رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

الأدب باب جميل لإعادة كتابة التاريخ، وما فعله ناصر عراق فى «الأزبكية» وأشرف العشماوى فى «كلاب الراعى» وأحمد مراد فى «1919» هو إعادة بعث لأحداث رويت ناقصة من قبل وركزت على الحاكم والنخبة لا على المحكومين والناس العامة.

لقد كانت السمة المؤسفة فى كتابة التاريخ بالشرق العربى تجاهل المُهمشين واستصغار مَن هُم خارج دوائر النفوذ والقوة وإهمال أفعالهم وأقوالهم وهو ما ساهم فى تشويه كثير من الحكايات وترويج سخائف باعتبارها بطولات وتمجيد قتلة ومجرمين والتماس الأعذار للطغاة.

والرواية الأخيرة للمبدع الجميل عمار على حسن التى تحمل اسم «بيت السنارى» تستهدف تقديم قراءة جديدة لأحداث هامة فى تاريخ مصر زمن الحملة الفرنسية من خلال قصة مملوك ثانوى هو إبراهيم السنارى، لتحكى لنا كيف كان المصريون فى تلك الآونة صيداً سهلاً لمحترفى الشعوذة والدجل والخرافات، وكيف كان الجهل بصحيح الدين سبباً فى انهيار روح المقاومة حتى إن جانباً من المصريين تجمعوا فى الساحات لقراءة «البخارى» لرد العدوان!

يُقدم عمار مصر فى هيئة فتاة جميلة باسم «زينة» تخلب عقل كُل مُشاهد حتى إن إبراهيم السنارى الرجل الثانى فى مصر بعد مراد بك يُفضلها على جميع نسائه، فى الوقت الذى يهواها الضابط الفرنسى دوبريه ويتعلق بها لدرجة أنه يرفض العودة مع الجيش الفرنسى عند خروجه وينضم لجيش الترك حتى يبقى جوار معشوقته، فى الوقت الذى يهواها أيضا حسن جعيدى ابن البلد، ويقدم لها كل الخدمات التى تطلبها حُباً وهياماً، لكن المفاجأة أن مصر لا تختار ابن البلد وإنما تفضل صاحب النفوذ والقوة والمال إبراهيم السنارى الذى يخلب ألباب الناس بأعمال السحر التى يعترف فى النهاية أنها محض افتراءات وحيل لخداع البسطاء.

والمُحزن فيما يقدمه عمار أن ينتهى الأمر بمَن قاوم الفرنسيين وحاربهم وحرض الناس على قتالهم إلى الموت غدراً بأيدى الأتراك بعد دخولهم مصر، حتى لا يقاوموا طغيان التُرك أو ينافسوهم لحكم مصر، خاصة أن المصريين كانوا يؤمنون بحق أجناس أخرى فى حكمهم بشرط أن يكونوا مُسلمين، وهو أمر غريب لم يأخذ حقه فى التحليل بتاريخنا الحديث والوسيط.

ويستثمر عمار روايته لتقديم جانب هام من الحياة الاجتماعية للمصريين فيما يخص تعاملات الأسواق، وحوارات المقاهى، ودور رجال الدين، والنظرة إلى المرأة، والتجارة والألعاب والمزاج والفتوات وأساليب اللصوص فى مطلع القرن التاسع عشر، كما يقدم جانباً من الصدمة الحضارية التى انتابت أهل مصر عند تعرفهم على علوم وفنون وأفكار الفرنسيين.

ومن الجميل أن يكتب التاريخ من خلال روايات أدبية ممتعة والأجمل أن يقرأه الناس بعقول منفتحة ورغبات فى التغير والتطور.

والله أعلم

[email protected]