟ هل تحرف القطار إلى اليمين لإنقاذ الخمسة وقتل واحد؟ أغلبنا سوف يفعل ذلك. حسبة واضحة إلى حد بعيد من الناحية الأخلاقية، إنقاذ خمسة مقابل مقتل واحد، وبعضنا سيتردد بالتأكيد، باعتبار ذلك حكماً على شخص بالموت.

المعضلة تتعقد أكثر لو كانت على النحو التالى: نفس القطار يتحرك مسرعاً.. وعلى نفس السكة الأشخاص الخمسة البائسون مقيدون ينتظرون مصيرهم، وأنت الآن تقف على تبة عالية تطل على السكة، وإلى جوارك شخص بدين يراقب المشهد. فلو أنك دفعته من التبة لسقط فى مسار القطار وحرفه، وأنقذ الخمسة، فهل تفعلها؟ هل تلقى بالبدين من علٍ لإنقاذ خمسة أشخاص؟ هل ترددت أكثر؟ لماذا.. ما الفارق بين السيناريو الأول والثانى؟ فى الظاهر، لا فارق تقريباً، فحياة واحد مقابل حياة خمسة، وفى الجوهر فهناك فارق حاسم، فى السيناريو الأول أنت تمارس عملية إنقاذ. فى الثانى ترتكب جريمة قتل.

هل تبدو هذه السيناريوهات منبتة الصلة بالواقع؟ هى ليست كذلك، قرار الرئيس الأمريكى «ترومان» بإلقاء القنبلة النووية عام 1945- وهى المرة الأولى والوحيدة حتى الآن التى استخدم فيها هذا السلاح- على اليابان انطوى على المعضلة نفسها، فقتل 100 ألف مدنى مقابل إنقاذ الملايين الذين سيروحون حتماً ضحايا لحرب طويلة للوصول إلى نفس النتيجة، وهى هزيمة اليابان المؤكدة، قرار صعب أخلاقياً فى جوهره هذه التضحية بحياة البعض لإنقاذ أعدادٍ أكبر، نفس معضلة التروللى، بل نفس معضلة السياسة فى كل زمان ومكان.

حسابات الأعداد تسهل على الكثيرين اتخاذ القرار، والفلسفة النفعية بسيطة للغاية: «أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس»، فسعادة وحياة خمسة أشخاص مقابل تعاسة ومقتل فرد واحد بحسبة بسيطة. غير أن الحياة ليست بهذه البساطة.

اسأل نفسك هذا السؤال: هل تود العيش فى مجتمعٍ يسمح بالتضحية بحياة الفرد مقابل حياة المجموع؟ لا أظنك تقبل بسهولة، خاصة لو تصورت نفسك مكان الضحية، فما الحل إذن؟

ربما يكمن الحل فى التمييز بين السيناريو الأول والثانى تمييزاً واضحاً، ثمة حقوق لا يمكن أن تسلب من الإنسان، فى مقدمتها حقه فى الحياة، لذلك لا يحق لنا أن ندفع بالبدين لإنقاذ الخمسة كما فى السيناريو الثانى. هناك، فى المقابل، حقوق أقل قدسية مثل حق الإنسان فى أن يتلقى مساعدة من الآخرين. فى السيناريو الأول أنت تمتنع عن مساعدة الشخص المقيد مقابل مساعدة الخمسة، ولكنك لا تمارس القتل، هناك فرق!

[email protected]