بريد الوفد..72 ساعة
![بوابة الوفد الإلكترونية](/themes/alwafd/assets/images/no.jpg)
اثنتان وسبعون ساعة ويصدر القرار، قرار تقرره منصة الحكم بالبت فى أمر أسرتى، عقب ما تفاقمت إليه الأمور ووصلت لما فيه من أحداث، واليوم، عزيزى المحرر، هو ذكرى يوم وفاة نجلنا الأكبر عمر، البسمة الملائكية التى أهدتنا بها السماء ثم استرد صاحب الأمانة عطيته ووديعته، لا أعلم من أين تكون البداية، ولا من أين يكون مفتتح الحديث عبر رسالة أبثها إليك من خلال ذلك الواقع الافتراضى، فهل تعيرنى تلك اللوحة الصماء اهتمامها وتعبر تعبيرا فعليا عن مدى حرارة ما أستشعره؟ أما أنها ستكون محض كلمات جوفاء داخل خزينة مكدسة بكم من الرسائل لقراء آخرين مثلى دوشوا رأسك بما فى جعبتهم من ألم؟... لكنها البدايات عزيزى.
ورغم أن ما تبقى من الزمن هو اثنتان وسبعون ساعة للبت فى الأمر وإصدار حكم الانفصال ممهوراً بخاتم وشعار قاض يبت فى الأمر، غير أننى استوقفك اليوم عزيزى المحرر، حيث التقيته، التقيت أشرف، زوجى وملاذى ومعذبى وسبب ما فيه من ألم ووجع، التقيته مصادفة فتلاقت أعيننا بعد غياب طال شهور قاربت السبعة، وجدتنى أجرى مسرعة إليه، طلبت منه أن يجاورنى لزيارة من رحلوا عن دنيانا، يرافقنى لزيارة ابننا عمر، ونقرأ له الفاتحة، كنت فى ثوب لا يعبر عن حالة الحداد لكنى أشبه بتلك المذبوحة من الداخل، وصار اللقاء مصادفة عبر سير كلينا فى الطريق المؤدى لمنزل والدتى، التقت عينانا، كان ما يزال واجما، يدخن بشراهة وكأنما يعير سيجارته كل ما تبقى لديه من جلد، التقيته مندهشة من المصادفة تلك التى تجمعنا فى الشارع، كانت لعينه نظرة حميمية أشبه بتلك النظرة التى كان يحتوينى بها حين كنت طالبة جامعية، وكان يمثل لى هو الملاذ الآمن لفتاة أرهقها حلمها، كان المحفز للنجاح هو، والمراهن على موهبة لا يراها كثيرون مثله، حيث أقنعت أسرتى بالانضمام لكلية الفنون الجميلة، كنت أرى فى نفسى تلك اللوحة التشكيلية التى تود التعبير عن خطوطها وألوانها وصخبها وصمتها، وعقب تعرفى به، صار هو المؤمن الوحيد برسالتى فى الفن، يداعبنى بقوله «موناليزا سترسم موناليزا»، ولعل فضولك يدفعك عزيزى الكاتب والمحرر لتسألنى الآن عما بدر من أفعال ليكون مصير هذه العلاقة هو التبدد ثم التلاشى ثم انتظار قرار ليعبر كل منا إلى ممره الفردى، ولأننى مشوشة بعض الشيء، فدعنى أخبرك بأن بدايات انهيار الحلم تصحبها تفصيلات مصغرة، ومنمنمات أقل حجما من أن تحصى أو أن تعرف، لكن هناك بيت للقصيد نبنى عليه الطلل، دعنى أقر لك بأننى لست تلك الحمل الوديع، ودعنى أهمس فى أذنك أن موت ابنى قتل الكثير من ملامح البهجة داخل روحى، وأننى صرت بتعبير أمى مغتربة تعيش فى غربة صنعتها بنفسها ولنفسها. لكنى أيضا سأخبرك عما استشعرته منه فزاد من غربتى، حيث لم يعد ذلك الأشرف هو ملاذ الرؤية والسلام والأمن، صار هو الآخر معذبا ومغتربا، صرت أبحث عنه مفتشة عن بقاياه فى كل شيء، معطفه، رائحة ثيابه، مشهده مستسلما للنوم مثل عمر الذى ارتحل عنا، كنت أنقب عنه، لكنى لم أكن لأجده، لأجد ذلك الصاحب القديم قبل الزوج... لم أجده عزيزى المحرر، اتسعت الفجوة الروحية بيننا، وزاد من حدة الأمر أنه لم يعد ليسمعنى، ولم يعد لينصت إلىّ، صار هناك آخرين يستمع إليهم، آخرين فى محيط عائلته ومحيط دائرته الخاصة، فاتسعت الهوة وعمقت فجوة الغربة والاغتراب بين الصديقين قبل الزوجين، وبات الأمر عصيا على الحل والفهم. ثم حدثت المشكلة الأخيرة، كنت فى حال ضعف أشبه بقطة واهنة، وفوجئت بأنى ألوذ بالزوج لكنه لم يستمع لى واستمع لهم، ولا داعى لأن أقول لك من هم الذين استمع إليهم، قررت لحظتها الرحيل، دون ضجيج، الرحيل مستأنسة بذكرى حملها رحمى من نبتته فقط... الحق، عزيزى المحرر، أننى أصارحك بسر ربما لم أفضه لأحد، أننى لم أعرف لروحى شارة أو علامة تميزها إلا بوجود هذا الرجل، سبعة أشهر أو يزيد فى غربتى وابتعادى عن الصاحب والزوج فما زادنى البعد إلا مرارة واغترابا ووحشة وتفردا، كان قرار الرحيل انتصارا لكرامة أنثى فقدت وليدها ووارته التراب وقبل ذلك صلت عليه باكية صلاة الجنازة، الحق أيضا أننى فى لقائى به، لم يتجدد الحنين فقط إليه، بل شعرت بالاستقواء به، وجدتنى راغبة فى عناقه دون مراعاة لمشهدى وسط أناس لا أعرفهم، وجدتنى أشد على يده قاصدين زيارة ابننا الذى واريناه التراب سويا، ويتبق من الزمن عزيزى اثنتان وسبعون ساعة ولا أعلم سبيلا لأمرى ما بين التشبث برجل حصد بصمة روحى واستحوذ عليها بداخله، أو بين انتظار القرار الحاسم ورحيل كل منا إلى ممره يسير فيه منفردا...
< عزيزتى="" صاحبة="" الرسالة="" والتى="" لم="" تكتب="">
إن حديثك ينم عن حال امرأة أصاب قلبها الحب، والحب يا عزيزتى تركيبة معقدة لا يمكن البت فى تفاصيلها ولا اختبار محتوياتها، إنما هو ذلك الشعور الذى يتملكنا فنصبح معه