رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسرة القارئ الشيخ حمدى الزامل تروى أسرارًا من رحلته مع القرآن

الشيخ الراحل حمدى
الشيخ الراحل حمدى محمود

ملك الانتقال النغمى الوحيد الذى اعتمدت تسجيلاته بعد وفاته

 

9 تلاوات نادرة بقصر عابدين و800 ساعة صوتية نادرة من تراثه

 

دعا عمالقة التلاوة فى منزله بقرية محلة دمنة لتدشين نقابة للقراء

 

ابنته ميرفت: «عبدالناصر» يثنى على والدى.. و«أم كلثوم» أهدته قلادة ذهبية

 

نهلة الزامل: ابن المنصورة أحب الفقراء فعشقوه.. والأهالى يكتفون بإذاعة تسجيلاته فى العزاءات

 

عمدة طماى الزهايرة أصر على قراءته فى عزاء أم كلثوم.. و«عبدالوهاب» يغضب

 

منحه الله عز وجل صوتًا اخترق آذان المستعمين بعذوبة واقتدار لم تخطئه العين وهو يرتل كتاب الله عز وجل، صوته شبهه القارئ الشيخ فتحى المليجى بقرص من العسل لحلاوته، كما لقب بـ«ملك الانتقال النغمى» لتنقله فى المقامات القرآنية، بدأ مقلدًا للشيخ مصطفى إسماعيل، وظل يفاخر بانتمائه لمدرسة ذلك العبقرى الكبير طوال حياته، وفى قرية منية محلة دمنة التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية كانت البداية والنشأة، وبعد أن أتم حفظ القرآن وبدأت موهبته تخطو خطواتها الأولى فى المعهد الدينى الأزهرى بالزقازيق، كل من سمع صوته يشعر كأنه انتقل إلى عالم آخر غير هذا العالم الذى نحيا فيه، فصوته ترك بصمة خاصة فى قلوب مستمعيه استطاع أن يمزج بين علم القراءات وأحكام التلاوة والانتقال النغمى، ومن قراءاته تفيض العيون بالدموع خشية لله وإجلالاً لآياته، ولذلك فهو يعد صاحب مدرسة فريدة متميزة تركت أثرًا فى قلوب ملايين المستمعين، وقد ترك ثروة كبيرة من التلاوات الخالدة، وقد امتاز إلى جانب ورعه بإنسانيته الطاغية، إلى أن حانت اللحظة الأخيرة ليغادر الدنيا الفانية بعد صراع من المرض ليسكت الصوت الحانى للأبد لكن بين نقطة البداية ونقطة النهاية رحلة طويلة تروديها أسرته لـ«الوفد» فى هذا التحقيق عن ملك الانتقال النغمى وفراشة المقامات الشيخ الراحل حمدى محمود الزامل أشهر مقرئى القرآن من الرعيل الأول.

 

 

موهبة الوالد

فى البداية يقول رضا حمدى محمود الزامل نجل القارئ الراحل وهو الابن قبل الأخير، حفظ والدى رحمة الله- القرآن قبل أن تتعدى سنه «10» سنوات على يد خاله الشيخ مصطفى إبراهيم، وبعد ذلك جوده على يد الشيخ عوف بحبح وهو شيخ الكتاب فى القرية الشهير بعوف الأزهرى، وحفظه القراءات السبع، حتى صعد التخت وعمره 14 سنة، وظهرت عليه علامات النبوغ كقارئ كبير منذ صباه، ودرس فى الأزهر بمعهد الزقازيق وحصل على مرحلة التعليم الأساسى والثانوى وبعدها اتجه لقراءة القرآن مجودًا فى المآتم والحفلات الكبيرة، وانتشر بسرعة البرق فى محافظات الدلتا ثم مصر كلها، وقد كان رحمه الله يحب الشيخ مصطفى إسماعيل وينتمى إلى مدرسته والشيخ محمد سلامة أحد مؤسسى دولة التلاوة.

