رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نور الشريف «القوة الناعمة» التى غزت إسرائيل.. و«بيريز» من متابعيه!

الفنان نور الشريف
الفنان نور الشريف

كتبت: حنان أبوالضياء

 

تل أبيب سرقت نيجاتيف نور الشريف من المعمل فى روما ودمرته!

 

فى ستينيات القرن الماضى، خشى «موشى ديان» من قوة مصر الناعمة المتمثلة فى مسرحها القادر على شحذ همم الجماهير وتشكيل وعيهم؛ وإلى جانب هذا المسرح كان الفن المصرى الذى يغزو عقر دار العدو الصهيونى كقوة ناعمة أخرى تتعدى ذلك إلى كونها قوة ذكية وهذا ما فعلته السينما المصرية التى يحرص التليفزيون الإسرائيلى على سرقتها وعرضها ظهر يوم الجمعة ومن أبطالها نور الشريف التى رحلت ذكرى رحيله الثالثة منذ أيام قليلة؛ فكما قالت صفحة «إسرائيل بالعربية»، فى تغريدة لها على «تويتر» إن الإسرائيليين يتذكرون نور الشريف، كواحد من نجوم الأفلام المصرية المترجمة للعبرية، والتى كانوا يتابعونها فى السابق بعد ظهيرة يوم الجمعة، بل إن شيمون بيريز، لم يكن يفوت فرصة لمتابعة الأفلام المصرية، لأنها كانت تشكل «أول جسر للتعرف على ثقافة الجوار قبل السلام». لذلك لم يكن غريباً أن نور الشريف كان ضد إجراء أى تفاوض مع الحكومة الإسرائيلية من أجل الحصول على حقوق الفيلم المصرى فى إسرائيل؛ مفضلًا قيام الإسرائيليين بسرقة الفيلم المصرى عن طريق دولة عربية أخرى لا يراعى بعض موزعيها مصالح الفنانين المصريين. وفى الحقيقة أن تلك السرقة كانت بمثابة الغزو الحضارى لعقولهم، فكم يساوى مشهد للنجم الكبير الراحل نور الشريف من فيلمه «خيط أبيض خيط أسود»، إنتاج عام 1995، وبطولة صفية العمرى وأمينة رزق، مع دانييلا سيلفيريو من إيطاليا، وبن كورنيست من أمريكا؛ وإخراج بوغالب البوريكى، ويظهر فيه نور الشريف وهو فى أحد السجون الإسرائيلية. قصة الفيلم تدور حول محامية أمريكية يهودية، كانت تعتقد أن إسرائيل دولة مثالية، لكنها أمام ما رأته فى تل أبيب من اضطهاد للعرب الفلسطينيين الذين هم أبناء البلاد الحقيقيون، تتغير نظرتها وتتعاطف مع الشعب الفلسطينى، ومع الأبرياء الذين يعانون العذاب والتعذيب فى سجون إسرائيل؛ الفيلم أنتج فى عهد رئيس الوزراء إسحاق رابين، وبين فترتى رئيسى إسرائيل حاييم هرتصوج وعيزر فايتسمان وتناول الفيلم قصة فتاة أمريكية ذهبت للعمل فى جيش الدفاع الإسرائيلى تحت تأثير الدعاية الصهيونية فى أمريكا؛ وبعد التحاقها بالجيش الإسرائيلى تعرف حقيقة عنصرية هذا الجيش؛ فتطرد؛ لتعود إلى مزاولة عملها كمحامية؛ متفرغة للدفاع عن الفلسطينيين ومهاجمة إسرائيل؛ وخاصة بعد أن شاهدت شخصاً يهودياً «عمو إسحاق» سبق اعتقاله وتعذيبه فى العهد النازى فى شبابه، واقف يتطلع من إحدى النوافذ يرقب مشهدًا مروعًا أمامه وفجأة يصرخ ويسقط على الأرض لنعود «فلاش باك» حيث عمو إسحاق شابًا صغيرًا فى معتقلات النازية؛ وما المشهد الذى شاهده من النافذة سوى عملية تعذيب إسرائيلية لشاب عربى مشابهة لما حدث له مع النازية؛ فتتبنى قضية الفتى الفلسطينى «عيسى» الذى لعب دوره نور الشريف؛ وللأسف أن الفيلم مختفٍ وأعتقد أنه حان الوقت للبحث عنه وخاصة أن هناك من يؤكد أن نيجاتيف الفيلم سُرِق من المعمل فى روما وتم تدميره.

