رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

أسوار وجدران قصر البارون مهددة بالانهيار بسبب «الرشح»

بوابة الوفد الإلكترونية

وزارة السياحة والآثار تؤكد: المياه الجوفية هى السبب.. وخبراء: مصر الجديدة منطقة صحراوية لا توجد بها مياه جوفية!!

 

جريمة اهدار مال عام مكتملة الأركان وقعت فى قصر البارون بمصر الجديدة، ذلك الأثر الجميل الذى تم افتتاحه بعد الترميم منذ عامين والنصف تقريبا، حيث تكلفت عملية الترميم 175 مليون جنيه من أموال الدولة، إلا أن هذا المبلغ راح أدراج الرياح بعد أن حدثت تشققات بجدران القصر الأثرى ما يعرضه للانهيار.

 

فما حدث فى قصر البارون امبان يعد كارثة وجريمة إهدار مال عام بكل المقاييس، ودليلا على حالة التردى التى وصلت إليها عملية ترميم الآثار فى مصر، ومع عدم وجود كود للترميم الأثرى تصبح كل آثارنا الخالدة مهددة بنفس المصير.

«الوفد» بحثت عن حقيقة ما حدث فى قصر مؤسس مصر الجديدة لتكتشف أن آثار مصر كلها فى خطر.

 

وتعود ملكية القصر الذى اكتمل بناؤه فى 1911م للبارون إدوارد إمبان، ويقع فى منطقة «هليوبوليس»، وهو أول قصر تم إنشاؤه على الطراز الهندى فى الشرق الأوسط، حيث استلهم المعمارى الفرنسى ألكساندر مارسيل تصميمه الخارجى من المعابد الهندوسية القديمة، وتصميمه الداخلى من فنون عصر النهضة الأوروبية بطريقة تجعل الشمس لا تغيب عن حجراته وردهاته، ما جعله طرازا معماريا فريدا، حيث استخدم فى بنائه أكثر من 30 ألف قطعة من القوالب والاسطمبات التى تم جلبها من فرنسا، وتركيبها على الواجهات، واستخدم فى بنائه المرمر والرخام الإيطالى والزجاج البلجيكى البلورى الذى يمكن من فى الداخل من رؤية ما فى الخارج، كما أن شرفات القصر الخارجية محمولة على تماثيل الفيلة الهندية، والنوافذ ترتفع وتنخفض مع تماثيل هندية وبوذية.

 

شبهة الفساد تحوم حول عملية الترميم.. وغياب الكود وعدم تأهيل الشركات أهم الأسباب

كما أنه من الداخل حجمه صغير، فهو لا يزيد على طابقين ويحتوى على 7 حجرات فقط، ويتكون الطابق الأول من صالة كبيرة وثلاث حجرات، أما الطابق العلوى فيتكون من 4 حجرات للنوم كل منها ملحق بها حمام خاص، وأرضية القصر مغطاة بالرخام وخشب الباركيه، ويوجد ملحق صغير بجانب القصر تعلوه قبة كبيرة، وبه برج دوار دارت حوله العديد من الأساطير، فهو يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة، ليتيح الاستمتاع بمشاهدة ما حول القصر فى جميع الاتجاهات، حسب كلام مديرة القصر بسمة سليم فى حوار إذاعى.

 

وبعد وفاة البارون وبيع القصر، أصبح الإهمال هو المسيطر عليه، وظل القصر مهجورا لسنوات طويلة، يدخله الأطفال للهو فى حديقته نهارا، ويخشى الجميع ضخامته ليلا، حتى أصبح مرتعا للخارجين على القانون، وغابت عنه الحياة لسنوات طويلة، وتم بيع محتوياته فى مزاد علنى فى خمسينيات القرن الماضى.

وفى عام 1993 تم تصنيف القصر رسميًا كمعلم أثرى، وفى عام 2005 اشترته وزارة الإسكان من مالكيه، مقابل منحهم قطعة أرض بديلة بالقاهرة الجديدة، وتقرر تحويل القصر إلى مزار سياحى وأثرى، إلا أن عملية الترميم تأخرت لتبدأ فى عام 2017 ليستعيد القصر الكثير من رونقه القديم كتحفة أثرية معمارية فريدة من نوعها، واستمرت أعمال الترميم لما يقرب من 3 سنوات ليفتتح  رسميا فى 29 يونيو 2020.

 

وأهم ما يميز قصر البارون وجود (ساعة أثرية) قديمة لا مثيل لها إلا فى قصر باكنجهام الملكى بلندن، توضح الوقت بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين، مع توضيح تغيرات أوجه القمر ودرجات الحرارة، كما تضم حديقة القصر عربة لترام مصر الجديدة بعد ترميمها، بالإضافة إلى سيارات قديمة كالتى كانت تسير فى شوارع القاهرة خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، لتعطى صورة حقيقية عن الحى العريق ونمط الحياة به خلال هذه الفترة.

