رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

قصر "السكاكينى" يطلب الإنقاذ

قصر «السكاكينى» من
قصر «السكاكينى» من الخارج

سنوات التطوير ضاعت هباءً بسبب الإهمال

تحفة أثرية تُجسد أسمى آيات الإبداع والجمال، فهو يمزج بين الفن المعمارى الأوروبى الإيطالى - ويحوى تماثيل ونقوشاً وزخارف - من العصور اليونانية والرومانية والقبطية، قابعًا على بُعد خطوات قليلة من محطة مترو غمرة، تحديدًا فى ميدان السكاكينى بحى الظاهر بالقاهرة..

 حكايته كما رصدتها كُتب التاريخ تعود إلى عام 1856، حينما جاء إلى مصر شاب سورى يدعى «جبرائيل حبيب السكاكينى» الذى ولد فى دمشق عام 1841، ولقب بـ«السكاكينى» نسبة إلى والده الذى كان يعمل فى صناعة الأسلحة البيضاء، وتولى حبيب وظيفة بشركة قناة السويس ببورسعيد، ولفت الأنظار إليه بسبب مهارته وإتقانه العمل، حتى جاء تحد كبير هدد منطقة القناة كلها، بسبب انتشار الفئران وما تنقله من أوبئة للعمال وأهالى المنطقة، وعجزت كل الوسائل والحلول فى التصدى لهذه الأزمة، حتى اقترح «حبيب» الاستعانة بالقطط للقضاء على الفئران وعلى الفور تم تنفيذ الفكرة، وتم إرسال طرود قطط جائعة مُحملة على الجِمال، وإطلاقها فى منطقة قناة السويس فقضت على مشكلة انتشار الفئران.

 ومنذ ذلك الحين اعتمد الخديو إسماعيل – حاكم مصر وقتها - على الشاب السورى وأسند إليه بناء الأوبرا الخديوية، ونجح بالفعل فى الانتهاء من بناء الأوبرا فى الوقت المحدد فى 17 نوفمبر 1869، فأنعم عليه الخديوى لقب «بك»، وبعدها أصبح حبيب السكاكينى من كبار المقاولين، وفى مارس 1901 منحه البابا فى روما لقب «الكونت» لخدماته المجتمعية.

ونظرًا لبراعة هذا الشاب، وعلاقته الوطيدة بالخديو، أهدأه الخديو منطقة «قراجا التركمانى» النائية التى تملؤها بركة ماء، إلا أن الشاب ردمها فى عام 1897 وتم بناء قصر السكاكينى، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فعقب وفاة الشاب عام 1923 قُسمت ثروته بين الورثة الذين تنازلوا عن القصر، وتبرع أحد أحفاد السكاكينى وكان طبيباً بنصيبه فى الميراث لوزارة الصحة، وفى الفترة من عام 1961- 1983 أصبح القصر مقراً لمتحف التثقيف الصحى، وفى عام 1987 تم تسجيل القصر فى ضمن الآثار الإسلامية والقبطية بقرار رئيس مجلس الوزراء، ليتم وضعه تحت رعاية المجلس الأعلى للآثار.

الخبير الأثرى أحمد عامر يكشف جانباً مهماً فى التصميم المعمارى للقصر فيقول: عند التجول فى طرقاته، نرى نموذجًا لفن «الروكوكو» وهو فن ينتمى إلى الزخرفة فى العمارة والديكور الداخلى والخارجى وكذلك الأثاث والتصوير والنحت.

أحمد عامر

 

 ويضيف: «شيدت القصر شركة إيطالية على مساحة نحو 2698 متراً، مكونًا من 5 طوابق، الطابق الأول يحتوى على 4 غرف، والثانى مكوّن من 3 قاعات و4 صالات وغرفتين، أما الصالة الرئيسية فتبلغ مساحتها نحو 600 متر، وتحتوى على 6 أبواب تؤدى إلى قاعات القصر، ومجموع غرف القصر تبلغ 50 غرفة، ويحتوى على أكثر من 400 نافذة وباب، و300 تمثال منهم تمثال نصفى لحبيب باشا السكاكينى بأعلى المدخل الرئيسى للقصر، وللقصر مصعد ويطل على شرفة بها قبة مستديرة تؤدى إلى غرفة الإعاشة الصيفية، كما يحوى حديقة دائرية حوله غنية بالأشجار والورود، وبذلك ليكون نسخة من قصر إيطالى قد رأه حبيب باشا السكاكينى وأراد تقليده أو عمل نسخة منه فى القاهرة.

 وبعد التجول بداخله، وعند الوقوف على شرفة القصر، نرى تماثيل لأسدين فى واجهة القصر وفتيات وأطفال عاريات، ولكن بمرور الزمن، اختفت ألوانها وبدا عليها الإهمال، وجفت مياه نافورة المياه، كما تعانى أروقة القصر من الإهمال الشديد سواء من خارجه أو داخله، إذ تتراكم أكوام قمامة بمحيطه، وظهرت على جدرانه عوامل التعرية فبهتت وألوانها.