 

 

ويصف نجل القارئ الكبير الراحل والده بأنه كان قريبًا من المشاهير خاصة كوكب الشرق أم كلثوم وابن عمها حسن السيد الذى دعا الشيخ حمدى الزامل فى ذكرى الأربعين لأم كلثوم فى القاهرة، وبالطبع كان موجودًا وقتها لفيف من القيادات والممثلين والقراء وعلى رأسهم الشيخ مصطفى إسماعيل والموسيقار محمد عبدالوهاب وقتها، وسمع الشيخ حمدى الزامل وانبهر به والمشايخ أيضاً انبهروا به، وكان هذا السبب الرئيسى فى دخول الشيخ «الزامل» إلى الإذاعة، وبعد ذلك قال للشيخ مصطفى إسماعيل والموسيقار محمد عبدالوهاب هذه قامة كبرى كيف لم يلتحق بالإذاعة وأخذ الشيخ مصطفى أوراقه وقدم له فى الإذاعة على اعتبار أنه من تلاميذه، ويضيف نجل الشيخ الراحل: إن الرئيس عبدالناصر أثنى على صوته وأدائه عندما كان يقرأ أمامه فى الاحتفالات الرسمية.

 

هدية أم كلثوم للزامل

تتدخل فى الحديث الحاجة ميرفت الزامل، نجلة القارئ الراحل «بكالوريوس تجارة» قائلة: زار والدى - رحمه الله - الست أم كلثوم فى فيلتها قبل وفاتها بعام وقالت له «اقرأ عشر يا شيخ» فقرأ وصفق له كل الموجودين بالفيلا وقتها إعجابًا بصوته فسألته لماذا لم يلتحق بالإذاعة، فصوته خامة جيدة، ومن المفترض أن يلتحق بالإذاعة حتى يستمتع عشاق التلاوة بصوته العذب، وأهدته وقتها سلسلة من الذهب لأختى الحاجة نهلة وكان عمرها «3» سنوات أحضرها له الدكتور محمد الدسوقى نجل شقيقة كوكب الشرق أم كلثوم وما زالت أختى تحتفظ بها ولم تفرط فيها إلى الآن.

ويستكمل رضا الزامل حديثه: كان والدى، رحمه الله، يحب الحفلات الخارجية خاصة مسجد الإمام الحسين رضى الله عنه، وهناك تسجيلات لصلاة الفجر به كلها رائعة، وحفلات قصر عابدين، وله تسع تلاوات وموجودة حتى الآن، لكن والدى لم يسجل المصحف المرتل - للأسف - فقد قرأ 90٪ من القرآن الكريم مجودًا.

 

نقابة القراء

وتلتقط الحاجة ميرفت الزامل طرف الحديث لتحكى عن والدها أنه كان صديقًا لكل القراء من الكبار، فكان الشيخ محمود على البنا صديقًا له من الدرجة الأولى والمبتهل الكبير نصر الدين طوبار والشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ محمد عمران المبتهل الكبير وكانت تجمعهم ليال كثيرة، وكذلك الشيخ محمد عبدالعزيز حصان، وقد تأثر بوالدى كل من الشيخ محمد عبدالوهاب الطنطاوى والشيخ محمد السيد ضيف والشيخ محمد حامد السلكاوى ونهلوا منه وتأثروا به، وأتذكر وأنا طفلة صغيرة أن والدى دعا كل قراء الإذاعة والتليفزيون بالاجماع فى منزلنا بقرية محلة دمنة ومنهم الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والطبلاوى، وأبوالعينين شعيشع، محمد عبدالعزيز حصان، إبراهيم الشعشاعى ونصر الدين طوبار بسبب أنهم كانوا يريدون تدشين نقابة للقراء وانتخبوا وقتها الشيخ عبدالباسط عبدالصمد ليكون نقيبًا لهم، لكن بعدها بشهور توفى والدى وبعدها بأربع سنوات أنشئت النقابة وتولى الشيخ عبدالباسط رئاستها.

وعن حبه للموسيقى تقول الحاجة ميرفت: كان يستمع لأغانى أم كلثوم وفايزة أحمد ويأخذ النغم ويستمع للمقامات الموسيقية.

