رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بالصور.. الزعيمان سعد زغلول ومصطفى النحاس.. القدوة والرمز والنموذج لذاكرة أمة

بوابة الوفد الإلكترونية

ليس أعجب من حكاية التاريخ مع الزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس. فى نفس اليوم رحلا رغم الفارق الممتد 39 عاماً، وكلاهما ارتج الناس لرحيلهما، وخلف نعشيهما سار الملايين.

فى زمن الترهُل، والرخاوة، وتشكك المصريين فى الغد، وانقسام المجتمع وتشرذم النخبة، يُصبح استذكار نضال الزعيمين أمراً ضرورياً.

ومع تمدد الإرهاب وتوحش الفساد وغياب العدالة الاجتماعية يبحث الناس عن قدوة ورمز ونموذج، باحثين عن غدٍ أفضل ووطنٍ أرحب.

والاستفادة من تاريخ سعد والنحاس فريضة غائبة عن دولة تتصور أن بداية التاريخ الحديث كان فى يوليو 1952، وتتجاهل أن زمن الأفذاذ والعباقرة أطل على مصر فى أعقاب ثورتها الخالدة سنة 1919، والتى تعد الميلاد الحقيقى لحزب الوفد ومبادئه وأفكار قادته، والتى من خلالها نهل سعد، والنحاس من بعده، مانحين الأمة المصرية كفاحاً صلباً ضد الاحتلال، والاستبداد، والفساد.

 أما سعد فولد فى قرية إبيانة التابعة لمركز فوة بمديرية الغربية سابقًا عام 1857 أو 1858. وتلقى تعليمه فى الكُتاب ثم التحق بالأزهر عام ١٨٧٣ وتعلم على يد جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده والتف مثل الكثير من زملائه حول جمال الدين الأفغانى، ثم عمل معه فى الوقائع المصرية، ثم انتقل إلى وظيفة معاون بنظارة الداخلية لكنه فصل منها لاشتراكه فى ثورة عرابى ثم اشتغل بالمحاماة لكنه قبض عليه عام ١٨٨٣ بتهمة الاشتراك فى تنظيم سرى. وبعد ثلاثة أشهر خرج من السجن ليعود إلى المحاماة ثم توظف بالنيابة وترقى حتى صار رئيسا للنيابة وحصل على رتبة الباكوية، ثم نائب قاض عام ١٨٩٢، ثم حصل على ليسانس الحقوق عام ١٨٩٧.

وصار سعد نائبًا عن دائرتين من دوائر القاهرة، ثم فاز بمنصب الوكيل المنتخب للجمعية وبعد الحرب العالمية الأولى تزعم المعارضة فى الجمعية التشريعية التى شكلت نواة «جماعة الوفد» فيما بعد وطالبت بالاستقلال وإلغاء الحماية.

وخطرت لسعد زغلول فكرة تأليف الوفد المصرى للدفاع عن القضية المصرية عام ١٩١٨ ضد الاحتلال الإنجليزى حيث دعا أصحابه إلى مسجد وصيف فى لقاءات سرية للتحدث فيما كان ينبغى عمله للبحث فى المسألة المصرية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى فى عام ١٩١٨م، وتشكل الوفد المصرى الذى ضم سعد زغلول وعبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى وآخرين وأطلقوا على أنفسهم الوفد المصرى، وجمعت التوقيعات من الأهالى شرقا وغرباً وشمالاً وجنوباً لإثبات صفتهم التمثيلية وجاء فى الصيغة: «نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول و.. فى أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعى سبيلاً فى استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل التى تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى.

واعتقل سعد زغلول ونفى إلى مالطة هو ومجموعة من رفاقه فى ٨ مارس ١٩١٩ فانفجرت ثورة ١٩١٩ التى كانت من أقوى عوامل زعامة سعد زغلول. اضطرت إنجلترا إلى عزل الحاكم البريطانى وأفرج الإنجليز عن سعد زغلول وزملائه وعادوا من المنفى إلى مصر، وسمحت إنجلترا للوفد المصرى برئاسة سعد زغلول بالسفر إلى مؤتمر الصلح فى باريس ليعرض عليه قضية استقلال مصر.

