رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جمال حمدان الطائر الأسطوري الذي قتله الموساد

جمال حمدان
جمال حمدان

«لقد ظهر هذا العالِم المتميز في آفاق الفكر العربي كطائر العنقاء الأسطوري، الذي تحكي قصص الأقدمين أن موطنه الأصلي صحراء العرب، وتروي الأسطورة أن طائرا واحدا منه يظهر كل مئات السنين وأنه يعلو في الآفاق محلقا بأجنحته العريضة المهيبة، وفاردا ريشه بديعا وباهرا، ولكن عندما يحين الأوان فإن هذا الطائر الأسطوري الوحيد يقيم لنفسه تلا من النار ويهبط من الأجواء، وينتصب واقفا في كبرياء وسط لهيبه، لكنه لا يتفحم ولا يتحول إلى رماد، وإنما ينبعث من قلب النار مستعدا لحياة جديدة ومنتشيا بشباب عمر جديد».

هذه هى الكلمات التى أهداها الكاتب محمد حسنين هيكل في مقدمة كتابه «أكتوبر 73.. السياسة والسلاح» إلى الدكتور جمال حمدان، وبعد صدور الكتاب بأعوام يشاء القدر أن يتحول الخيال إلى حقيقة، ليصحو العالِم الجليل ليجد نفسه وقد أحاطت ألسنة النار ذات صباح في شهر إبريل 1993م، وليثبت التاريخ بعدها أن العظماء لا يتحولون إلى رماد حتى في قلب اللهيب، وتظل أعمالهم الخالدة تذكرنا بهم على مر التاريخ.
الأوراق الخاصة بالمفكر المصري الراحل جمال حمدان تلقي الأضواء على آرائه في قضايا مازالت ساخنة، أهمها جماعات الاسلام السياسي، وهذا يدفعنا للتساؤل: هل كان جمال حمدان متشائما حين قال إن «مستقبل مصر أسود» وإن الخيار أمامنا لم يعد بين السيئ والأسوأ بل بين الأسوأ والأكثر سوءا؟.
بعد سبعة عشر عاماً على رحيل حمدان صدر كتاب (العلامة الدكتور جمال حمدان ولمحات من مذكراته الخاصة) عن سلسلة (عالم الكتب) والذى أعده للنشر شقيقه عبد الحميد صالح حمدان بعد أن جمع بعض أوراق شقيقه الخاصة، وتضمنها الكتاب وجاءت فى 72 صفحة من القطع الكبير.
ومن أهم فصول الكتاب (دنيا العالم الاسلامي) وفيه يقول حمدان الذي كان عاشقا لعلوم الجغرافيا، «إن العالم الاسلامي حقيقة جغرافية ولكنه خرافة سياسية وإن المسلمين أصبحوا عبئا على الاسلام بعد أن كان الاسلام عونا للمسلمين وإن الاسلام السياسي تعبير عن مرض نفسي، وعقلي فلو كان لدى الاسلام السياسي ذرة إحساس بالواقع المتدني المتحجر لانتحر، موضحا أن الجماعات المتشددة وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي إذ يحدث التشنج لعجز الجسم عن المقاومة. ومن أهم ما جاء فى هذا الفصل أن حمدان لا يجد تناقضا بين العلمانية والدين لان «كل الاديان علمانية أي دنيوية، وأن الدين في خدمة الدنيا، لا الدنيا في خدمة الدين، وأن هدف الإسلاميين الإرهابيين هو حكم الجهل للعلم، مضيفا أن منطقهم بسيط وواضح فلأنهم في قاع المجتمع فليس لديهم ما يخسرونه فاما أن يضعهم المجتمع في مكانة مقبولة أو فليذهب الجميع إلى الجحيم تحت ستار الدين. ويقول ان الاسلام هو العلمانية ، و لا اسلام بلا علمانية وأن كانت هناك علمانية بلا إسلام». ويضيف أن العلمانية هي ترشيد التدين.. التدين بلا هستيريا وبلا تطرف. والعمل فوق العبادة والعلم فوق الدين أصول إسلامية مقررة. والفتنة الطائفية والتطرف الاسلامي في مصر كلاهما نتيجة مباشرة للاعتراف باسرائيل، ثم نتيجة غير مباشرة لكل تداعيات هذا الاعتراف. وهذا الاعتراف هو نوع مستتر من الانتحار، ويؤكد أن «الأمن» يمثل المشكلة المحورية لهذا الكيان اللقيط، وأن وجود إسرائيل رهن بالقوة العسكرية، مشيرا إلى أنها قامت ولن تبقى إلا بالدم والحديد والنار. ولذا فهي دولة عسكرية في صميم تنظيمها وحياتها، ولذا أصبح جيشها هو سكانها وسكانها هم جيشها.وحدد جمال حمدان الوظيفة التي من أجلها أوجد الاستعمار العالمي هذا الكيان اللقيط، بالاشتراك مع الصهيونية العالمية، وهي أن تصبح قاعدة متكاملة آمنة عسكرياً، ورأس جسر ثابت استراتيجياً، ووكيل عام اقتصادياً، أو عميلاً خاصاً احتكارياً، مضيفا أن تصفية الجماعات الإسلامية المتشددة والأنظمة الحاكمة شرط حتمي لأي مواجهة مع العدو الخارجي ، ويرى أن مشكلة الاسلام والمسلمين أنهم يواجهون العالم الخارجي من مركب نقص حضاري وطني قومي مادي ولكن من مركب عظمة ديني.. هذه بالدقة آفة الاسلام تحديدا أكثر من أي دين آخر. وبالتخلف الحضاري والفكري تحول الاسلام كسلاح ذي حدين من الموجب الى السالب. ويصف حمدان الاحزاب الدينية بالعصابات الطائفية التي هي «مافيا الاسلام» ويشترط لتقدم مصر والعرب والعالم الاسلامي «شنق اخر الجماعات الاسلامية بأمعاء آخر اسرائيلي في فلسطين».

