رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

شهوة الربح السريع تسيطر على عقول المصريين.. وخبراء يحللون الدوافع النفسية

شهوة الربح السريع
شهوة الربح السريع تسيطر على عقول المصريين

"دنيا فلوس"، مبدأ يعيش به الكثيرون وينتهجونه في حياتهم، ومن هنا يكون لديهم المبرر القوي وراء الكثير من الأفعال القانونية وغير القانونية والتي قد تخرب عليهم معيشتهم، راغبين في الكسب دون التعب، ويلهثون وراء الأموال وهم في مضاجعهم، لذا تنوعت وتعددت الوسائل التي تستقطب الأشخاص بإغرائهم في الثراء والربح السريع.

ونتيجة اضطرابات نفسية ورفض للواقع، يُسارع الكثيرين من المصريين نحو وسائل التربح بدايةً من شركات توظيف الأموال وعلى رأسها الريان التي لمعت في فترة الثمانينيات، وصولًا إلى تطبيقات "السوشيال ميديا" وعلى رأسهم "تيك توك".

وفي هذا التقرير ترصد "بوابة الوفد" أبرز وسائل خداع المصريين بالثراء، وتحليل الاستشاريين النفسيين.

- شركات توظيف الأموال

في ثمانينيات القرن الماضي بدأت شركات توظيف الأموال في عملها ككيان موازي لاقتصاد الدولة المصرية، وعملت على وضع الإغراءات أمام المصريين الذين سال لُعابهم فور معرفتهم بالربح الذي سيحصلون عليه عند توظيف أموالهم بتلك الشركات دون بذل أية مجهود، ففي بداية كل شهر يحصل من يستثمر أمواله بهذه الطريقة التي لا يشوبها متاعب على مبالغ مالية.

امتلأت صفحات الجرايد بالمانشيتات العريضة للإعلان عن الشركات وجذب أكبر عدد ممكن من جموع الشعب، فمن ضمن أهم وأكبر الشركات التي طرحت إعلانتها بالصحف "مجموعة السعد للاستثمار وتوظيف الأموال"، والتي تمت إحالة مالكها أشرف السعدي إلى الجنايات عام 1993، بتهمة سرقة 188 مليون جنيه من أموال المودعين الذين وضعوا أموالهم بها لتوظيفها واستثمارها.

واستغلالًا لطمع وتساهل المصريين ورغبتهم في الثراء السريع علا نجم شركة الريان وتلألأ في سماء الشرق الأوسط كأحد أهم وأكبر شركات توظيف الأموال بالمنطقة في فترة الثمانينيات، ونجحت في حشد أكبر عدد من المودعين لتشغيل أموالهم ومنحهم عائد شهري بنسب تراوحت ما بين 24%، و 100% شهرياً.

وفي نهاية المطاف تم القبض على أحمد الريان صاحب الشركة في آواخر الثمانينيات بتهمة توظيف الأموال حيث تمكن من سرقة مبلغ تجاوز 3 مليارات جنيه من المودعين والنصب عليهم، وقضى 21 عامًا بالسجن، إلى أن تم الإفراج عنه عام 2010.

ومع ذلك لم يتعظ المصريون من تلك النماذج المختلسة، واستمرت شركات توظيف الأموال الغير قانونية والغير مرخصة في عملها والنصب على الراغبين في الكسب السريع، ولعل أشهرهم ظاهرة المستريح التي تفجرت في عام 2015، وتمكن صاحبها أحمد مصطفى إبراهيم محمد وشهرته "المستريح" من الاستيلاء على ملياري جنيه بحُجة تشغيل أموال عملاءه فى مشروعات استثمارية ضخمة مقابل حصولهم على فوائد 12% شهريًا.

