رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العلماء: المال يشترى السعادة.. ولا عزاء للبخلاء

بوابة الوفد الإلكترونية

كتبت ـ نهلة النمر:

قولى يا صاحب السعادة

بس إيه هى السعادة

ولا إيه معنى السعادة

قولى قولى

أخبرنا آباؤنا أن السعادة لا يشتريها المال، وأن الجنة تفرح بالبسطاء الذين صبروا وثابروا من أجلها، لكن علماء جامعة «هارفارد»، جاءوا اليوم يقولون لنا إن أباءنا طيبون أكثر مما يجب، وأنهم أخبرونا ذلك حتى نرضى بما أتاهم، فلا ننظر لما أتى آباء غيرنا.

لم يكن الشاعر أبو السعود الإبيارى أول السائلين عن معنى السعادة، عندما ردد على لسان فنان الضحكة الأشهر اسماعيل ياسين: «قولى يا صاحب السعادة، بس إيه هى السعادة». فجميعنا سأل السؤال الذى أجابت عنه اليوم مجلة «نيوزويك» الأمريكية، من خلال فريق من الباحثين بقيادة البورفيسور «أشلى ويلانس»، أجروا استطلاعا بين 45 ألف شخص بينهم مليونيرات، من الولايات المتحدة وكندا والدانمارك وهولندا، عن عاداتهم فى الإنفاق ومدى ارتباط  تلك العادات بشعورهم بالسعادة. ووجدت الدراسة التى نشرت نتائجها فى جريدة الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة، أن أغلب من يستطيعون إنجاز ما عليهم فى الحياة من مهام هى من صميم مسئولياتهم، من خلال أشخاص آخرين بمقابل مادى، يعيشون فى سعادة. وعليه خلصت نتائج التجربة إلى أن «المال يشترى السعادة». والسؤال الآن: منْ علينا أن نصدق؟ علماء «هارفارد» أم آباؤنا الطيبون؟!

فى الواقع إننى حاولت كثيراً أن أبحث عن دراسات أخرى تعزز من وجهة نظر أبى، التى تؤكد أن السعادة لا يمكن أن تكون فى المال وحده. لكن للأسف أغلب الدراسات التي أجراها الباحثون الاجتماعيون في الآونة الأخيرة، حول العلاقة بين المال والسعادة، أثبتت أن «السعادة فى المال».

وبحسب صحيفة «ذا جارديان» البريطانية، فإن الباحثين في جامعة «زيورخ» في سويسرا، توصلوا أيضاً إلى دليل على أن المال يجلب السعادة . لكن أصدقاءنا فى زيورخ كانوا أكثر إنسانية من علماء «هارفارد»، حيث أكدوا أن ما يجعل الناس سعداء، ليس المال بصفته المطلقة، ولكن فى كيفية إنفاق هذا المال، وأجريت دراسة على 50 مشاركًا قسموا إلى مجموعتين، وطلب من كل مجموعة أن تتعهد بإنفاق مبلغ من المال. وتم توجيه المجموعة الأولى لإنفاق أموالها على الملابس والهدايا من أجل آخرين، بينما طلب من المجموعة الثانية أن تنفق المال على نفسها فقط. وتم قياس مستوى السعادة قبل وبعد هذه التعهدات، ليتبين أن الذين تعهدوا بالإنفاق بسخاء على الآخرين، عززوا من شعورهم بالسعادة أكثر من الذين أنفقوا المال على أنفسهم. وخلصت التجربة إلى أن الكرم مع الآخرين هو الذي يعزز الشعور بالسعادة، وعلى هذا؛ فالأثرياء البخلاء ليس لهم نصيب من السعادة مع العلماء السويسريين.

أعتقد أن الأثرياء فقط ، باستثناء آبائنا، هم الذين يطرقون على رؤوسنا دوماً بأن السعادة ليست فى المال. لكن الإجابة حتما سوف تكون فى صف هذا المال، إذا ما وجهنا السؤال لأي فقير في العالم عن أسباب السعادة، وسواء أكان ظنه حسناً أو خطأً، فهو لن يغيره، إلى أن يصل إلى السعادة التى يتمناها المتمثلة فى المال. وحينها فقط ربما يغير رأيه، وبعدها يجيب كثرىٍ أرهقته أمواله:« السعادة ليست فى المال».

البحث عن أسباب السعادة لم يتوقف منذ نزول آدم إلى الأرض، لذلك لم تكن هذه الدراسات هى الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، التى تبحث فى أسبابها . وعلى الرغم من أن أغلب التجارب أكدت وجود علاقة مباشرة بين المال والسعادة، إلا أن هذا لا ينفي وجود دراسات مغايرة نوعاً، ترى أنه ليس ثمة قرابة بين السعادة والمال من الدرجة الأولى، لكنها يمكن أن تكون من الدرجة الثانية أو الثالثة!!