جغرافيا الحياة
أما فيما يتعلق بنظرة جمال حمدان إلى علم الجغرافيا، الذي منحه عمره كله، فنجد انه شكل مدرسة خاصة في التفكير الاستراتيجي، مزج فيها ما بين علم الجغرافيا، الذي لا يتعدى مفهومه لدى البعض الموقع والتضاريس، وبين علوم التاريخ والاقتصاد والسياسة، ليخرج لنا ما أسماه «جغرافيا الحياة». وأوضح حمدان في مقدمة كتابه الموسوعي «شخصية مصر»، أن المقصود بتلك الجغرافيا أنها: «علم بمادتها، وفن بمعالجتها، وفلسفة بنظراتها»، وهذا الرؤية تنقل عالم الجغرافيا من مرحلة المعرفة إلى مرحلة التفكير.
وكان الدكتور جمال حمدان جغرافيا متفرداً ، عشق بلده بكل ما فيه أرضه ومائه وصحرائه، ولذلك كان يصيغ العبارات الجغرافية بنكهة أدبية، إن دلت على شىء إنما تدل على ولهٍ وتيه.
يقول الدكتور جمال حمدان فى موسوعته (شخصية مصر) عن موقع مصر الجغرافى: «الموقع رأسمال طبيعى وسياسى دفين، ومورد أصيل من موارد الثروة القومية».
وعندما أراد أن يصف هذا الموقع قال: «ولئن كانت عبقرية موقع مصر، وتفرد موضعها أعظم نعمتين أنعمهما عليها المنعم - جل وعلا -