وأذكر أن الدكتور محمود أمان حكى لنا موقفًا شاهده بعينه فى ذكرى أربعين أم كلثوم وهو أن الموسيقار محمد عبدالوهاب اعترض أن يقرأ الشيخ الزامل على اعتبار أنه ليس فى الإذاعة والتليفزيون، فأصر العمدة حسن السيد على أن يقرأ الشيخ «الزامل» قائلاً لعبدالوهاب: المأتم مأتمنا فغضب «عبدالوهاب» وخرج بعيدًا عنهم، وعندما قرأ «الزامل» انبهر «عبدالوهاب» به ودخل إلى جواره وقال له: «أين تعلمت الموسيقى يا شيخ حمدى» فرد والدى قائلاً له: «موهبة من عند الله» وقال للعمدة: عندك حق أن تصمم على أن يقرأ ولا بد أن يدخل الإذاعة، وبالفعل دخل الإذاعة عام 1976، وأعتقد أن مدرسة الشيخ الزامل فريدة من نوعها ولا يوجد مثله، لكننى أرى أن القارئ الشاب ياسر الشرقاوى قد جمع بين أداء كل قراء الإذاعة القدامى الكبار ولا يوجد مثله ويعتبر امتدادًا لمدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل الذى بدأت صلته به عندما كان يقرأ فى قرية شها بالمنصورة وكان الشيخ مصطفى إسماعيل فى طريقه للمنزل ليقرأ هناك نسمع صوت «الزامل» فأوقف سائقه ليستمع له وأعجب بصوته وأدائه.

 

تراث الشيخ الزامل

وعن تراث الشيخ «الزامل» يضيف نجله قائلاً: أول ما سمعت لوالدى كنت فى الصف الثالث الابتدائى وكنت أحب سماع قصار السور مثل «القارعة والطارق والأعلى» لأنه يبدع فيها بشكل كبير، وكان تراثه وقتها عبارة عن «280» ساعة، والآن لدينا «800» ساعة وما زالت هناك تسجيلات تظهر لدى بعض أصدقائه، وأوجه الشكر للمذيع أحمد همام وإبراهيم مجاهد ومحمد عويضة والدكتورة هاجر سعد الدين وحسن مدنى وحسن سليمان والسيد صالح وكل شبكة إذاعة القرآن الكريم الذين يحرصون على إذاعة تسجيلات الشيخ «الزامل».

وتتدخل الحاجة ميرفت مرة أخرى قائلة: والدى القارئ الوحيد الذى اُعتمدت له قراءات فى الإذاعة وهو ميت، فقد شكلت لجنة برئاسة الشيخ أحمد عيسى المعصراوى وكبار القراء وأحضروا تسجيلات والدى واعتمدوها، فوالدى توفى قبل أن يسجل، وهذا حدث كبير جدًا.

تلقائية وتسامح

الحاجة نهلة الزامل الابنة الكبرى لفضيلة الشيخ الزامل وهى خريجة كلية العلوم وتعمل مدرسة بالأزهر الشريف تقول: والدى كان تلقائياً إلى درجة أنه لا يكن عداءً لأحد أبداً، ومن صفاته التسامح والتواضع، وصلة الرحم، فكان يجالس الفقراء جداً ويستقصى عن أحوالهم، بل سخر كل وقته لخدمتهم، فالشهرة خدمت والدى حتى أنه استطاع أن يخدم الأهالى من خلال شهرته ويعمل على تسهيل الخدمات لهم، وفى كل بلد ستجد له قصة مع أحد.

وتستكمل حديثها: كان والدى عندما يأتى من السهرة أو الليلة التى كان يُحييها، لا بد أن يمر على عمته التى قامت بتربيته وأخته قبل أن يدخل بيته ويقضى احتياجاتهما، وكان أقرباؤه يحبونه جداً بسبب خفة ظله وطيبته ووقاره، أما تعامله داخل البيت فلم يكن يغضب أحد منا نهائياً وكان حنوناً على أولاده وقد ورثنا هذه الصفات منه.

وكان والدى يحب أن يصطحب الناس معه فى السهرة ويأخذ بآرائهم فى قراءته ولم يكن متسلطاً فى الرأى وأذكر موقف حدث بعد عام 1973، فقد كان الرئيس السادات يذهب إلى بورسعيد دائماً وكان والدى والشيخ نصر الدين طوبار يحييان الحفلات هناك، وذات مرة قال لى عم الشيخ نصر الدين طوبار: «كنا ننزل وكان يستقبلنا رئيس الثروة السمكية وكان يخصص شقة لوالدى والشيخ نصر الدين طوبار» وكان والدى يصطحبنا إلى أى مكان معه، وكان والدى يحب أساتذته وزملاءه، ويلتمس غيرة القراء «المنافسة الشريفة» وكان ذكاؤه كبيراً ويمتص غيرة أى شخص منه وكان يحب الشيخ الحصرى ويقول عنه «يرتل القرآن كما يرضى الله» وكان يحب أبوالعينين شعيشع، ويعتبر مصطفى إسماعيل أستاذه ويحبه إلى حد «عشق الجنون» لدرجة أنه كان يتمنى أن يعيش معه، ولن أنسى حضور كبار القراء من المشايخ مثل راغب غلوش وكامل البهتيمى والشيخ البجيرمى فى مأتم جدى لوالدى للقراءة فيه حباً لوالدي.

