عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«أكل العيش» لا يعرف «كورونا»

بوابة الوفد الإلكترونية

غسل اليدين بالمية والصابون خط دفاعهم الأول والأخير:

 

الكمامة رفاهية بالنسبة لعمال النظافة والباعة الجائلين.. وشعارهم: ربنا هو الحارس

 

قرابة 17 ساعة يقضونها يومياً فى الشارع، يواجهون فيها أهوال الحياة بنفوس راضية، قلوب معمورة بالطمأنينة، استطاعوا أن يروضوا متاعب الدنيا من أجل توفير احتياجاتهم، وبالرغم من المخاطر التى تحاصرهم إلا إنهم لا يبالون ويسيرون فى طريقهم.

فرغم تفشى فيروس كورونا فى مرحلته الثانية، وفى الوقت الذى تواصل فيه الحكومة تحذيراتها من خطورة الموجة الثانية، يواصل العمال البسطاء مهامهم فى كل مكان دون توقف، تراهم فى الشوارع والميادين والأسواق، كلٌ يبحث عن لقمة عيش تسد رمقه ورمق من يعول، محاولين اتخاذ الإجراءات الاحترازية على قدر المستطاع رافعين شعار: «أكل العيش ما يعرفش كورونا»

التقت «الوفد» بعدد من هؤلاء العمال سردوا لنا قصصهم، وأشاروا إلى أنهم اعتادوا العمل والمثابرة تحت أى ظرف من أجل توفير الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم.

 

«أم مهند»: «بحافظ على نفسى علشان عيالى»

الساعة تدق الخامسة فجراً، تنهض مسرعة لإحضار وجبة الإفطار، وما إن يتناول ولداها الاثنان الطعام حتى تخرج مسرعة لمحل البقالة، التى ظلت تعمل فيه قرابة 8 سنوات منذ وفاة زوجها.

«أم مهند» ربة منزل فى العقد الثالث من عمرها، من محافظة المنصورة، ولكنها نشأت فى محافظة الجيزة، اعتادت تحمل المسؤولية منذ نعومة أظافرها، وقالت: «كنت بحوش المصروف بتاعى علشان أعرف أكفى نفسى».

وتروى صاحبة الثلاثين عاماً قصتها قائلة إنه منذ وفاة زوجها والذى كان يعمل فى سوبر ماركت شهير فى نقل وتوزيع البضائع، شعرت بمسؤولية كبيرة تجاه ابنيها الاثنين، ورفضت أن تغلق محل زوجها، وقررت استكمال مشواره، وبالفعل تابعت «أم مهند» رحلة تربية أبنائها حتى وصل الأول للمرحلة الجامعية، وقالت: «نجاح ولادى بيهوّن عليا تعب الحياة».

ما إن تقترب من محلها حتى تستقبلك بابتسامتها الصافية: «أهلاً وسهلاً أؤمر»، تحاول السيدة أن تكسب المارة لكى يكونوا زبائنها خاصة أنها تدخل فى منافسة شرسة مع محلات البقالة المجاورة لها، وعن مخاطر فيروس كورونا ردت قائلة: «ربنا الحارس بحاول أعقم إيدى أول بأول.. وأمسح المحل بالكلور».

وأشارت البائعة إلى أن الإصابة والتعرض للمرض «مقدر ومكتوب» حتى إن اتخذ الإنسان كل احتياطاته، ولهذا فهى لا تستطيع أن تغلق محلها مهما بلغت أرقام الإصابة بالفيروس اللعين.

واستكملت «أم مهند» حديثها وقالت إنها نادراً ما تجد زبوناً يأتى لها مرتدياً كمامة، وتحاول هى أن تبتعد بقدر المستطاع على أن تكون المسافة بينهما لا تقل عن المترين، وتابعت: «كل يوم بقول يا رب أنا أم لعيال ملهومش غيرى حافظ عليا علشانهم مش علشانى».