فقد صنعتا معا - خاصة عبقرية الموقع مما أجلَ تاريخ مصر القديم والوسيط والحديث بل والمستقبل أيضا، فإن قوة جاذبية الموقع وعظمة الموضع كانتا المغناطيس الجاذب للطامعين من كل حدب وصوب، فكانت مصر الدولة الأكثر احتلالا والمستعمرة الأكثف استعمارا على مر التاريخ».
ويقول واصفا قيمة برزج السويس «ولئن كان برزخ السويس قمة عبقرية موقع مصر جغرافيا، فإنه كان نقمة مصر تاريخيا، حيث صنع معظم تاريخها الاقتصادى والسياسى معا».
أما قناة السويس فيكتب عنها: «فقد جاءت قناة السويس فى العصر الحديث أكبر عملية اختزال فى جغرافية الملاحة البحرية العالمية، وأعادت توجيه القارات واختزلت قارة بأكملها (افريقيا) وأعادت توقيع مصر فى قلب العالم لتكون مركز الدنيا بأسرها، وصارت شريان الملاحة البحرية العالمية بلا منازع وغدت مركز الثقل فى حركة العالم البحرية، ومنحت مصر نافذة أطلت منها على العالم».
وعن قصة الصراع بين المصرى والنيل بعد بناء السد العالى يقول حمدان: «أصبح له عقل وله ضمير، فالنهر الذى طالما تحكم فى رقابنا، قد تحكمنا أخيرا فى رقبته» كما يقول عن السد «السد العالى صنع جغرافية جديدة لمصر» وفى وصف رائع لبنائه يقول أيضا: «فالسد جراحة جغرافية من أدق وأشق الجراحات التى أجراها الانسان على وجه الأرض» وقد وصف ما قام به الانسان المصرى فى بناء السد بأنه (الجغرافيا التشكيلية، والصناعة الطبيعية) يعقد مقارنة بين خزان أسوان والسد العالى فيقول: «خزان أسوان كان (صهريج مياه) أما السد العالى (بنك مياه)، وهو قصر من أعظم قصور الماء».
ومن كلماته حول الزراعة المصرية «تاريخ الزراعة المصرية حرب دائمة ضد الملح والرمل»، ومن أهم القضايا التى اهتم بها الدكتور حمدان الحفاظ على الأراضى المصرية الخصبة من العمران حيث قال: «فليكن الشعار، الطين للزراعة والرمل للعمران».
.. و«أخيرا بررت الصحراء وجودها ونفعها ، فبعد أن كانت مجرد شرنقة للحماية، أصبحت شرنقة اقتصادية ومعدنية، وبعد أن كانت وظيفتها جغرافية، أصبحت وظيفتها جيولوجية» هذا أهم ما قاله حمدان عن الثروة المعدنية فى مصر والتى اكتشفت فيها بعض المعادن.
وحمدان الذي ولد عام 1928 اختار أن يعيش في عزلة فلم يختلط بأحد أو يستقبل زائرين في بيته الذي عاش فيه وحيدا ولم يتزوج، وترك جمال حمدان 29 كتاباً و79 بحثاً ومقالة، أشهرها كتاب (شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان)، (دراسات في العالم العربي) و(دراسة في جغرافيا المدن) و(المدينة العربية) و(بترول العرب) و(الاستعمار والتحرير في العالم العربي) و(افريقيا الجديدة) و(استراتيجية الاستعمار والتحرير) و(اليهود انثروبولوجيا) و(6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية) وهو قراءة لما بعد حرب أكتوبر 1973.
لقد اكتشفت جثة حمدان والنصف الأسفل منها محروق، واعتقد الجميع أن د. حمدان مات متأثراً بالحروق، ولكن د. يوسف الجندي مفتش الصحة بالجيزة أثبت في تقريره أن الفقيد لم يمت مختنقاً بالغاز، كما أن الحروق ليست سبباً في وفاته، لأنها لم تصل لدرجة إحداث الوفاة. واكتشف المقربون من د.حمدان اختفاء مسودات بعض الكتب التي كان بصدد الانتهاء من تأليفها، وعلى رأسها كتابه عن اليهودية والصهيونية، مع العلم أن النار التي اندلعت في الشقة لم تصل لكتب وأوراق د. حمدان، مما يعني اختفاء هذه المسودات بفعل فاعل وحتى هذه اللحظة لم يعلم أحد سبب الوفاة ولا أين اختفت مسودات الكتب التي كانت تتحدث عن اليهود. وقد فجّر رئيس المخابرات السابق أمين هويدي مفاجأة من العيار الثقيل، حول الكيفية التي مات بها جمال حمدان، وأكد هويدي أن لديه ما يثبت أن الموساد الإسرائيلي هو الذي قتل حمدان.