وواصل: «القصر أبوابه مغلقة أمام الزائرين، وتعرض لعمليات سرقة لمحتوياته، حيث سُرق تمثال «ملاك»، وتمثال «درة التاج» الذى كان يمثل فتاة ترتدى تاجاً ويعد من أقرب وأحب التماثيل إلى السكاكينى باشا، وتمثال «مرمر» الذى كان يتميز بتغير لونه عند تعرضه لأشعة الشمس، هذا بخلاف ما تم تحطيمه وكسره من تماثيل مثل تماثيل الأسود أمام حديقة القصر، وجميعهم اختفوا وتحطمها فى ظروف غامضة، وبالتالى يكاد القصر يختفى وسط غابة من الأبنية المتهالكة، محاصر ومحاط بالأخشاب والحديد، مهجور تسكنه الحشرات، وكأننا نتفنن فى تدمير كل ما هو أخضر من حولنا وتشوه

كل ما تركه الأجداد لنا من عراقة وأصالة، وذلك حسب روايات عديدة رصدتها كتُب التاريخ.

أسماء البكرى، التى رحلت عن عالمنا عام 2015، - وكانت قد ولدت فى قصر السكاكينى باشا بحى الظاهر، فى الثامن عشر من أكتوبر لعام 1947، وعملت مساعدة للإخراج مع يوسف شاهين «1926 - 2008»، وكانت والدتها هينريت ابنة حبيب السكاكينى باشا، ووالدها محمد سيف الدين البكرى سليل عائلة البكرى الشهيرة – قالت فى تصريحات سابقة لها: إن القصر شهد أزهى عصوره إبان حكم الملك فاروق، لكن بعد تلك الفترة ظل القصر مهملاً، مشيرة إلى أن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى وعدها بترميم القصر فى أواخر فترته، إلا إنه لم يتخذ أى خطوات تنفيذية استنادًا إلى مشكلة التمويل.

 وكان سعيد حلمى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية السابق، قد أكد أن القصر لم يدخل حتى الآن مرحلة الترميم، وأنه ما زال فى مرحلة الدراسة لأعمال الترميم، فور الانتهاء من مرحلة الدراسة سوف تقوم الجهات المسئولة بالأعلى للآثار بعمل مقايسة تقديرية لأعمال الترميم المطلوبة، لافتًا إلى أن هناك لجنة وزارية تدرس خطة استغلال القصر بعد ترميمه، مشيرًا إلى أن أبرز المقترحات المطروحة بتحويل القصر إلى مزار سياحى لكل أبناء مصر، لتعرض به لوحات ورسومات خاصة مثل وصف مصر والأماكن السياحية ليصبح من أجمل المزارات.

ونتيجة لهذا الإهمال، فقد نشب حريق فى أكتوبر 2016، بحجرة الحارس ببدروم القصر، وأكد الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، «وقتها» على سلامة «قصر السكاكينى»، لافتًا إلى أنه نشب نتيجة ماس كهربائى، وأنه لم يؤثر على الحالة الإنشائية والمعمارية للقصر، حيث لم تتأثر سوى الطبقة الأولى من السقف الخشبى للحجرة حارس القصر فقط، مشيراً إلى أن «البراطيم الخشبية الحاملة للسقف سليمة، ولم يمسها أى سوء».

وفى النهاية، يستغل موظفو الآثار القصر مقراً لهم، ولم يتحرك أحد لإنقاذ القصر سوى بعض عمليات الترميم البسيطة التى تمت لإنقاذ تماثيله من السقوط بعدما كانت تعانى من الشروخ، ولا تزال أبوابه مغلقة أمام الزائرين فلا يتاح لك سوى تصويره من الخارج دون القدرة على الدخول واكتشاف أروقته ودهاليزه المثيرة. 

وتابع الخبير الأثرى: القصر من الأماكن الفريدة فى فن العمارة، وقد تنوعت الطرازات المختلفة من حول العالم، وهو يُحاكى فن «الروكوكو»، وقد ظهر هذا الطراز من الفن فى القرن الثامن عشر ويُعبر امتداداً لفن «الباروك»، مؤكدًا أن خطة وزارة الاثار تتضمن حالياً خطة متكاملة لترميم قصر السكاكينى وجعله مزاراً سياحياً مهماً يُزين العاصمة فى إطار خطة إعادة استغلال ميادين وقصور القاهرة التاريخية والأثرية.. وهكذا امتدت يد التطوير أخيراً إلى قصر السكاكينى لتزيل آثار سنوات من الإهمال ليعود إلى سابق عهده، تحفة فنية معمارية.