ولم يستجب أعضاء مؤتمر الصلح بباريس لمطالب الوفد المصرى وعاد المصريون إلى الثورة وازداد حماسهم، وقاطع الشعب البضائع الإنجليزية، فألقى الإنجليز القبض على سعد زغلول مرة أخرى، ونفوه مرة أخرى إلى جزيرة سيشل فى المحيط الهندى، فازدادت الثورة اشتعالاً، وحاولت إنجلترا القضاء على الثورة بالقوة، ولكنها فشلت مرة أخرى.

وعاد سعد من المنفى وقام بتأسيس حزب الوفد المصرى ودخل الانتخابات البرلمانية عام ١٩٢٣م ونجح فيها حزب الوفد باكتساح. تولى رئاسة الوزراء من عام ١٩٢٣م واستمر حتى عام ١٩٢٤م حيث تمت حادثة اغتيال السير لى ستاك قائد الجيش المصرى وحاكم السودان والتى اتخذتها سلطات الاحتلال البريطانى ذريعة للضغط على الحكومة المصرية فاستقال زغلول، وظل مثابرا ومناضلاً إلى أن رحل فى 23 اغسطس عام 1927.

أما مصطفى النحاس فقد ولد فى 15 يونيو سنة 1879 ودرس القانون ومارس السياسة عضوا فى الحزب الوطنى عندما كان قاضيا، وعندما بدأ سعد باشا زغلول فكرة تأليف الوفد لعرض قضية مصر لدى عصبة الأمم انضم «النحاس» له وسافر معه الى باريس وقبض عليه معه ونفى إلى مالطا وفصل من القضاء ثم نفى مرة أخرى إلى سيشل وعندما عاد سعد ورفاقه صار الرجل الثانى فى الوفد وشغل منصب السكرتير العام واختير وزيرا للمواصلات فى وزارة 1924 ثم وكيلاً لمجلس النواب وبعد وفاة سعد زغلول اجتمع الوفد المصرى ويختاره رئيسا له.

وخاض النحاس معارك عنيفة لمساندة الدستور وضد الطغيان، وانتقل من بلدة الى بلدة منددا بالاستبداد والقهر وسياسة الحديد والنار التى يتبعها إسماعيل صدقى، ويتعرض لمحاولة الاغتيال الشهيرة فى المنصورة عندما يفتديه سينوت حنا باشا ويتلقى عنه ضربة سونكى لأحد الجنود المأجورين.

وشكل النحاس الحكومة سبع مرات فقدم إنجازات وطنية خالدة لمصر ما زلنا نستنشق عبيرها إلى الآن، كان منها تحقيق استقلال مصر المبدئى عام 1936 من خلال المعاهدة الشهيرة مع بريطانيا والتى لولاها ما خرجت قوات الانجليز الى قناة السويس وحققت الاستقلال للجيش المصرى وما كانت ثورة يوليو. كما نجح فى الغاء الامتيازات الاجنبية ل12 دولة فى مصر وهو قرار استعاد سيادة مصر وكرامتها وحقق لها استقلالاً معنوياً. ووضع «النحاس» وحكومة الوفد شرارة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطانى بعد إلغائه معاهدة 36 عام 1951 وبدء معارك الفدائيين ضد المحتلين فى القناة وهى معارك تجاوز عددها 15 معركة وخسر فيها الإنجليز كثيرا من الضحايا. فضلا عن ذلك يحسب لحكومات الوفد تأسيس جامعة الدول العربية وتوقيع معاهدة للدفاع المشترك بين الدول العربية، وإنشاء ديوان المحاسبات «الأجهاز المركزى للمحاسبات» ومحكمة النقض والبنك المركزى واتحاد العمال. فضلا عن إصدار عشرات التشريعات المنظمة للحقوق فى مصر مثل قانون العمال، مجانية التعليم الابتدائى، التأمين الإجبارى على العامل، استقلال القضاء، التعريب.

ورحل النحاس باشا فقيرا منعزلاً فى سطوة الحكم الناصرى يوم 23 أغسطس عام 1965 وسار فى جنازته الآلاف هاتفين «لا زعيم إلا النحاس».

ومن تاريخهما نتعلم أن الأمة هى مصدر السلطات وأنها أعلى من السلطة، وأن مَن يملك الحق أعلى كثيراً ممن يملك القوة. ونتعلم أيضا الالتزام بسيادة القانون والدفاع عن الدستور مهما كلفهم ذلك من تضحيات، والانحياز للشعب حتى لو كان ثمن ذلك تهديداً مباشراً لحياتهما.

