رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فتاة مس قلبها الهوى "3"

بوابة الوفد الإلكترونية

< فائدة:="">

النفس هى مصدر الشرور داخل ابن آدم، فمادة تكوين النفس هى النار، وكلما ألقى إليها قالت المزيد، تطلب النفس المزيد من المال المزيد من السلطة المزيد من النفوذ والمزيد من كل شيء، غير أنها يا ولدى لا تشبع ولا تقنع، فهى دائمة طالبة للمزيد والمزيد، ولما راودت امرأة العزيز نبى الله- يوسف-، جاء التعبير القرآنى ليصف أن المراودة عن نفسه «وراودته التى هى فى بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب»، فالمراودة لم تكن عن الجسد ومادته التراب، ولا عن الروح ومادتها النور من قبس الخالق، كانت المراودة عن النفس مصدر الشرور والآثام داخل ابن آدم، واعلم يا ولدى أن كيد الشيطان ضعيف، بينما كيد النفس أعتى وأبلغ عتوًا وتجبرًا على صاحبها، فترويضها بالـ«ض» كان بالتعبير النبوى الشريف هو الجهاد الأكبر فأعلم وتعلم وأدرك كلماتى بلسان قلبك لا لسان عقلك.

< عن="" أمر="" الفتاة="" التى="" مس="" قلبها="">

والتقت العينان يا ولدى، عين الفتى وعينها، وكل شيء قدره الله بقدر، ولمح الفتى فى عين فتاته التى التقاها لمرته الأولى شجنًا مس قلبه واستودع عبرة ودمعة بمستقر فؤاده، رآها تحنو على القطة وتحاول مس جسدها، فلما ارتقت العنق التقت العينان، ولا يعلم من منهما أصاب الآخر بمفعول السكنى، هو لا يذكر من هذا الموقف غير أن لحظات الزمن توقفت أمام إطلالة العين، لربما فقد نفذ بنا شعاع بصر ابن آدم إلى مستقر الروح، فلمس ذلك الحنين الإنسانى داخلها للراحلين، فنطقت لسانه بكلماته الأولى لها:

«أين والدتك»؟

ولا يعلم الفتى لما سألها هذا التسأول يا ولدى، هل استحس بتيه الفتاة ومسه حنين التوق من الفتاة للوالدة؟، أم أن كليهما قد اختمر فى دائرة زمنية أخرى عزلتهما عن ذلك الحيز الوجودى؟، وهنا أخرجت الفتاة من حقيبة مغزولة من الصوف تحملها على كتفها، دثارًا فى غزلته لتبيعه، فأهدته إليه، والتقت العين فى المرة الثانية يا ولدى، وللعيون مناجاة صامتة من نوع آخر غير الذى نعرفه ونفهمه ونسمعه، واختتمت قولها قائلة: «أطعم القطة.. فإنها مخلوق ضعيف من مخلوقات الله».

- فرد الفتى: «يقول مولانا وشيخنا أبوالعينين الدسوقى»: «من لم تأخذه الرحمة بمخلوقات الله فلا يرقى مراتب ومقامات أهل الله».

فردت الفتاة: «سيدى إبراهيم الدسوقى رضى الله عنه، كانت والدتى تحبه، وكنا نذهب ليلة المولد نطعم الفقراء اللحم والخبز.. رحم الله أمى».

< مقام="">

ولما قال الله يا ولدى، أحياء عند ربهم يرزقون، فأعلم وكما أخبرتك سلفًا أن لكل مقام مقالًا والكلام فى غير أهله عورة، وقد أرنى الله فى نومى ذلك المشهد، وما سأحكيه لك حكاية لا يصدقها عقل ولا يعقلها إلا أهلها، فتدبر ما أرويه لك، ولا تخبر به أحدًا يجهل سيرة القوم ومكانتهم.. هنا أسرع المريد للشيخ ودنا منه، قائلا: حدثنى يا شيخى إننى بكامل إنصاتى لك.

قال الشيخ المربى لتلميذه: رأيت فى نومى يا ولدى أنى أسير متنقلًا على قدمى بين أراضى الله، وإذ بى التقى جمعًا من الرجال على وجوههم الهيبة والوقار والصلاح، تشع أنوار التذلل فى عبودية الخالق من هيئتهم وأشكالهم، سألت رجلًا منهم عن هذا الجمع وسببه؟ فأجابنى بأدب جم: يا عبدالله إننا من عباد الله فى أرضه، جمعنا السيد أبوالعينين الدسوقى ليعرض قضية ما، ولطالما مررت من هنا فيبدو أن لك فى الأمر شيئًا، والتقيت بعينى يا ولدى وإذا بالسيد إبراهيم الدسوقى رضوان الله عليه يتقدم جمع الرجال، يرتدى ثيابًا معممة، أشبه بثياب الأزهر فى عصرنا الحالى، وله من الهيبة والوقار يافتاى ما لا تقدر العين على وصفه أو نعته، فشهقت من صدرى شهقة لما تشرفت عين عبيد مثلى بعين صاحب البحرين رغم الجموع التى تفصلنا، حال من الجلال والهيبة تكسو ولى الله الذى أعطاه الله كرامة سماع تسبيح السمك فى الماء، ولم أملك يا ولدى إلا أن أنكس عينى فى الأرض مهابة وتقديرًا لرجل يحمل صفة العارف بالله ووليه.