< عمدة="" طماى="">

وتستكمل الحاجة نهلة الزامل قائلة: الحاج حسن السيد، يرحمه الله، عمدة قرية طماى الزهايرة مسقط رأس كوكب الشرق السيدة أم كلثوم دعا والدى وقال له لماذا لا تذهب إلى أم كلثوم وكان والدى وكان والدى رحمه الله سميعاً لها، فقد كانت تجيد فن تلاوة القرآن وتربت عليه، وعندما زارها فى فيللتها سألته لماذا لم تتقدم للإذاعة؟ فقد كان زاهداً فى الإذاعة ويرى أنه إذا خرج من قريته فلن يحالفه الحظ، وكان يرفض الاذاعة لأنه كان مرتبطا بأهله وناسه وسميعته وكان يمتلك صوتاً وموهبة فى أن يجعل الناس تصغى فى المآتم والاحتفالات، لذلك رفض الالتحاق بالإذاعة فى أعوام 74 و75 و76، حتى التحق بها تحت ضغط وإلحاح من الناس يقاطعها شقيقها رضا الزامل قائلاً: بصراحة لو لم يدخل الشيخ حمدى الإذاعة كانت مصيبة فكيف لقارئ بهذا المستوى الكبير ولا يلتحق بها.

وتضيف الحاجة نهلة: بدأت اذاعة القرآن الكريم فى السعودية تذيع تسجيلات مرتلة لشيوخ مصريين فى التسعينيات، وكانوا يذيعون تلاوات لكل من الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والمنشاوى ومحمود على البنا، ولم نكن نرى المصحف المجود فهذه الدول لم تكن تعرف معنى القرآن وبدأت عام 1990 تنطلق قنوات فضائية فى التليفزيون مثل إذاعة «MC» وكانوا يأخذون القراءات من إذاعتنا، وبدأت قناة البحرين تعرض لوالدى تسجيلات وكذلك إذاعتا إيران والسعودية، وانطلقت أصوات مشايخنا للعالم العربى والخارجي.

وعندما سألتها: هل والدك كان مرتبطا بالأرض الزراعية على اعتبار أنه كان يعيش فى القرية، أجابتنى قائلة: لم يعرف الفلاحة، لكنه كان يمتلك أرضاً زراعية ومرتبطاً بها، ويخرج فى السادسة صباحاً ليمر عليها فيما نطلق عليه لدينا بـ«سارح الغيط» حتى أشقاؤه كانوا موظفين فأحدهم كان يعمل مدير مدرسة ابتدائى والآخر صراف فى الضرائب والثالث كان يعمل فى البحرية وعمى الآخر عميد فى إحدى الكليات فى إكسفورد بجامعة مانشستر فى إنجلترا وقد اشتهرت عائلة الزامل بالعلم وحفظ القرآن.

ختاماً وسلاماً

قلت للحاجة نهلة: وماذا عن آخر أيام مولانا ـ رحمه الله ـ قالت: كنت فى الصف الأول الثانوى وقتها، حيث دخل والدى المستشفى لمدة شهر فى المنصور برعاية الدكتور زكى شعير بمستشفى الجامعة وهو زميل الدكتور ياسين عبدالغفار، أشهر أستاذ للكبد والذى كان يعالج والدى، حتى إنه دخل فى غيبوبة كبدية وكان يشتبه فى إصابته بجلطة فى يده بالإضافة إلى مرض السكر فى أوائل الخمسينات، إلا أنه حينما كان يسمع القراءات والأذان بصوته وهو فى غيبوبة تدمع عيناه، إلى أن تم نقله لمستشفى المقاولون العرب بعد تدهور حالته الصحية، ومكث به لمدة «13» يوماً وقد زاره كل المقرئين الشيخ البنا والشيخ عبدالباسط والشيخ الصياد وراغب مصطفى غلوش فى المستشفى، إلى أن توفى ليودعه الآلاف فى جنازة مهيبة بحضور ثلاثة محافظين ويضيف رضا الزامل: والدى رغم قصر عمره والفترة التى قضاها فى الاذاعة سجل تاريخاً كبيراً لنفسه وهو علم قرآن كبير. وتضيف الحاجة نهلة: أن الله قد حباه صوتاً حنوناً، وهناك إعجاز لم نكن ندركه وهو الإعجاز فى التسخير، فالله قد سخر من يحيى تراث الشيخ الزامل دائماً حتى بعد وفاته بأربعين سنة.

