عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

كنت قد كتبتُ سابقًا فى إحدى مقالاتى أنّ للمظلوم أصنافًا شتَّى، نعم عزيزى القارئ، فكما تباينت صنوف الظالمين وتعددت ما بين ظلم مادى، ومعنوى، وجسدى، تباينت أيضًا صنوف المظلومين وتعدّدت ألوانهم.

فهناك (المظلوم القوي) وهو مظلومٌ انتزع حقه المُغتصَب من الظالم دون أن ينتقم منه، وهناك أيضاَ (المظلوم المُنتقِم) وهو مظلومٌ انتزع حقه المُغتصَب من الظالم ثم أزادَ جرعةً مكثفةً من ألوان الانتقام الموجهة ضد الظالم، و(المظلوم المُحتسِب) وهو مظلومٌ صَمَتَ عن حقه ووكّل خالقه كى يسترد له حقه ويرد له اعتباره.

أما المظلوم المنتقِم فقد تبنّى منهج العين بالعين، والسن بالسن، ولكن تبقى معضلة الانتقام فى عدم القدرة على تحقيق المُماثلة، وهى ببساطة أن يكون الانتقام مساويًا لحجم الأذى الواقع عليك من الظالم، ولا يزيد عليه مثقال ذرة، لأنه لو زاد ولو ذرة انقلبت الآية وتبدّلَت الأدوار وأصبحت ظالمًا بعد أن كنت مظلومًا وسيسرى عليك وعد الله ووعيده فى ملاحقة الظالمين وعقابهم، لذلك لا أفضل الانتقام بعد انتزاع الحقوق المغتصبة من الظالم وترك أمر الانتقام بيد الخالق فهو من يعلم يقينًا حجم الضرر الواقع عليك وَيقدر وباقتدار أن يرد لك حقك وأن يُذيق من ظلمك مرارة الكأس الذى شربت منه سابقًا، فمن منا كبشر يستطيع قياس نسبة الضرر الواقعة عليه قياسًا نسبيًا دقيقًا والرد بمثلها تمامًا؟ هذا محال.

أما المظلوم المُحتسِب فذاك لم يُصدر أى رد فعل تجاه من ظلمه، وليس معنى صمته أبدًا الرضا بالحال، لا، فلا هو استرد حقه ولا حتى اقترب ممّن ظلمه كى يشعره بجُرمه أو ذنبه، بل خَنَع وعانى فى صمت، مرّت عليه الأيام بقسوتها، صرخت روحه مرارًا ولم يسمعها أحد، استعمر الوجع والحزن قلبه مسببين فيه غصة وصلت ذروتها لحلقه فلا يستطعم أو يتلذذ بأى طعام، بكت عيناه واستمات فى إخفاء دموعه عن الجميع كى لا يعيش هَمّ الشفقة فيكفيه هم واحد، فلولا إيمانه بالعدل الإلهى وأن الله مُنصفه ورافع ظلمه لا محال لما زار النوم عيناه.

أما المظلوم القوى فذاك الذى أقصده هنا، فهو الذى استطاع أن ينتزع حقه ممّن ظلمه ولم يرضَ بالظلم أو الخنوع، ولم يقبل أن يُوجه له أى اتهام تنكيلًا بلا بينةٍ أو دليل، ولم يصمت عن الفساد أبدًا، بل انتفض عزيزًا مدافعًا عن نفسه، منتزعًا حقه، طاردًا خوفه وضعفه، مستحضرًا قوته المستمدة من إيمانه العميق أنه صاحب حق أصيل وأنه الطرف الأقوى، كل ذلك دون أن يُقدم على خطوة الانتقام المضاعف من الظالم، فانتزع حقه فقط.

وهذا النوع من المظلومين قد لا تلقاه كثيرًا فى المجتمعات الفاسدة فى أغلبيتها، والتى تعج بالظلام والفساد فى كامل مرافقها، لأن هؤلاء الأفراد وجودهم يمثل خطرًا كبيرًا على الظلمة والفاسدين، لأنهم ليسوا فقط السهام النافذة التى تشق عروش الظالمين بعد حروب شرسة قوية بلا هوادة أو ملل، بل لكونهم يعتبرون النموذج المُلهِم للمظلومين المحتسبين وهم كُثر.

فحينما يجد المظلوم المُحتسِب هذا النوع (القوي) فتراه يتشجّع ويستقوى به ويبدأ أخيرًا فى التكشير عن أنيابه والمطالبة بحقوقه ممن ظلمه.

لذلك أوجه كلمة لكل مظلوم قوى استطاع بشجاعة وإقدام أن ينتصر لحقه، ألا تضعف أو تتنازل مهما خضت حروبًا أو مهمًا بذلت فى ذلك كل غالٍ، فقد تكون نموذجًا لغيرك وإلهامًا لهم وجدوا فيك الأمل ووهبتهم النور الذى يضىء ظلام دروبهم، فبفضلك دبّت الحياة فى قلوبهم من جديد.

[email protected]