قال سيدى إبراهيم الدسوقى رضى الله عنه: «بسم الله الرحمن الرحيم» وله كل شيء «وصدق العلى العظيم فاطر السموات والأراضين، وكل شيء قدرناه تقديرًا».

الحق يا ولدى أن رجفة تملكت جسدى، وكان سيدى إبراهيم الدسوقى قد تشرفت عينى بلقاء لحاظ عينى للمرة الثالثة، لكننى هذه المرة تسمرت حواسى وتيبست أطرافى، وكأن عينه كانت تخبرنى

رسالة مفاداها أننى السبب فى جمع الرجال عقب دعوتى بأن يجمع الله الفتاة بالفتى. وهنا يا ولدى ازدادت رعدتى كون ذليل مثلى كان سببًا فى حشد الرجال.

وأكمل سيدى إبراهيم الدسوقى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها».

وأبصرت فى قلبى أن مراد الله سيقع فى ملك الله وبإذنه وأمره «فله كل شيء»، وأن الأمانة ستلقى بصدر الفتى يحملها، وبينما أنا منصرف من الجمع إذ برجل جميل لوجه يا ولدى مليح الطلة والابتسامة، له وجه شديد البياض والحمرة، ويرتدى هو الآخر ثيابًا أزهرية كالتى يرتديها مشايخ الأزهر فى بلادنا، أمسكنى الرجل من يدى فى أدب فلما صافحته وجدته يقبل يدى فإذ بى أهمُّ على يده وأقبلها أنا الآخر، وارتعد قلبى تقديرًا ومهابة وخوفًا وحبًا وتتيمًا بهذا الرجل، فقلت له: أخبرنى من أنت أيها الرجل الصالح؟

فقال الرجل الفتوة الذى يبدو من علية أهل الله: أنا عبدالرحيم النشابى، مقامى بمدينة طنتدا، شربت من بئر الشاذولية وألقيت بروحى فى كنف صاحب اللثام «سيدى أحمد البدوى» فآوانى وربت على روحى وأدبنى بأدب الإسلام، وأوصانى بحسن الخلق.

قلت له فى تودد «سيدى عبدالرحيم النشابى يقبل يدى، فرد الرجل بتأدب العرافين والمرتقين: «أخفض الصوت لا أود لأحد أن يسمعنا، ثم أكمل: ولكن يا أخى ألم تكن الأمانة ثقيلة لتودع الحب بقلب الفتاة فيحملها هذا الشاب؟.. وهنا يا ولدى استشعرت حزنًا قد غلف روحى، فنظرت للرجل الصالح سيدى عبدالرحيم النشابى، وقلت له: ليس لها من أحد والرحمة يا سيدى تفتضى أن يشملها فتى يرسم على وجهها الفرحة، فرد الشيخ المعمم: ما أقره الله جل جلاله قائم ولا تبديل لكلمات الله، ادع الله للفتى الشاب أن يكون أهلًا للأمانة، لكن لتعلم أن الأمانة لا تقتضى أن يسكن الهوى فؤاد الفتى.

وتكرر لقاء الفتى بالفتاة، فوجدته أنيسًا لها، وكان فتانًا يا ولدى يشعر بقرب وحنو ووصل من نوع مختلف، كأنما كان يشعر أن فتاته هى طفلة قد مسه منها تعلقه بها وتعلقها به، صار محبًا لفعل البهجة التى يدخلها عليها، فكانت تورق روحه حين يراها مبتهجة سعيدة، كأنما أحس ببهجة عالم مكتمل حين يستشعر رسم البهجة والألفة على روح أصابها الحزن والجوى والألم قبل أن يمس قلبها الهوى.. غير أنك عليك أن تتذكر فائدتى لك أن النفس هى مصدر الشرور داخل ابن آدم.

هنا وثب المريد وعانق شيخه، كأنما كان يريد أن ينزوى عن العالم بداخل صدره، وقال المريد: أكمل يا شيخى، وماذا حدث للفتاة التى مس قلبها الهوى؟ ولماذا ذكرتنى بالنفس وطباعها؟.. كان صوت الفجر يبشر برحمة كونية قد عمت البرية والسماء، فسرت فى الأرض ريح طيبة، تسربت بردًا فى روح الفتى، فسحب الشيخ عصاه تاركًا الفتى وقد غلبه النعاس كطفل لم يكمل السبع، مسح على رأسه، ومضى مخترقًا جوف الغسق بخطواته.