كذلك من الدروس الهامة أن الزعامة الوطنية لا يمكن أن تخضع للإرهاب او التدخل الاجنبى. إن سعد وقف موقفاً واضحاً ضد التدخل فى أعمال وزارته عندما جرى قتل السير لى ستاك وأبى أن يخضع للقرار البريطانى. نفس الموقف تقريبا للنحاس باشا الذى أعلن إلغاء معاهدة 1936 معلنا الكفاح المسلح على الإنجليز فى القناة.

وكلاهما أيضا رفضا تسييس الدين بمعنى استخدامه فى تحقيق أغراض ومصالح شخصية وهو ما تجلى فى رفض زغلول تنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين، ورفض النحاس باشا تنصيب فاروق فى احتفال دينى، ومواجهته لحسن البنا عندما رفع شعاراته الدينية فى عالم السياسة.

«الوفد» تنشر خطبة نادرة للزعيم مصطفى النحاس عمرها 84 عامًا

كتب: أمير الصراف

فى منتصف سنة 1918، وبينما كان الزعيم سعد زغلول يؤلف المجموعة الوطنية للمطالبة بالاستقلال عن بريطانيا، طلب لقاءه شاب صغير من صعيد مصر أنهى دراسته فى أكسفورد، وافق الزعيم على مقابلة ذلك الشاب وتم اللقاء فى منتصف نوفمبر 1918، اندهش سعد زغلول من جرأة توفيق أندراوس رغم حداثته وطلبه الانضمام للحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال عن الاحتلال البريطانى، وافق الزعيم على الفور.

واستدعى «توفيق» فخرى عبدالنور، وويصا واصف، واجتمع الثلاثة بنادى رمسيس فى القاهرة، وأعلنوا تأييدهم للحركة الوطنية المصرية نيابة عن أقباط مصر لنيل الاستقلال عن التاج البريطانى، وتفويض سعد زغلول، وعبدالعزيز فهمى، وعلى شعراوى، بالتقدم للمعتمد البريطانى.

ولُد توفيق أندراوس وفى فمه ملعقة من الذهب، ولم يكن فى حاجة ليدخل فى معارك سياسية ضد السلطات البريطانية، كان شابًا من أسرة موسرة، أبى أن يعيش حياة مخملية، ليشق طريق الجهاد ويعترك الحياة السياسية لنيل الاستقلال لبلاده، وتصدر «توفيق» صفوف الثورة ووهب لها حياته، وحاول القصر الملكى أن يثنيه عن توجهاته الوطنية، وعرض عليه أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى فى عهد الملك فاروق وكان زميلاً له فى جامعة أكسفورد رغبة الملك فؤاد تعيينه سفيرًا لمصر فى لندن، على أن يوقف نشاطه المعادى للإنجليز، ولكنه رفض بشدة ليواصل الكفاح مع الحركة الوطنية، وعندما نفت السلطات البريطانية الزعيم سعد زغلول ورفاقه لم يتردد توفيق أندراوس فى أن يبيع سبعمائة فدان من أملاكه ليضع ثمنها تحت تصرف السيدة صفية زغلول، لتمويل الحركة الوطنية بعد أن علم بنضوب خزينة «الوفد المصرى».

من هو توفيق أندراوس؟

ولد الزعيم الوطنى توفيق أندراوس فى العام 1893 بمدينة قوص جنوب الأقصر 30 كلم فى أسرة عريقة، كان والده أندراوس باشا بشارة من أثرياء مصر فى ذلك الوقت، وورث توفيق أندراوس حبًا للعمل العام والخيرى والسياسى عن والده، والتى بدأها الأب بوقف مائة فدان من أملاكه لخدمة مساجد وكنائس الأقصر مناصفة وعشرة أفدنة أخرى لخدمة المدرسة الصناعية، وبنى مدرسة الأقباط ومسجد المقشقش ومسجد المدامود وجمعية الشبان المسلمين وغيرها من المشروعات الخيرية.

وبعد أن تلقى توفيق أندراوس تعليمه الابتدائى بالمدرسة التى أسسها والده لخدمة أبناء المدينة التحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية بالقاهرة، وكان من أنجب طلابها، ثم أوفده والده إلى بريطانيا ليدرس فى جامعة أكسفورد ليحصل على أرفع أجازاتها الدراسية ويعود لمصر متسلحًا بالآداب والمعارف وكان شابًا مشتعلاً ذكاء ووطنية.