-  بم بم

 هي أحد أهم شركات الحلويات بمصر، وكانت شركة خاصة غير حكومية، واشتهرت الشركة في فترة السبعينيات والثمانينيات بإعلانات الجوائز، حيث كانت عبارة "بم بم بيقدم جوايز" عالقة بأذهان المصريين في تلك الفترة، وفي النهاية اتضح أن الجوائز هي عبارة عن جائزة واحدة لدعم الصناعة المصرية، وكعادتهم أنكب المصريين على ذلك المنتج للحصول على الجوائز بسهولة وراحة، والمشاركة في المسابقات التي تقدمها الشركة أملًا في الفوز.

- مسابقات القنوات

انتشرت المسابقات على كافة القنوات الفضائية، بطرح أسئلة ساذجة وصور لملاحظة الاختلافات بينها، مقابل مبالغ مالية باهظة لمن يتمكن من حل تلك الأسئلة أو فك اللغز، ومن خلال اتصالات هاتفية أو رسائل نصية يهرول المشاهدين ويتسارعون للحصول على الأموال وهم جالسين على الأريكة أمام التلفاز، فقد أصبحت تلك المسابقات وسيلة مشروعة لسلب أموال هؤلاء وشراء المزيد من كروت الشحن على أمل الفوز، ولكن في النهاية يكون السراب وخيبة الأمل.

- التسويق الشبكي

انتشر خلال السنوات الماضية ما يعرف بشركات التسويق الشبكي التي تعد فخ جديد ومستحدث للنصب، فهو قائم على مبدأ التسويق التواصلي حيث يستفيد من هو على قمة الهرم أو الشجرة، وإقناع الضحية بأنه يربح من خلال البيع والشراء وتكوين هرم جديد يكون هو على رأسها حتى يربح مبالغ أكبر.

ومن أهم تلك الشركات التي فاحت رائحتها في سوق النصب شركة "يوني واي" التي كانت تضم مجموعة من الشباب المُدربين على كيفية استدراج الضحايا وإقناعهم ويسمون أنفسهم "كوتش"، ويبدأون في إقناع الضحية بشراء سلعة يبلغ ثمنها عدة آلاف حتى يتمكن من جلب أصدقائه ومعارفه وتكوين شجرة خاصة به لتربح المزيد من الأموال.

واستجاب الكثيرين لتلك الشركة ومندوبيها ووقعوا في فخهم، سعيًا وراء التربح والكسب السريع وأملًا في الثراء الفاحش بدون مجهود، وكانت الخسارة السريعة هي نهايتهم.

- تيك توك

أحدث صيحات الربح بدون مجهود، يقصده الشباب ولاسيما فئة المراهقين، وهو عبارة عن تطبيق اجتماعي يسجل عليه رواده حساباتهم ويقومون بتصوير فيديوهات لأنفسهم مركب عليها مؤثرات صوتية من الأفلام والأغاني والمسلسلات والبرامج لشخصيات عامة ومشاهير، على أن يقوم صاحب الحساب بالأداء التمثيلي على تلك الأصوات واستعراض مهارتهم في تجسيد الشخصية.

وكلما انتشرت الفيديوهات ولاقت إعجاب وتفاعل يتمكن صاحبها من التربح من وراءها، وذلك من خلال وضع

الإعلانات عليها بالتنسيق مع الشركات والتسويق للسلع على تلك الفيديوهات، حيث يحصل صاحب الفيديو على مبلغ مالي مقابل ذلك.

وكعادتهم ورغبتهم المُلحة في الكسب السريع، تهافت المصريون على ذلك التطبيق وأصبح هناك منافسة كبيرة بين الرواد على من سيكون صاحب أفضل فيديو وأكثر إعلانات.

وكان للطب النفسي رأي في تلك الظاهرة الكارثية، وحال هؤلاء الأشخاص الموهومين والقاطنين على حافة الأحلام الكاذبة.