تعرضت صاحبة محل الباقة للسخرية الشديدة مع بداية فيروس كورونا حينما كانت توجه الزبائن بضرورة ارتداء الكمامة، البعض منهم يقول لها: «خايفة على عمرك ولا إيه.. هو إنتى منهم»، وغيرها من العبارات الساخرة، ومع تفشى الفيروس لاحظتهم يرتدون الكمامة فى الشوارع حتى سخرت هى منهم بعد ذلك.

 

عامل النظافة: «الناس بيساعدونى بثمن الكمامة»

وجه بشوش لا تخلو منه الابتسامة الصافية، ما إن تقترب منه حتى يشعرك بأصالته، «أؤمر يا بنى محتاج حاجة»، قالها «عبدالعال» بحثاً منه عن الرزق، لعل من أمامه يعطيه «بقشيش» يساعده بجانب راتبه الذى لا كيفيه 15 يوماً من الشهر.

عبدالعال صبرى، عامل نظافة، لا يتعدى عمره الـ35 عاماً لكن سنوات شقائه تركت آثاراً على وجهه جعلت من يراه يعطيه عمراً أكبر من عمره الحقيقى، وقال إنه رب لأسرة تتكون من 4 أفراد وزوجته، وجميع أبنائه فى مراحل تعليمية مختلفة بداية من الابتدائية وحتى الثانوية العامة.

مع بداية أزمة كورونا، حاول عامل النظافة شراء الكمامة يومياً ولكنه عجز عن ذلك لظروفه الاقتصادية، وقال إنه يعتمد على ربه فى الحفاظ على صحته من أجل أبنائه، وتابع: «علشان أشترى كمامة كل يوم عاوز ميزانية.. والناس بيساعدونى بتمنها و فيه اللى بيقدمهالى هدية».

وأشار إلى أنه مثل غيره من عمال النظافة غير قادر على اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحماية من فيروس كورونا نظراً لظروفهم المادية، بالرغم من كونهم من أكثر الفئات عرضة للإصابة بالفيروس لما يقومون به من تفريغ صناديق القمامة ويتعاملون مع عشرات المواطنين يومياً.

«سايبها للمولى.. أعمل إيه يعنى إدينى عايش زى الناس اللى عايشين» يستكمل عامل النظافة حديثه، ويقول إن أبناءه أولى بتمن شراء كمامة يومياً، أما عن احتمال إصابته بالفيروس رد قائلاً: «يا بيه فيه ناس تبقى جوه العربيات ولابسة كمامة وتتصاب بكورونا».

وأشار عامل النظافة إلى أنه شاهد كثيراً من الحالات التى أصيبت بكورونا، ويصطحبهم ذووهم للمستشفى، ولم يصب المرافق بأى أعراض، بينما شاهد آخرين يتخذون كافة احتياطاتهم، وفى النهاية يصابون بكورونا، وعلق قائلاً: «المرض والموت والحياة دى بتاعة ربنا، وهو الحارس».

وتذكر عامل النظافة موقفاً له مع غيره من عمال النظافة وقال إنه حينما ارتدى كمامة تعرض لهجوم كبير من قبل زملائه، مبررين ذلك بأنه «بيخاف على عمره» وهو يقوم يومياً بتفريغ مناجم الفيروسات، التى يقصد بها صناديق القمامة فى الشوارع، وتابع قائلاً: «هى الكمامة هتشيل عننا إيه ولا ايه.. ده لو بحافظ على نفسى زى ما الناس اللى بتحافظ يبقى من أول صندوق هتصاب بالفيروس اللعين».

 

بائعة الجرائد: «لو خفت من كورونا مش هعرف أعيش»

تستيقظ مبكراً لإحضار وجبة الإفطار لأبنائها، وتخرج مسرعة من مسكنها بأرض اللواء، قاصدة مكان «أكل العيش» بجوار مترو البحوث لتقضى قرابة 11 ساعة يومياً جالسة فى انتظار محبى صاحبة الجلالة الذين اعتادوا الذهاب إليها كل يوم لشراء الجرائد.. هذه هى الحاجة فواكه.