استقباله للزعيم سعد زغلول فى الأقصر

مواقف توفيق أندراوس الوطنية تجلت فى زيارة سعد زغلول إلى عواصم الصعيد فى العام 1921، نقرأ تفاصيل تلك الذكرى فى كتاب «ذكرى توفيق» عندما استقبل توفيق وأشقاؤه سعد زغلول بقصرهم المجاور لمعبد الأقصر، والذى هُدم بقرار من الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، فى فترة ولاية الدكتور سمير فرج محافظًا للأقصر.

يروى محمد عبدالباسط الحجاجى، مؤلف الكتاب، تفاصيل تلك الزيارة.. كان المرسى المزمع لوقوف الباخرة هو سلم سراى النائب الأمين وعلى تلك السلم وقف بدر الدين بك، مدير الأمن العام، الذى حل ليحول بين المحتفلين وبين زعيمهم المفدى وليمنع الباخرة من أن ترسو عليها دبر مكيدة من استحكاماته فصف الجيوش مشهرة البنادق والسنكات وشرعته فى ذلك الباطل الكسيح فوقف مقابلة من جهة الحق نائبنا الحر الأسد الضرغام توفيق وقفة مشرفة وفتح صدره الرحب بلا وجل ولا خوف طلقات الرصاص وهدد ذاك المارق بقوة حقه بما يشق طريقا شائكاً لرسو باخرة الرئيس على سلمه فما كان المدجج بالأسلحة والمذود بتعليمات شيطانية إلا أن يصمت مكتوف اليدين بباطله وأن الباطل كان زهوقًا.

ويسهب «الحجاجى» فى الوصف.. وباليمين الباخرة أقبلت وعلى المرفأ الأمين رست ولست تدرى كيف الناس بالازدحام جاءت، والبيوتات الكبيرة امتلأت ومن على سطحها وشرفاتها هتفت، فامتلأ الجو هتافًا وترحابًا من هؤلاء وأولئك وكأن اللاسلكى حمل موجة الهاتفين القوية من برنا الشرقى إلى من بالبر الغربى الذين لما بلغتهم إلينا موجة قوية مرسلة من جهاز قلوب خالصة صادقة محمولة بعاصفة النداء الحار بحياة الأمة وزعيمها سعد زغلول، وبدل أن تحاصر الباخرة من جيوش وعساكر حوصرت بقلوب صافية كالجواهر النواضر بذلك أدرك الزعيم الجليل معنى نفسانية توفيق ولقد كان على الدوام منه الرجولة الحقة مقدرًا.

سعد زغلول يهتف بحياة توفيق ويرشحه نائبًا

وعن رد فعل سعد زغلول لاستقباله الحافل فى الأقصر يروى الحجاجى رد تحياتنا بتحية الأب الفرح بنجاح ولده العزيز، قلنا يحيا سعد فقال رحمة الله قولوا معى ليحيا توفيق بك أندراوس فبلغت التحية عنان السماء، وكان لها دويها العظيم فى أفئدة الجميع فى ذلك اليوم المشهود الذى خلد اسم توفيق فى سجل الوطنية الجريئة وفى صحف الوطنيين الأبرار، لذلك وقع عليه اختيار الزعيم سعد زغلول فرشحه لأول مرة للانتخاب فى دائرة الأقصر ففاز بأغلبية ساحقة، وكان فى البرلمان يعمل بكل ما أوتى من قوة على سعادة بلاده ورفاهيتها وأعيد انتخابه للمرة الثانية بالرغم مما كان يصادفه من عقبات، وكذلك فى المرة الثالثة لوفائه بالعهد وتفانيه فى حب بلاده وتمسكه بوفديته وكانت دائرة الأقصر لا تفضل عليه أحدًا ولا ترى فى أحد كفاءته ورجولته لأنها سبرت عوده وعجمت قناته فرأت فيه الشهامة والشجاعة النادرة والوفاء الصحيح.

مسلمو الأقصر ووجهاؤها يرتبون لتشييع جنازة توفيق

بعد وفاة توفيق أندراوس فى سنة 1935 تألفت لجنة من وجهاء الأقصر وعلمائها بدعوة من الشيخ محمد موسى الأقصرى لأعيان مسلمى الأقصر لإظهار الإخاء المتبادل ومتين الروابط بين عنصرى الأمة، وتقديرًا لجهود توفيق أندراوس نائب الأقصر الراحل وعضو الهيئة الوفدية فى ذلك الوقت.