وتضمنت أعمال ترميم قصر البارون تجهيز شاشات العرض الإلكترونية، لعرض صور وأفلام وثائقية عن أعمال بناء حى مصر الجديدة وقصر البارون وشكل الشوارع والمبانى والمحلات والسيارات الخاصة وعربات الترام وغيرها من مظاهر الحياة فى ذلك الوقت، كما تعرض صورًا للبارون إمبان وشريكه نوبار باشا، والمهندس الفرنسى ألكسندر مارسيل مُصمم القصر، كما تم التدعيم الإنشائى لأسقف القصر وترميمها وتشطيب الواجهات وتنظيف وترميم العناصر الزخرفية الموجودة به، واستكمال النواقص من الأبواب والشبابيك، وتنظيف وترميم الأعمدة الرخامية والأبواب الخشبية والشبابيك المعدنية، وترميم الشبابيك الحديدية المزخرفة على الواجهات الرئيسية واللوحة الجدارية أعلى المدخل الرئيسى، والتماثيل الرخامية بالموقع العام، كما تم رفع كفاءة الموقع العام للقصر وتنسيق الحديقة الخاصة به، وتكلفت هذه الأعمال حوالى 175 مليون جنيه.

 

الرطوبة والأملاح

ورغم أن عملية الترميم لم يمر عليها سوى عامين وعدة أشهر فقط، إلا أننا فوجئنا خلال الأيام الماضية بنشر صور لظهور نشع فى جدران القصر وانهيار أجزاء منه، ما أثار استياء خبراء الآثار الذين وضعوا عدة أسباب لهذا الأمر، إلا أن وزارة الآثار كان لها رأى آخر، حيث أكد الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن جدران القصر سليمة وآمنة، وما يظهر أسفل الأسوار ناتج عن الرطوبة والأملاح الناجمة عن قرب الأسوار من حديقة القصر التى كانت تروى بالغمر، كما أن سقوط أى أمطار قد يؤثرعلى المبانى، وقد ينتج عنها ظهور بقع أو أملاح أو رطوبة، وفى حالة ظهورها على أى معلم أثرى تتم معالجتها فورا وأولا بأول، لافتًا إلى أنه تم تغيير نظام الرى المستخدم بحديقة قصر البارون إمبان واستبداله بنظام الرى بالتنقيط، كما تم إبعاد المسطحات الخضراء بمسافة آمنة للمحافظة على القيمة الفنية للعناصر الموجودة بالأسوار.

 

لجنة هندسية أثرية

حسام زيدان

وأوضح حسام زيدان باحث ماجستير بكلية آثار جامعة القاهرة، أن قصر البارون إمبان تعرض لإهمال كبير على مدى ما يقرب من 50 عاما، وكاد القصر أن ينهارتماما وكان سيصبح فى عداد الآثار المفقودة، ولكن الدولة بذلت جهودا واضحة لترميمه، وذلك لأن قصر البارون يمثل طرازا نادرا ما بين الآثار المصرية، حيث يمثل حضارة مختلفة وهى الحضارة الهندية.

 

وتابع أن القصر مستوحى من معابد الانكروات وتحمل واجهته تماثيل للآلهة الهندوسية، إلا أنه بمتابعة حالته بعد الترميم، تبين أنه يحدث فيه كل عام فى نفس الموعد نوع من النشع على الجدران الخارجية، وفى أماكن تكاد تكون متكررة، والسبب قد يرجع لمياه الرى، أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية فى المنطقة، على الرغم من عدم وجود حالة مشابهة فى المبانى المجاورة، وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى لجنة هندسية أثرية مشتركة لرصد الحالة ودراستها وتقييمها ووضع علاج لها، وذلك لأن القصر قيمة أثرية معمارية يجب الحفاظ عليه وهو طرازه النادر، كما أنه يعتبر أحد أهم معالم حى مصر الجديدة.

مشكلة فردية

أحمد عامر الخبير الأثرى

وأكد أحمد عامر الخبير الأثرى والمتخصص فى علم المصريات، أنه لا توجد مشكلة فى

عمليات ترميم الآثار المصرية بوجه عام، حيث إن المرممين بوزارة السياحة والآثار على قدر عالٍ من الدقة، فقد نجحوا فى ترميم الكثير من الآثار منها الكباش الموجودة ما بين معبدى الأقصر والكرنك، بالإضافة إلى الكثير من القطع الأثرية الخاصة بالملك «توت عنخ آمون» و مسلة الملك «رمسيس الثانى» التى تزين ميدان التحرير، فضلًا عن الكثير من المكتشفات الأثرية نتاج الحفائر.

 

وأضاف قائلا: لا أحد يستطيع أن يجزم بسبب حدوث هذا الرشح فى قصر البارون، فمن الوارد حدوث أى مشكلة دون الارتباط بموعد محدد، ومن الممكن أن تكون هذه مشكلة قديمة وظهرت بشكل عارض، لذلك لابد من متابعة جميع الأعمال التى تمت فى الفترات السابقة، ومعالجة أى أثر تطرأ عليه أى مشكلة، وأشار إلى أن بيان الوزارة أكد أن الأمر ليس بخطير وسوف يتم معالجته بالطريقة السليمة وفقا لطبيعة الأثر.

