رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

ومن الكلام ما قتل

 

الكلمات رصاص، سهام، نار تحرق ورياح تعصف. هناك كلمات تصرع أصحابها وتؤلب عليهم نفوسا، وتؤجج ضدهم غضبا لبعض ذوى السلطان، الذين لا يغفرون لكلمة، وتستخدم كحيثيات وقرائن لاستحقاق الإعدام.

كان وضاح اليمن من الشعراء الأرقاء، هو عبدالله بن إسماعيل بن كلال، وعرف بأنه أفضل من يمدح النساء، وعاش خلال زمن النسخة الثانية من الدولة الأموية «بيت مروان». وقيل إنه كان يسعى لحتفه، إذ لم يترك امرأة ذات حسب وجمال إلا ودبج فيها شعراً رقيقاً.

وفى يوم ما حجت أم البنين، زوجة الخليفة الوليد بن عبدالملك، وتحدى البعض وضاح أن يكتب شعراً فيها، وقبل التحدى وأنشد: «حتام نكتم حبنا حتاماً/وعلام نستبقى الدموع علاما/إن الذى بى قد تفاقم واعتلى/ونما وزاد وأورث الأسقاما/قد أصبحت أم البنين مريضة/نخشى ونشفق أن يكون حماما/يا رب أمتعنى بطول بقائها/وأجبر بها الأرمال والأيتاما»، وعلم الخليفة بما قاله وضاح وأقسم على جعله عبرة للشعراء.

وأحضر الشاعر إلى الخليفة فأمره بالنوم فى تابوت خشبى كبير، ثم أغلق عليه ووضع فى بئر سنين عددا، حتى جاء زمن تهاجا فيه اثنان أحدهما من نسل الوليد بن عبدالملك، فذكر له الآخر أبيات الشعر التى قيلت فى جدته، فأنكرها فقال له إن لديكم فى بئر قصركم تابوت الشاعر وضاح اليمن، فبحث عنه فوجده، وأمر بدفنه، وعاشت كلمات الشاعر حتى وصلت إلينا.

وذاك الشاعر أبوالطيب المتنبى، فحل الشعراء وسلطانهم ينتقل من بلدة إلى أخرى، ومن سلطان إلى سلطان يقول شعراً فى هذا وينال منه مالاً وجاهاً، ويهجو الآخر فيزداد مهابة عند الناس. وفى أحد أسفاره يجد أمامه قطاع طرق يسدون الطريق على العابرين ويقتلونهم ويسلبونهم ما معهم، فيلوى عنق فرسه عائداً من طريقه ناجياً بنفسه، لكن خادمه يصرخ فيه قائلاً: «كيف تفر وأنت القائل: والليل والخيل والبيداء تعرفنى/والسيف والرمح والقرطاس والقلم؟»، وهنا يتصارع الشاعر مع الإنسان داخل المتنبى، فينتصر الشاعر الذى يحاول البرهنة على صدق كلماته: ويصرخ فى خادمه قائلاً: «والله إنك قتلتنى»، ويعود إلى قطاع الطرق ليقاتل حتى النهاية.

أما بشار بن برد، أحد عباقرة الحرف الرصين الماتع، فقد اشتهر بكسب عداواته بسبب سوء هجائه، واشتط به الحال، فبلغ به الأمر أن هجا الوزير يعقوب بن داوود وزير الخليفة العباسى المهدى، وهنا قرر الوزير تحريض رأس الدولة نفسه عليه، فذهب إلى الخليفة وقال له إن الشاعر الأعمى الزنديق يهجوك، وكان الخليفة ممن يستغلون الدين فى الإيقاع بأعدائه، فادعى البعض على الشاعر تهمة الزندقة، واتخذوا بيت شعر له للتدليل على ذلك قال فيه: «إبليس أفضل من أبيكم آدم/فتبينوا يا معشر الأشرار/النار عنصره وآدم طينة/والطين لا يسمو سمو النار». وبالطبع لم تكن هناك زندقة فى بيت الشعر أو شىء، إنما هى مبالغات تقبلها لغة الشعر، لكن الخليفة امتثل لرغبته ورغبات رجاله فى التخلص من صوت مزعج، خارج عن السيطرة، لذا أمر بضربه بالسياط حتى الموت، ففعلوا.

لكن رغم تلك المصارع والنهايات المؤسفة لشعراء متمردين، وصلنا كلامهم وخلد.

والله أعلم.

[email protected]