ويصف محمد عبدالباسط الحجاجى سكرتير لجنة التأبين، وقائع يوم رحيل توفيق أندراوس فى كتابه «ذكرى توفيق» قائلاً.. وقع النعى على كل من عرف توفيقا وقوع الكارثة، وأصبح الناس بين مكذب ومصدق فالفقيد حتى ليلة وفاته كان كامل القوة موفور الصحة مليئًا بالنشاط الذى عهده فيه جميع أصدقائه وخلصائه أخذ كل امرئ يتساءل هل مات توفيق؟ هل مات صاحب الجهاد الطويل؟ هل مات صاحب الصفحة الخالدة؟ هل مات صاحب المبدأ القويم؟ وما كاد يذاع النعى المشئوم حتى تقاطرت الوفود من كل

حدب وصوب على دار الفقيد تبكيه وتندبه وأخذت برقيات التعازى من الأمراء والرؤساء والعظماء والأصدقاء تترى على شقيق الفقيد الأكبر سعادة الكومندور يسى بك أندراوس بشارة، وانقضى يوم الوفاة بطوله والجموع الغفيرة تحيط بسراى الفقيد تبكى رجل الأقصر الفذ الذى أبلى البلاء الحسن فى سبيل إسعادها وتجميلها.

مكرم عبيد ينوب عن رئيس الحكومة فى حضور الجنازة

ويسترسل الحجاجى فى وصف موكب الجنازة قائلاً.. تحرك موكب الجنازة يتقدمه حضرة المجاهد الكبير الأستاذ مكرم عبيد نائبًا عن دولة الرئيس الجليل ويقصد الزعيم مصطفى النحاس، وحضرة صاحب السعادة توفيق دوس باشا وزير المواصلات الأسبق، وحضرة صاحب العزة مراد بك وهبة المستشار بمحكمة النقض والإبرام، وحضرة نائب سعادة مدير قنا، وحضرات أنجال المغفور له نجيب باشا غالى، وآل عبدالنور وآل مشرقى، وآل ويصا، وحضرة صاحب الفضيلة الحسيب النسيب السيد محمد أبو الحجاج الحجاجى نقيب الأشراف بالأقصر، وحضرة صاحب الفضيلة الحسيب النسيب السيد الحسين يوسف الحجاجى من علماء الأزهر الشريف، وكان فى مقدمة المشيعين رجال الدين والكهنة وعلى رأسهم صاحب النيافة مطران قنا نائبًا عن صاحب الغبطة الأنبا يؤانس بطريرك الأقباط، ثم رجال القضاء، والطب، والمحاماة، والهندسة، وممثلو الجاليات الأجنبية، ومديرو الشركات والبنوك، ثم صار النعش يحوطه التقدير والوقار ويحدوه الجلال والإكبار، إنه نعش الرجولة تلك التى ملأت توفيقًا منذ نعومة أظفاره حتى رفعته إلى أسمى درجات التشريف والتقدير.

رثاء الزعيم مصطفى النحاس لتوفيق أندراوس

فى يوم 15 فبراير 1935 وقف الزعيم مصطفى النحاس، رئيس الحكومة، ليتصدر صحن كنيسة الأقباط الأرثوذكس بمدينة الأقصر قائلاً «سبحان الله ما أقسى الدهر، كان توفيق زهرة فذوى الزهر بصبح وتوارى واستتر، كان بين إخوانه زاهيًا، باسم الثغر للغير فإذا الدنيا هباء، وإذا الدنيا فناء، وإذا الدنيا عبر، جل من ليس يفنى والدوام للذكر العطر، كان توفيق مصريًا نقيًا، وكان عاملًا وطنيًا، كان مقدامًا أبيًا، وكان جريئًا فتيًا، كان رضى الخلق، كريمًا يجود بكفة بل بنفسه، بل كان يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة.

كان صديقًا صدوقًا، وكان عزيزًا يعز فيه العزاء، نبكيه جميعًا وماذا يجدى البكاء، بل نترحم عليه، عسى ربه أن ينزله مكانًا عليًا، ويواسى فيه بعضنا بعضًا، عسى الله أن ينزل علينا من فيضه سكينة وصبرًا.