وأوضح عامر أن مشكلة قصر البارون هى المياه الجوفيه، ولكن مصدرها غير معروف، فمنطقة مصر الجديدة صحراوية!!

أهل الثقة

 

واستنكر عبد الحميد عبد القادر مفتش آثار إسلامية وقبطية، على صفحته الشخصية، ما حدث بالقصر بعد ترميمه بتكلفة ١٧٥ مليون جنيه، قائلًا: ما حدث دليل على وجود فساد، والاعتماد على أهل الثقة على حساب أهل الكفاءة، لافتًا إلى أن علم الترميم أصبح حبرا على ورق، والقيادات الحالية «تسترزق» من الآثار ومشاريع الترميم وصفقات شطب وهدم الآثار، وذلك وسط صمت الأجهزة الرقابية عن الجرائم التى ترتكب فى حق الأثار، مؤكدًا أن وجود الرشح فى قصر البارون يعد دليلا على إهدار المال العام فى مشروعات ترميم الآثار،

انعدام الرقابة

 

من ناحية اخرى وصف مهندس ترميم اثار -رفض ذكر اسمه-  بيان وزارة الآثار بأنه بيان هزيل، حيث أكدت الوزارة أن سبب الرشح هو المياه الجوفية ولكن هذا غير صحيح لأن منطقة مصر الجديدة منطقة صحراوية والقصر مبنى على ارتفاع كبير، مشيرًا إلى أنه إذا تواجدت مياه جوفية فى المنطقة، لأغرقت منطقة الكوربة بأكملها، لأنها الأكثر انخفاضًا فى مصر الجديدة.

 

وأضاف المهندس أن سبب ظهور هذه المياه هو وجود البلكونات والمسطحات المبنية بطريقة غير صحيحة، وذلك لأنه وقت هطول المطر، تسقط المياه فى الرمال الموجودة فى تلك الأماكن، وينتج عنه نشع على الجدران والواجهات الرئيسية للقصر، لذا يجب عمل دراسة جيدة ويتم عزل هذه المصاطب والمسطحات وبناؤها بطريقة صحيحة  لمنع تكرار هذا الأمر.

 

وعن رى الحديقة عن طريق الغمر أو التنقيط أو الأمطار، أكد المصدر أننا فى منطقة رملية، عند سكب كوب الماء يختفى فى غضون ثوانٍ، وإذا كان السبب وراءه هو غمر الحديقة، فلماذا تظهر فقط فى فصل الشتاء وليس فى الصيف أيضًا، لافتًا إلى أن السبب وراء هذا النشع هو الاستشارى الذى أسند إليه ترميم المكان، فلا توجد جهة مشرفة عليه، هذا إذا وجد استشارى للمشروع من الأساس، لافتًا إلى أن هذا النشع سيتكرر سنويا طالما لم تعترف الوزارة بوجود هذا الخطأ ولم تعالجه، موضحا أنه يحتاج إلى ملايين الجنيهات لإعادة ترميمه مرة أخرى.

 

كود الترميم

وعن مشاكل ترميم الآثار بوجه عام، تحدثت معنا الدكتورة مونيكا حنا، عميدة كلية الآثار والتراث الحضارى بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، لتؤكد وجود مشكلة حقيقية فى مجال ترميم الآثار فى مصر، وذلك لعدم وجود كود مسجل لأعمال الترميم، ما ينتج عنه كوارث تفقد الأثر طابعه التاريخى، والأمر غير المتوقع أن هذا يتم بموافقة المجلس الأعلى للآثار، وغالبا ما نشاهد أعمال ترميم غير دقيقة وغير مدروسة.

 

وعندما حدث فى القصر بوجه خاص أوضحت «حنا»، أن هذا الرشح ليس بسبب المياه الجوفية، ولكن بسبب وجود مياه تحت الأسطح نتيجة تسريبات شبكة الصرف الصحى او بسبب اعمال الرى الخاطئ الخاص بحديقة القصر، والمسئولون عن هذا الإهمال هم الخفراء المعينون من قبل الوزارة، بالإضافة إلى الشركة التى رممت القصر، والشركة التى أشرفت على عملية الترميم، والمسئولون بوزارة السياحة والآثار الذين تسلموا المشروع.

 

وعن تكرار هذا الأمر سنويًا أكدت العميدة أن الإهمال يتكرر بسبب عدم وجود كود دقيق للترميم بمصر، فلن يجدى افتتاح مشاريع ضخمة بدون دراسة حقيقية للجيولوجيا المحيطة، وهو ما يؤثر بشكل كبير على استدامة أى مبنى أثرى او تاريخى، بالإضافة إلى عدم مراعاة القواعد الفنية فى المعالجة، وعدم اهتمام المسئولين بوضع قواعد للترميم يتم العمل بها للحفاظ على آثارنا ومبانيها التاريخية.