سيدة فى العقد الخمسين من العمر، وبالرغم مما تواجهه من أهوال، فإنها ما زالت صبورة على أمرها، تجاهد من أحل تربية فتاتين، اختارت بيع الجرائد نشاطاً لها بعد وفاة زوجها.

على مدار ثلاثين عاماً، استطاعت بائعة الجرائد أن تربى ابنتيها حتى تزوجتا.. واحدة فى البحيرة والأخرى فى الغربية، وحالياً تقيم الأم بمفردها، أيام صعبة وحياة بائسة سردتها لنا بائعة الجرائد لنا وقالت إنها لا تتنظر شكراً من بناتها إلا أنها تحتاج لقلوب رحيمة.

«لما سمعت عن كورونا فى الصين قلت إزاى فيروس زي ده ييجى مصر».. استهلت بائعة الجرائد حديثها، وقالت إنها لم تصدق خبر وصول كورونا مصر، حتى علمت بزيادة الإصابات، وقالت إنها تخشى أن تموت بمفردها داخل منزلها خاصة وإنها تعيش وحيدة بعد زواج ابنتيها.

بائعة الجرائد تزوجت منذ 40 عاماً من بائع جرائد، وجاءت من جنوب الصعيد بصحبة زوجها واستقرت فى أرض اللواء، وأنجبت

منه طفلتين، توفى زوجها وترك لها مسئولية كبيرة.

متاعب كبيرة واجهتها الحاجة فواكه، وبالرغم من ظروفها الصعبة، إلا أنها استطاعت أن تروض ظروف الحياة لتكمل رسالتها، وقالت: «الحمد لله عرفت أربيهم ومقصرتش معاهم.. بس خايفة تجيلى كورونا وأموت لوحدى فى الشقة ومحدش يحس بيا».

ثوان قليلة ودخلت السيدة فى نوبة بكاء، وعادت قائلة: «كورونا بتصيب اللى بيخاف واللى من نصيبى هاخده، أنا لو خفت مش هعرف أعيش».

تحاول بائعة الجرائد أن تجفف دموعها بعدما تذكرت مآسى حياتها وقالت: «ليه يبنى تقلب عليا المواجع»، تشير السيدة إلى أن بناتها أخذتهن مشاغل الحياة، ولم يتذكرنها فى زياراتهن إلا من أجل مصالحهن، وأنا أريد من يسألن عنى.

«يشهد الله إنى ربيتهم على الأصالة والعشرة لكن الدنيا تلاهى».. تستكمل بائعة الجرائد حديثها، مشيرة إلى أنه منذ بدء موجة كورونا لم تزرها بناتها إلا مرة واحدة فقط: «بناتى خايفين يزورونى علشان كورونا».

وتابعت: «الناس فى الشارع ساعات بيحنوا عليا بكمامة علشان مش هقدر أشتريها كل يوم»، وأضافت: «ما أقدرش أشترى كمامة كل يوم، مكسب بيع الجرايد قليل، وظروفى على قدى، لكن ولاد الحلال كتير».

وأشارت الحاجة فواكه إلى أن هناك عدداً من زبائنها ارتبطوا بها، حتى إنها لو غابت يسألون عنها، وتحكى قائلة: «من فترة تعبت، ففوجئت بناس من الزبائن بيزورونى فى البيت، وناس بتسأل عنى بالتليفون، الحمد لله ربنا عوضنى بيهم»

 

عطيات : «كورونا مش بتيجى للغلبان»

فى منطقة سعد زغلول تجدها جالسة وأمامها فرشة الخضار، ورغم تفشى فيرووس كورونا، فإنها لا تبالى، وظلت تسير فى طريقها لتوفير قوتها وقوت أبنائها.