 وأنى باسم الوفد المصرى، واسم أم المصريين واسم زميلى «مكرم» واسم الهيئة الوفدية البرلمانية التى كان عضوًا عاملاً فيها، أقدم أجمل العزاء وأصدق المواساة لأسرته الحزينة، وأبنائه الصغار وشقيقه الأكبر يسى بك أندراوس، وباقى أشقائه وسائر أفراد آل أندراوس الكرام، وجميع أقربائه وأنسابه وعموم معارفه وأحبائه.

وأعزى فيه مدينة الأقصر التى كان نائبًا عنها، وسعى جهده لتجميلها والترفيه عن أهلها وتوفير أسباب الراحة لزائريها. أعزى فيه هيئتنا الوفدية التى ضمته تحت جناحيها فأخلص لها الولاء، وعاش ومات ثابتًا على دين الوطن ففى ذمة الله يا توفيق وإلى جوار سعد وصحبة الأكرمين، ولكم جميعًا طول البقاء.

خُدم توفيق أندراوس، الأقصر نائبًا عنها منذ سنة 1921 حتى توفى سنة 1935 دون منافس، وفى إحدى الدورات رشح القصر أمامه خيرى باشا زوج ابنة السلطانة ملك، ولم يحصل أمامه إلا على صوت واحد، ويذكر له التاريخ أنه نتيجة لطلباته البرلمانية دخلت المياه النقية والكهرباء الأقصر قبل الجيزة، وكان له العديد من المواقف البرلمانية المشهودة، وتوفى توفيق أندراوس فى ريعان شبابه ووافق موته تلاقى عيد الفطر وعيد الميلاد فى يوم واحد، فخيم الحزن على الأقصر وخرجت جماهير الأقصر، وأرمنت، وقوص، فى موكبه الحزين وحضر جنازته العديد من الشخصيات، منهم مكرم عبيد سكرتير حزب الوفد الذى أنابه الزعيم مصطفى النحاس لاعتلال صحته وغيرهم من الشخصيات والساسة.

مواقف مضيئة فى حياة سعد زغلول

المستشار نبيل زكى عياد

نفخ فيها سعد من روحه وزكاها ورعاها من بعده (مصطفى النحاس) وحماها بالحب والإخلاص.

- عند قيام ثورة 1919 وكان كل من مصطفى النحاس ومكرم عبيد فى بيت الأمة وتأخر فى الليل فقال لهما سعد زغلول امكثا عندى تلك الليلة. رد مصطفى النحاس إننا تعاهدنا أن نعيش معاً ونموت معاً.

- عندما تم نفى سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وسبنوت حنا وعاطف بركات وفتح الله بركات إلى جزيرة سيشل.. مرض مكرم عبيد بالملاريا من الذى قام بالسهر والتمريض عليه إنه مصطفى النحاس.

- عندما قام أحمد حسنين باشا كبير الياوران فى القصر الملكى بالوقيعة مكرم عبيد باشا التوصل إلى رئاسة الوزارة وادعاءات لزعيم الأمة لا أساس لها من الصحة بإصداره الكتاب الأسود، ورغم ذلك لما توفى مكرم عبيد باشا -  يونيو 1961 حزن عليه مصطفى النحاس باشا وقال إن ضعف بصرى لم يحزننى بقدر وفاة مكرم عبيد.

- حدث أيام 1928 أن إدارة البلديات أعلنت عن وظائف انتهت بنجاح أربعين متسابقاً والمطلوب اختيار السبعة عشر الأوائل من بينهم بالترتيب.

- والسبب غير معروف لم تعلن النتيجة.. فكتب أحد المتسابقين فى الصحف يقول إنه منذ شهر تأخرت النتيجة.. فاستدعى النحاس باشا مدير البلديات - رد وقال له: يا دولة الباشا.. الذين نجحوا منهم عيب نقال له: يعنى دول لم ينجحوا.. إيه العيب فقال اتضح أن السبعة عشر الأوائل منهم اثنا عشر قبطياً فاستشاط النحاس غضباً.. وقال له كيف تقول هذا أليسوا مصريين وكيف يقال ذلك فى عهد وزارات الوفد الذى شعاره الهلال والصليب وأمره أن يرسل الكشف وبه السبعة عشر موظفاً  وتم موظف وتم تعيينهم. لأنه لا فرق بين مسلم وقبطى.