 هذه دراسة مختلفة عن كل الدراسات الأخرى التى بحثت فى ذات الموضوع، ويأتى تميزها من طول مدتها الزمنية، ما منحها فرصة المرور بعناصر مختلفة، سواء من القائمين عليها، أو ممن خضعوا لها. حيث إنها أٌجريت على مدى 75 عاماً، لتبدأ فى عام 1938، وتنشر نتائجها فى 2012، في كتاب الدكتور «جورج فيلان»، من خلال دراسة تابعها 268 طالباً فى جامعة «هارفارد».

وكشفت هذه الدراسة المتعمقة والممتدة عن أنه يمكنك أن تكون أكثر سعادة إذا ما اخترت أن تكون سعيدًا. ووضع الباحثون بعض الأمور التى قد ترتبط بها

سعادة الأشخاص. مثل الدخل أو المهنة. لكنها أكدت أيضاً أن العلاقة بينهم لا يمكن أن تؤمن شعوراً دائماً بالسعادة لأصحابها.

أما تعزيز العلاقات والصلة مع الأشخاص المقربين، فقد كان أكثر أهمية فى هذه الدراسة من الدخل، مؤكدة أنه على الفرد أن يستثمر في علاقته مع الأشخاص المقربين لديه، سواء الزوج أو الشريك أو الوالدين أو الأخوة أو الأصدقاء. لكن الدراسة أغفلت أنه علينا أن نستثمر مع الله أولاً،  ثم أنفسنا. بعيداً عن هذه النقطة. يبدو من هذه النتيجة، أنه منذ 75 عاماً لم يكن الاستثمار مع المقربين يحتاج للمال، وإلا ما كان أورده علماء، «هارفارد» بهذه البساطة!!

 كذلك أوردت الدراسة أن ممارسة الرياضة والاعتناء بالنفس يرتبطان بالصحة الجيدة، وأن 78٪ من الأشخاص السعداء يمارسون الرياضة على الأقل ثلاث مرات في الأسبوع. مازلت أرى أن علماء «هارفارد» لم يبتعدوا بعد، بشكل فعلى عن قاعدة أن « المال يشترى السعادة» لكنهم لا يشعرون !!

لكن أعتقد أنه مازال هناك بعض أمل للذين لا يملكون سوى قلوبهم لأحبائهم، فهناك دراسات أخرى سابقة، قام بها باحثو جامعة «بيردو» الأمريكية ، أكدت أن مقابلة شريك الحياة قد تجعل الإنسان سعيدا أكثر من حصوله على زيادة مالية في الراتب الشهري «أحياناً» !!، وأن المتزوجين أكثر سعادة بوجه عام من العزاب، والأرامل، أو المطلقين، فمازال الوقوع في الحب أو الزواج من أشد العلاقات وأكثرها جمالاً وعمقًا.

عالم النفس «أندريا أرجايل» أيضاً لم يغفل  فى دراسته التى أجراها فى نفس السياق ، أن المال سبب للسعادة، لكنه على الأقل حجم دوره، ورأى أن المال لا يوفر للإنسان السعادة الدائمة، وأنه يمكن أن يحققها على المدى القصير فقط . وأن الإنسان عندما يصل إلى كل متطلبات حياته، يبدأ بعدها في الشعور بأن السعادة تتسرب من بين يديه، سامحة للملل بالمرور بدلاً منها؛ مدللاً على ذلك بتصنيف عام 2015 للدول الأكثر سعادة، والذى اتضح من خلاله أن أسعد 10 دول في العالم، لم تكن أمريكا أو الصين اللتين تمتلكان اقتصادا قويًا من بينها، أو حتى سويسرا التي لم تعانِ يوما من أزمات اقتصادية، بل الأكثر من هذا أن هذه الدول سجلت أكثر حالات انتحار فى العالم .

ووجهة نظر «أرجايل» هذه تقودنا إلى معنى السعادة فى المعجم اللغوى، وهو ما يعنى الفرحة أو الرضا. لهذا أنا أتصور أن هذا الشعور بالفرح  ينتابنا ونحن فى طريقنا إلى تحقيق ما نتمنى ونرغب، أكثر مما هو في الحصول عليه. ولذلك ليس ثمة شعور دائم بالسعادة؛ فهى لحظات الفرح الكبيرة التى قد تخترقنا لثوانٍ، بعدها يعود كل منا للثابت لديه، وعلى ذلك فالشعور بالرضا أهم وأبقى وأكثر ثباتاً وأمناً؛ فخلينا فى الرضا ورضا.