ومن جانبه، قال الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن هناك بعض الأشخاص لديهم يقين الحظ، أي أنهم أشخاص ذو حظ عالي، وبالتالي يسعون وراء الكسب السريع دون تعب اعتمادًا على حظهم، ويزداد ذلك الشعور بمشاهدة برامج المسابقات، فتنمو أحلامهم وطموحاتهم ويتسارعون على إرسال الرسائل وإجراء المداخلات الهاتفية.

وأضاف هاني في تصريحه لـ"بوابة الوفد"، أن برامج المسابقات تستغل عقليات هؤلاء لتحقيق أرباح كبيرة من وراء سذاجتهم وضيق عقولهم، حيث ينقلب حال الشخصيات الراغبة في الربح السريع إلى مرضى نفسيين وعدم تقبلهم للواقع والعيش في خيالات وأوهام أكبر من مستوى حياتهم المعيشية التي يرفضونها رفضًا قاطعًا.

وأوضح استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن تلك الأشخاص يعيشون في الأوهام منتظرين الثراء السريع، حتى يفيقون على كابوس بخسارتهم القليل الذي يمتلكونه، وهنا يدخلون في نوع من انواع العلاج، وهو العلاج بالصدمة نتيجة فقدانهم الأمل وخسارتهم، وقتها فقط يقتنعون بخطأهم، وجريهم وراء سراب.

فيما قال الدكتور علي عبد الراضي، استشاري العلاج والتأهيل النفسي، إن الإنسان المصري بطبيعته يتميز بالشخصية المُتحايلة والفهلوية، وهو ما يقابله الشخص السيكوباتي الذي يعمل على خلق الفرص الوهمية التي يستدعي بيها الاشخاص الفهلويين الراغبين في الثراء السريع، ومن هنا يسهل اقتناصهم وصيدهم، مؤكدًا أن تلك الشخصية متواجدة عبر التاريخ وتسيطر عليهم فكرة الثراء دون مجهود.

وأضاف عبد الراضي، أن هؤلاء الأشخاص في العقود القديمة كانوا يلهثون خلف العقارات والتسويق الإلكتروني وتوظيف الأموال، ولكن مع إثبات عدم جدية تلك المجالات، وأيضًا مع تطور التكنولوجيا وانتشار التطبيقات مثل التيك توك، تغير مسارهم وفكرهم ليسلكوا ذلك الطريق الجديد.

وأوضح استشاري العلاج والتأهيل النفسي، أن الفئة الأكثر استقطابًا على "السوشيال ميديا" هي الفتايات المراهقات اللاتي ليس لديهن وعي كافي بالأخلاق ولا بالقانون، وكان من المفترض في ذلك الوقت تدخل الأهل، ولكن للأسف هم أيضًا انبهروا بالمكاسب المادية السهلة.

وأشار إلى مقولة شعبية قديمة: "طالما المُغفلين موجودين يبقى النصابين بخير"، فواحدة من الأشياء التي يلعب عليها المحتالين والنصابين، هي سيكلوجية العوز في الثراء السريع، لذلك نجد إعلانا كثيرة على المواقع للترويج عن وظائف من المنزل بأرباح عالية، مما يجذب المطلعين عليها للاستفسار والوقوع في فخ النصب، ومع أول خسارة لهم يتحولون من ضحايا إلى نصابين جدد راغبين في تعويض خسارتهم بالاحتيال على ضحايا جدد، فمثلما تتطور الأمراض، تتطور أيضًا الاضطرابات النفسية والشخصية، نحن الآن نعيش عصر اضرابات الشخصية مابعد الحداثة.

ونصح عبد الراضي في نهاية حديثه، الوالدين بضرورة التعرف على أفكار أبنائهم وإقناعهم بقناعات إيجابية، والتأكيد على أن هناك أشياء مفيدة أكثر من الأموال، مُشددًا على تعليم الأبناء المبادئ والأخلاقيات والالتزام بها ومحاولة عدم انتقادهم ومصادرة أفكارهم وإبداعتهم، ولكن وضعها في المكان الصحيح.