- وأيضاً ما حدث عام 1928 فى وزارة الوفد الأولى أنه كان العرف يجرى بإقامة الاحتفال بميدان الجيش بالعباسية، حيث يسلم أقدم لواء بالجيش المصرى عقود الجمل إلى أمير الحج وتصادف أن كان أقدم لواء نجيب باشا مليكة القبطى.. فلم يجد النحاس باشا غضاضة فى تسليمه لأنه لا فرق بين قبطى ومسلم.

- الاعتذار لضابط شرطة برتبة ملازم لأنه دفعه بيده بعد أن تم اتهامه بالخطأ أنه يحول بينه وبين الشعب (وزارة الوفد الأخيرة).

- ويشرفنى شخصياً أن مصطفى باشا النحاس كان شاهداً على زواج خالى كمال فهمى حنا المحامى ومن أعيان الدقهلية فى مارس 1952 (انظر الصورة آخر البحث)، على كريمة إبراهيم باشا فرج سكرتير عام حزب الوفد الجديد.

- أذيع لأول مرة قداس عيد الميلاد المجيد فى وزارة النحاس باشا فى  6 يناير 1950 فى الإذاعة المصرية.

- إن أكبر إنجازات الوفد الوحدة الوطنية رداً على محاولة مؤسس باكستان محمد على جناح تأييد انفصال المسلمين عن الهندوس عام 1947

- إن إبراهيم باشا فرج كان من بلدة سمنود مسقط رأس النحاس باشا وكان ولى أمره فى الدراسة وعندما تخرج عام 1925 عمل بمكتب النحاس باشا وكان يعتبره والده.

فقد كان سعد زغلول باشا والد مكرم عبيد باشا ومصطفى النحاس باشا والد إبراهيم فرج باشا وأخيراً يشرفنى أن أكون ابناً لفؤاد سراج الدين باشا طبقاً لتقاليد الوفد.

وفى يوم الثلاثاء 2 نوفمبر 1999 عيد الميلاد الأخير وفى قصره العام قابلت الباشا للتهنئة بعيد ميلاده وقدمت له الهدية وهى مصحف شريف وكارت تهنئة بالموسيقى (عيد الميلاد).

قال لى أهلاً يا نبيل.

وقلت لمعاليه: أستسمحكم وأتشرف بأن أكون ابناً لمعاليكم وفقاً لتقاليد الوفد فقد كان مكرم عبيد ابناً لسعد زغلول وإبراهيم فرج ابناً لمصطفى النحاس فهل تحققون لى هذه الأمنية نظر إلى الباشا ثم ابتسم.

ثم قلت لمعاليه: لقد حصلت على وسام نجمة سيناء عندما كنت ضابطاً احتياطياً فى حرب أكتوبر 1973 وهذا هو الوسام الثانى الذى أتشرف أن أكون ابناً لمعاليكم.

وقلت له: وآسف للحضور من غير ميعاد.

فرد الباشا: إزاى تكون ابنى وتأخذ ميعادا وأثناء جلوسى حضرت كريمته الكبرى نيللى هانم وزوجها الدكتور مهندس محسن بك بدراوى والد فؤاد بك بدراوى بالهيئة العليا للوفد.

وبدأت فى الاستئذان وتقبيله من وجنتيه وتمنيت له الصحة والعافية فأنتم فخر لمصر (حديث للزعيم فؤاد سراج الباشا فى آخر عيد ميلاد لمعاليه فى 2 نوفمبر 1999 فى قصره العامر، بحث لى عن فؤاد باشا سراج الدين والدور السياسى قبل 52 وبعدها).

وقبل أن نسدل الستار عن حياة زعيم الأمة مصطفى النحاس باشا فإن السماء قد أهدت مصر بعد خمسين عاماً رئيساً جديداً يعمل فى هدوء من أجل مصلحة مصر ولا ينام - منذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى فى يونيو 2014 وبدأ فى العمل من أجل قناة السويس الجديدة وقوة عربية موحدة وأعمال كثيرة يوما بعد يوم بعد أن أنقذ مصر من نكبة وقام فى 30 يونيو 2013 بتأييد الشعب المصرى كله من أجل مصر وفاز برئاسة الدولة والله يحفظ مصر ويحفظنا جميعاً.. مصر التى اسمها مذكور فى القرآن والإنجيل.

تحيا مصر - تحيا مصر - تحيا مصر