عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكثت كثيرًا أفكر فى حاله، وأدقق فى غريب أحواله وعجيب أفعاله، لدرجة أن شكّكت فى بشريته وأنكرت عليه طينته وماديته، فهو بشر فى الشكل والخِلقة ولكنه كالنور الملائكى فى الجوهر والطُهر وبياض القلب والنفس النقية.

وأعترف لكم بكل قوة وشجاعة أننى قد وقعت فى بئر عميقة من الدهشة والذهول والحيرة والتحير والغرابة والتعجب حينما سمعت ما تفوّه به أو حينما رأيت أفعاله، فأصابنى اندهاشا غير عادى طال مداه واحتل كل خلاياى ولا يتكرر فى العمر إلا مرّات قليلات.

أعلم أنى قد أطلت فى مقدمتى دون أن أدخل فى صُلب الموضوع أو فى عرض سبب دهشتى وأساس حيرتي، ولكن اعذرنى قارئى العزيز فقد وجدت بشرا عجيبا مدهشا غريبا، لا يتكرر كثيرا وقد لا أجده فى طريقى مرة أخرى.

كلنا يعرف تمام المعرفة ما يُسمَّى بفتنة المال، فأغلبنا جرَّبها وغرق فى أمواجها المتلاطمة الغضبة، وهام فى حبالها عشقا وهياما، واستمات فى طلب يدها وتسابق وتسارع وتصارع وخسر وهزم وانهزم من أجل الاستحواذ على المال والفوز به، فيالها من فتنة عظيمة قلّما تجد من ينجو منها دون أن يخسر نفسه أو خُلُقه أو عِزَّة نفسه أو حتى المُقرّبين له.

وبالطبع لفت انتباهى وشدَّ حواسى وسَرَق كامل تركيزى بشرٌ، نزع من بين ضلوعه بكل قوة وقناعة حب المال – وهذا ما قصدته فى مقدمتي- فلم يُفتَن بهذِهِ الفِتنة اللعينة، ولم يُصبَغ قلبه بِحب المال، ولم تلمع عيناه لرؤية بريقه، فلم يتبدّل أو يتغيّر كما الذين بدّلتهم الأموال وغيرّت نفوسهم لعنة الأموال، ولم يغترَّ ويطمع كمّا الذين طمعوا وقسوا وطغوا بمجرد أن ملكوا الأموال وتملكوها.

فكان بشرا لا يُغريه المال ولا يسعى وراءه ولا يلهث خلفه أو يتذلل من أجله، وليس ذلك فقط بل كان زاهدا فيما قد يأتى له على غير طلب منه أو سعي. 

فرأيته يتصرف - حينما رُزق بالمال- بِعزَّة واستغناء غريب غير مُكترثٍ أو فَرِحٍ أو سعيد، وكأن لم يطرأ عليه جديد، فلا المال أغناه ولا غيّر هواه، ولا أبدل صفاء سريرته أو قلّل من تقواه، فالقلب غنى بيقينه والعقل غنى بقناعته ورضاه، أما النفس فبريئة نقية وكأنها منتقاه، والمدهش أنه كان على استعداد أن يتنازل عن كل ذلك غير نادم أو حزين، فالنفس العزيزة لا يُغنيها أو يُعكر صفوها المال.

وحينما سمعت كلامه وشاهدت زهده إلا وتجمدت حواسى وارتفع حاجباى وعقد لسانى واستدارت مقلتاي، إذ كيف له ذلك؟ كيف استطاع أن يربى نفسه ويقويها وأن ينزع عنها حب المال؟ كيف نجح فى أن يقنع عقله أنه عزيز وغنى وقوى بلا مال أو نفوذ حتى لو سعوا إليه؟ كيف سيطر على قلبه ونزع منه هواه وألقى عنه فتنة المال ونقَّى أوردته منها؟  

 المال فتنة لا محالة، فهو بالنسبة للكثير داء لا نجاة منه أو دواء، ومن أجل المال يُضحى الكثير بالقيم والخلق والذمة والعرض والعهد والكلمة والموهبة والإبداع.

فمن أجل المال يبيع الشعراء والكُتاب موهبتهم وإبداعهم لنفاق رخيص ومداهنة مزيفة، ومن أجل المال يبيع الخسيس ذمته ويختلس، ومن أجل المال يُغير المنافق وشاهد الزور كلمته ويصبح معدوم الشرف بلا كلمة أو عهد، ومن أجل المال أيضًا يُهدم رباط الزوجية المقدس وتُدهس علاقات الدم بين الأخوة.

 فالمال لعنة بغيضة حينما يجعله الناس غاية فى حد ذاتها لا وسيلة يدبرون بها معاشهم، فيخسرون قيمة أنفسهم وهم يلهثون وراءه.    

والفائزون فقط هم الذين لم يتغيروا أو يتبدلوا حينما قُدِّر لهم أن يقع بين أيديهم، الفائزون فقط هم الناجون من سيطرة المال على عقولهم وقلوبهم ونفوسهم.

  [email protected]