بدون رتوش
فى مايو الجارى، أعلن أبناء جمال خاشقجى الذى قتل على أيدى سعوديين فى قنصلية بلاده فى إسطنبول فى 2 أكتوبر 2018، أعلنوا العفو عن قتلة والدهم فى خطوة من شأنها السماح للمتهمين الخمسة الإفلات من عقوبة الإعدام التى صدرت بحقهم فى ديسمبر الماضى. وكان صلاح خاشقجى قد نشر فى تغريدة على حسابه على تويتر بيانا مقتضبا يعلن فيه أن الأبناء قد عفوا عمن قتل والدهم، وأن قرار العائلة يستند إلى آية قرآنية تشجع على العفو. وفى معرض التعقيب قالت «أييس كالامارا» خبيرة الأمم المتحدة التى حققت فى القضية التى أثارت إدانات دولية واسعة: (إن عفو أبنائه عن القتلة صادم ويعتبر فصلا جديدا من المهزلة). وكانت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية قد ذكرت فى ابريل 2019 أن أبناء خاشقجى تسلموا منازل بملايين الدولارات كتعويض عن قتل والدهم، وأنهم يتقاضون شهريا آلاف الدولارات من السلطات السعودية. إلا أن العائلة نفت فى حينه وجود أية تسويات مالية مع السلطات السعودية.
رغم أن قرار العفو عن القتلة كان صادما للبعض إلا أنه سجل ملمحا للمسلم الذى لا يرد السيئة بمثلها وبذلك يكون قد استجاب لقول الله تعالى: «من عفا وأصلح فأجره على الله» الشورى:40. وكأن أبناء خاشقجى بعفوهم عمن ارتكب جريمة قتل والدهم أرادوا إصلاح من ارتكب الجريمة بتبرئته. وهو أمر يقربهم إلى الله ويحببهم فى دينهم ويحتسب عند الله أجرهم بعيدا عن الغل والحقد والانتقام. ليظل العفو هو سمة الأقوياء وديدن العظماء. عفو العائلة عن القتلة الآثمين ابتغت من ورائه أجرا من الله بعد أن قدمت بهذا العفو نموذجا على سماحة النفس ليتناغم هذا مع دعوة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى». لقد تجرد أبناء خاشقجى من قوتهم ولجأوا إلى قوة الله. وهنا تعلو قيمة العفو وتتألق معانيه وتسطع أنواره. إذ إن العفو هنا ممزوج بالإخلاص ومغلف بالصفاء والنقاء. استدعوا بعفوهم نفس المؤمن العزيزة بالاستعانة بالله والتحرك وفق منهج الله قال تعالى: «والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون». الشورى: 39
العفو هنا يعنى الصبر على قضاء الله تعالى «إن ذلك لمن عزم الأمور». لقد أكد هؤلاء بعفوهم أنهم أهل المروءة، وإن أهل العفو ما زالوا باقين. بإقدامهم على العفو أحيوا مكارم الأخلاق إذ إن العفو هنا هو العزة والرفعة والمنعة. ما فعله أبناء خاشقجى رسالة ناصعة شفافة رائعة الجمال، فالعفو يعد من الأخلاق الحميدة والصفات الجليلة التى أمر الله نبيه بها قال تعالى: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» الأعراف: 199 . العفو مكرمة تعنى كف الضرر مع القدرة عليه. وأبناء خاشقحى أقدموا على اتخاذ قرار العفو بعد أن سكنتهم راحة النفس وحلت بهم طمأنينة القلب ونالوا الأجر العظيم من الله، فمن عفا نال الرفعة فى الدنيا والآخرة لأنه كف الضرر مع القدرة عليه. إنه الطريق الموصل للجنة.. بفعلتهم هذه أحيوا مكارم الأخلاق، فالله لم يبعث نبيه إلا ليتمم مكارم الأخلاق. بعفو أبناء خاشقجى عن قتلة والدهم نالوا الرفعة فى الدنيا والآخرة واختاروا الطريق الموصل للجنة لا سيما وقد جاء عفوهم مقرونا بالتواضع ممزوجا بالإخلاص مغلفا بالنقاء والصفاء. رحم الله جمال خاشقجى.