ولا أحد يستطيع إنكار الدور الذى لعبه فيلم «ناجى العلى» ضد إسرائيل؛ حيث لعب «نور الشريف» شخصية المناضل الفلسطينى رسام الكاريكاتير «ناجى العلى» و«عاطف الطيب» مخرج العمل؛ وكان كرصاصة قوية أطلقتها القوة الناعمة السينمائية للصراع العربى لمواصلة النضال من أجل تحقيقه؛ وامتزجت رسوم وكلمات ناجى مع تجسيد نور الشريف العبقرى له؛ صامدة أمام رصاصات الغدر من عملاء الموساد التى اغتالت «ناجى العلى» فى لندن؛ لتظل شخصية (حنظلة) تعبيراً عن وميض الأمل وصرخة الحرية. والحمد لله لم تسحب الجنسية من (نور الشريف) حينذاك وإلا كانت انتصارًا للصهيونية بيد العرب؛ بعد وقوف القوى الوطنية والقومية والمثقفين المصريين مع نور الشريف فى حربه. لذلك كتب «نور الشريف» تحت عنوان ناجى العلى.. فيلم للوطن والحرية قائلاً: هل لأنه ناجى العلى أم لأننى نور الشريف... أكتب هذه السطور؟ لا أدرى إن كنت أعتقد أنه لا فرق وناجى العلى لم يكن مجرد فيلم جاد فى مسيرتى كان دليلى الذى قادنى إلى مرحلة النضوج فى زمن التردى السائد فى معظم النتاج الفنى سواء على المستوى السينمائى أو المسرحى أو الموسيقى أو حتى التليفزيونى؛ كان هو البديل المطلوب للأفلام المبتذلة أو أفلام المقاولات التى تتعمد الابتعاد عن صلب الهموم الكبرى والموضوعات الجوهرية, وتعمل على طمس المشكلات الإنسانية والقومية والوطنية من خلال طرحها لموضوعات سطحية تخاطب الغرائز وليس العقول والقلوب»؛ إنه ناجى العلى رسام الكاريكاتير الفلسطينى الذى عاش عمره كله محاربًا ومعتركًا بريشته ضد الاحتلال والاستسلام والتفكك العربى؛ (ناجى العلى) كان يعشق مصر لأبعد الحدود وهذا ما توضحه رسوماته؛ ولكنه هاجم السادات عند زيارته للقدس؛ وهاجم اتفاقية كامب ديفيد؛ ناجى العلى لم (يشتم) مصر ولكنه عبر عن رأيه فى رفضه لـ«كامب ديفيد». ومن المعروف أن ياسر عرفات معروف بكرهه ناجى العلى، لذلك وجه الرئيس السابق محمد حسنى مبارك تكليفًا لأسامة الباز أمام

ياسر عرفات بأن يشاهد الفيلم ويبدى فيه رأياً، هل يخدم الفيلم إسرائيل ويهاجم عرفات وهل هناك هجوم منه على مصر أم لا، ولما نفذ أسامة الباز ما تم تكليفه به قال: «إن الفيلم ليس به شىء». وربما هذا ما يفسر قيام نور الشريف بعد تلك الأزمة ببطولة مسلسل الثعلب، وأدى شخصية الضابط المصرى رفعت جبريل، وهذا المسلسل إنتاج التليفزيون المصرى، كموقف غير معلن من الدولة مؤيد لنور الشريف. ورفعت جبريل الذى مثله نور الشريف باسم «شوكت فهمى»، عن حياة رفعت جبريل ضابط مصرى حمل رتبة فريق أول.

