رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قد يتوقف الإنسان أحيانًا أمام لحظات من التأمل، في كل ما يحيط به، ليرى الحياة أشبه بركوب سيارة تسير بسرعة، تسمح لقائدها بمشاهدة المناظر المختلفة من النافذة، ولكنه لن يستطيع التوقف أبدًا للاستمتاع بالمنظر، لأنه يبقى في النهاية "منظر عام" تنقصه الكثير من التفصيلات.

بين حين وآخر، يحتاج الإنسان، أن يأخذ هُدنة مع العقل، خصوصًا في ظل هذا السيل الجارف من العناد الفكري الذي لا طائل منه، في مواجهة آلة جبارة تحاول جاهدة مسخ الفكر وتشويهه، بشكل ممنهج، بحيث لا يستطيع أن يكون قادرًا على تمييز الخطأ من الصواب.

كنا نعتقد في السابق أننا يمكننا بسهولة استجلاء حالة التشوه التي أصابت العقول، من خلال الازدواجية والفوضى التي ضربت المفاهيم والقيم، ما جعل الواقع أصعب من أن نختزله في كلمات أو جمل، مع استمرار حالة الخلط المتعمد بين الشيء ونقيضه.

الآن وقد ضاعت البوصلة خلف أيديولوجيات عقيمة "فاقدة للأهلية"، يفتقر منظروها إلى أدنى مقومات المعرفة الحقيقية، في مواجهة عقول هشة، استطاعت بسهولة ابتلاع طُعم الكراهية والقمع والتخوين ومصادرة حقوق الآخرين، وتنساق وراء تصديق الجهل والغباء وتصدير كل القيم السلبية.

لقد برهنت إحداثيات هذا التشوه أن يقبل العقل، الكذبة تلو الأخرى، والتعايش مع الوهم ورفض الحقيقة، للتصديق بأن الحرية فوضى، والثورة مؤامرة، على غرار أن الاستبداد نعمة، والديمقراطية نقمة، وحقوق الإنسان رذيلة، والقمع فضيلة، والقهر واجب، وبالتالي لا ضير في أن يقبل العقل العيش في الأساطير، وعشق الأكاذيب، ورفض التنوير.

لقد أصبحنا نعيش في زمن التغييب، الذي استخُدمت فيه أبشع الأسلحة المحرمة إنسانيًا، لاغتيال العقول، وتغييب وعيها، وتزييف إرادتها وأحلامها.. تلك العقول التي تقبل الابتزاز ـ بلغة ناعمة أو مرواغة ـ حتى أصبحت فريسة سهلة ولقمة سائغة، جعلتها منقسمة ما بين  الارتباك والصمت أو التحول والتشتت!

ولعل أصعب ما قد يواجهه الإنسان أن يكون هناك انتهاك مقصود لعقله، لإقامة حواجز نفسية وفكرية، لا يجوز لأحد الاقتراب منها أو تخطِّيها، لإنجاز وتحقيق أعلى معدلات الفشل الذريع، وكأنه فيلم مكرر يعاد عرضه على الشاشة، كلما أتيحت الفرصة!

عندما تكون هناك وقفة متأنية مع النفس في مقابل مراجعات للعقل، ما بين الحق والباطل.. الصواب والخطأ.. المنطق والجنون.. الوعي واللاوعي، سوف نجد شعرة دقيقة فاصلة، ولكن تظل مسافة ما بين العقل الظاهر والباطن، عبارة عن أفكار وأحلام تلوح في الأفق، قد تكون حبيسة مقيدة، لا تستطيع أن ترى النور حتى لو مرت أعوام!

عندما يصل الإنسان إلى مرحلة ما، خلال رحلة عمره القصيرة، قد تتضح معالمها باعتياده الإيحاء الذاتي لنفسه، عن طريق بعض المحفزات، وطرد الأوهام بالتأملات، ولكنه قد يجد صعوبة وغموضًا في تفسير بعض ما يدور من حوله، ربما لأسباب واقعية، أو نتيجة حالة من العبث الممنهج، الذي قد يؤدي للوصول إلى مرحلة اللامبالاة.

أعتقد أنه في ظل الأحداث الراهنة، التي تتآكل في المنعطفات والتفاصيل، وتراوح مكانها تحت وطأة قوة  أو ضعف ذاكرة المتلقي، لم يعد هناك مجال للحديث عن وجود "هُدنة مع العقل"، خصوصًا وأنه من لم يكن جزءًا من الحل، فهو بالتأكيد جزء من المشكلة!