عطيات حماد، بائعة الخضار، سيدة فى العقد الخامس من عمرها، قالت: «كورونا مش بتيجى للغلبان، وتشير إلى أن جميع البسطاء لديهم حماية ربانية، يحفظهم الله بسبب ظروفهم المادية الصعبة وعدم قدرتهم على شراء الكحول والمطهرات، وتابعت: «أكتر من غسيل إيدى بالصابون مش بعمل».

وأشارت بائعة الخضار إلى أنها أم لخمسة أبناء، جميعهم تخرجوا فى الجامعات، ومع بداية أزمة كورونا حاولوا جاهدين تحذيرها عدة مرات بشأن ارتداء الكمامة وتقول لهم: «خلّوها على الله اللى بيخاف مبيسلمش».

وتابعت: «كتير عيالى بيتخانقوا معايا علشان مش بلبس الكمامة.. طيب ألبسها إزاى وأنا نفسى بيتكتم»، وقالت بائعة الخضار إنها مثل غيرها من المواطنين اللائى من الصعب عليهن ارتداء الكمامة بشكل متواصل حتى لا يتعرضن لضيق التنفس.

تستكمل بائعة الخضراوات حديثها قائلة: إنها مع بداية أزمة كورونا كانت تشاهد بعض الزبائن يرتدون الكمامة والجميع كان ينظر لهم بعين الدهشة، ومع تفشى الفيروس فوجئت بعدد كبير من المارة يرتدونها، وبرغم ذلك فأعداد المصابين بالفيروس فى تزايد مستمر

وتابعت: «الغلبان لو قعد فى البيت هيجوع.. والخوف ده مش لينا، وفى الأول وفى الآخر ربنا هو الحامى»

 

ماسح الأحذية: أسرتى قبل نفسى

وسط عشرات من الأحذية، يجلس جمال ونيس، يواصل عمله لمدة 11 ساعة متواصلة يومياً، ورغم تفشى فيروس كورونا وزيادة الحالات، فإن «جمال» لم يتوانَ عن عمله، من أجل توفير حياة كريمة لابنه الوحيد «ونيس»، مشيراً إلى أنه يواظب على ارتداء الكمامة فى المواصلات.

«الكمامة تحمى أسرتى قبل نفسى».. يستكمل «جمال» الشاب فى العقد الثالث من عمره حديثه، قائلاً: إن ارتداء الكمامة حماية للنفس ولا بد على من يرتديها أن يكون مقتنعاً بها وليس خوفاً من تعليمات الحكومة، والغرامات المفروضة داخل المواصلات، وتابع: «مش بقدر ألبسها كتير فى محل أكل عيشى علشان نفسى بيتكتم بس بخلى بالى الناس يكونوا على بعد متر منى».

 ماسح الأحذية اعتاد على مواجهة مصاعب الحياة بوجه بشوش، فطوال حياته يسعى من أجل بناء مستقبله فى مهنة قلما يمارسها المواطنون، ثقته بنفسه تطغى على حديثه، يقف الشاب فى محله فى شموخ مرتدياً تيشرت ملطخاً ببقع سوداء إثر عمله المستديم فى المحل، فمنذ 17 عاماً والشاب يعمل فى هذه المهنة، ويقول بثقة: «مش شايف أى مشكلة فى مهنتى، بس المجتمع بيبص لنا بنظرة متخلفة».

وتابع: «أنا مش معايا غير الإعدادية، وما كملتش تعليمى، واشتغلت فى مهنة والدى الله يرحمه، وساعتها حسيت إنى راجل علشان بشتغل وبجيب فلوس وباصرف على نفسى، بس بعد ما كبرت ندمت إنى ما كملتش تعليمى، وأضاف قائلاً: كل واحد فينا لازم يحمى نفسه وأسرته، والكمامة هى خط الدفاع الأول لحماية أسرنا».