ومن المواقف الهامة فى حياة نور الشريف أنه يرفض الخلط بين الإسرائيليين و«عرب 48» الذين «يعيشون داخل إسرائيل ويحملون الجنسية الإسرائيلية رغمًا عنهم».. والجدير بالذكر أن بعد رحيل الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، حلم الفنان نور الشريف أن يقدم النصف الأخير من حياة عرفات، فى فيلم روائى طويل، وبالفعل بدأ فى جمع الوثائق والمعلومات عنه؛ وخاصة أن نور الشريف كان يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية غيرت رأيها وحولت الرئيس الفلسطينى الراحل، ياسر عرفات، من «إرهابى فى نظرها إلى بطل»، بل ومنحته جائزة نوبل للسلام، لمجرد اعترافه باتفاقية كامب ديفيد.

وهناك أعمال بالتأكيد بمثابة القوة الناعمة العربية ومنها المصير فيلم للمخرج يوسف شاهين من إنتاج عام 1997. والذى دارت أحداثه فى الأندلس فى القرن الثانى عشر حول الفيلسوف ابن رشد الذى كان قاضى قضاة قرطبة. ويصور الصراع الذى دار بين التوجه الفكرى المتمثل بابن رشد الذى ينادى بالاجتهاد وبين التوجه الفكرى المتمثل بالشيخ رياض، الذى يدعو إلى التمثل بالسلف. ينتهى هذا الصراع بإحراق كتب ابن رشد. ويؤكد الفيلم أن الأفكار لا يمكن ردعها أو محاربتها مثل الجيوش وذلك لأن للفكر أجنحة (كما ذكر على لسان أبطال الفيلم). ويتضح ذلك فى نهاية الفيلم وهى أنه بالرغم من حرق كتب ابن رشد فى الأندلس إلا أن نسخًا منها حفظت فى مصر. وهناك فيلم آخر لم يره الجمهور المصرى لنور الشريف؛ الظاهر بيبرس فيلم مصرى يعود لسنة 1991، من إنتاج السينما السورية إخراج بولات منصوروف ووديع يوسف؛ مستوحى من الرواية الشعبية المعروفة السيرة الظاهرية التى تدور فى القرن الثالث حيث المغول يحتلون آسيا الوسطى والشرق الأدنى. يظهر السلطان بيبرس فى مصر ويواجه التتار والمغول بكل قوة ويقضى على جيوشهم ويحرر العديد من البلاد العربية وعندما يستقر به الحكم فى مصر يلتفت إلى البناء والتعمير والحضارة. ولا يستطيع أحد أنكار أهمية فيلم بئر الخيانة من وحى ملفات المخابرات المصرية والدور الذى يلعبه فى التأكيد على تفوق المخابرات المصرية على الموساد. وسيظل فيلمه «أبناء الصمت» راصدًا أثر إغراق المصريين المدمرة إيلات الإسرائيلية، وفى الوقت نفسه جُن جنون العدو فضرب مدينة الزيتية بالسويس، لتبلغ حرب الاستنزاف ذروتها مع العدو الصهيونى، والجنود على حافة القناة، يهبطون خلف خطوط العدو فى سيناء، لتكون ملحمة من ملاحم النضال فى تاريخ الشعوب المكافحة، تستمر هذه العمليات مع هؤلاء الجنود الفدائيين إلى يوم العبور فى 6 أكتوبر 1973 وتحطيم خط بارليف.

وفى الحقيقة أن معظم أعمال نور الشريف التى تؤرخ للإنسان المصرى هى قوى ذكية تخترق وجدان من يشاهدها وتأثر فيه.