< عزاء="" عائلة="" عتمان="">

وتحكى الحاجة نهلة الزامل موقفاً مؤثراً، حيث قالت: ذهبت إلى حضور عزاء الدكتور عبدالكريم عثمان وهو إخصائى أسنان وكان يقام فى قاعة مسجد النصر وكانت معى جدتى حتى التقيت السيدة ابتسام عتمان ابنة عم الطبيب الراحل، فقالت لى نصاً: «لك عندى هدية، لكنى لن أعطيها لك» حتى فوجئت بأنها عبارة عن تسجيل حفلة قرآنية بصوت والدى برفقة الشيخ مصطفى إسماعيل فى عزاء بالمنصورة لأحد أقربائهم فى أوائل عام 1977 فطلبت منها هذا التسجيل لكنها رفضت وطلبت منى إحضار آلة التسجيل لأسجلها فى بيتها وبالفعل اتصلت بشقيقى وحضر فى الحال وحصلنا على حفلة نادرة تجمع بين الشيخ حمدى الزامل وأستاذه الشيخ مصطفى إسماعيل وهى من النوادر، وما زلنا نبحث عن تراث الوالد عند كل من نعرفه، ويكفى حب أهل بلدته له الذين يرفضون دخول أى مقرئ للقرية للتلاوة فيها فى أى عزاءات ويكتفون باذاعة تسجيلات الشيخ حمدى الزامل عبر مكبرات الصوت، حباً وتقديراً له.

فراشة المقامات

المهندس هشام حفيد الشيخ الزامل وهو «مهندس معمارى» فيقول: بدأ عشقى لجدى بعد أن عدت من السعودية وكنت أسمع من كل من أعرفهم عنه، فلم أعاصره فى حياتى، حتى أثار شغفى أن أستمع للقرآن بصوته، خاصة أن والدى يرحمه الله كان متيماً بسماع صوت جدى حتى فى السيارة، وبدأت أتعرف على المقامات، ورأيت إعجازاً كبيراً فى صوت الشيخ الزامل، بشكل قوى جداً، وكان صيته ذائعاً ولكننى كنت حزيناً لأنه لم يأخذ حقه هذه الأيام فى الإذاعة المصرية، فجدى كانت له بصمة مميزة وسط القراء، فقد كان يعرف كيف يتنقل بين «المقامات» و«التون الموسيقى» بشكل جيد مائة فى المائة، ولذلك أعتقد أن الشيخ الزامل كان نابغة، فلديه ملكة التنوع والقراءات العشر والمقامات «العجم ـ الرصد ـ الصبا ـ البياتى» وهكذا، ولذلك لم أستمع لأى من القراء الجدد الذين جدوا على الساحة، فقد اختلط الحابل بالنابل، أما المدرسة القديمة فى عالم التلاوة فلن تعوض، ولذلك أرى أن جيل السميعة اختفى ولم يعد هناك تذوق للقراءات، فجدى كان معجزة كبيرة، ولم يتغن بالقرآن بل كان يتقن القراءة.

وتتدخل الحاجة نهلة فى ختام الحديث لتصف والدها بلفظ «فراشة المقامات» لأنه كان يتنقل من مقام إلى مقام كفراشة تتنقل بين الأغصان، وقد نشأنا على فهم ودراية المقامات ولدينا حس فنى، وتضيف: كان الشيخ يمتاز بسمة أخرى هى النصح والإرشاد والتأديب بالقرآن، فعلى سبيل المثال كان هناك تنازع بين العائلات أو أن شخصاً اغتاب آخر كان وهو يخطب الجمعة يقول: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»

فى إشارة لمن ارتكب هذا الجرم، بعيداً عن الزجر والوعيد، فكل موقف كان يحدث يلفت الأنظار عن طريق التوجيه والإرشاد بالقرآن حتى إنه استطاع أن يصلح بين عائلتين كان لدى كل منهما حالة وفاة، فجمع العائلتين فى عزاء واحد حتى تصالحتا معاً.

وختاماً رحل الجسد وبقى الأثر، رحم الله الشيخ حمدى الزامل أحد عباقرة التلاوة وملك الانتقال النغمى فى عصر عمالقة التلاوة.