رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سواء صحت الأنباء التى تحدثت عن تقديم وزير الخارجية السعودى المخضرم  «سعود الفيصل» طلبا لإعفائه من منصبه بسبب ظروفه الصحية، أو لم تصح، أو أنه قد أعفى من منصبه  هو وولى العهد الأمير «مقرن بن عبد العزيز» ضمن التغييرات الأخيرة  التى قام بها العاهل السعودى الملك «سلمان بن عبدالعزيز»، فإن المؤكد أن هذه التغييرات تشكل  توجها نحو تجديد  النظام الأساسى  للحكم الذى أرسى قواعده الملك «عبدالعزيز آل سعود» بعد نجاح الحروب التى خاضها ضد الأمراء ورؤساء العشائر والقبائل المتناحرة، لتوحيد المدن والقرى، فى أعقاب استرداده للرياض من أيدى هؤلاء، ثم ضمه  لنجد وعسير وحائل ومكة المكرمة، وبقية مناطق الحجاز  منذ العام 1902 و حتى تحول لقبه من ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، إلى ملك للدولة التى باتت  تعرف منذ العام 1932 بالمملكة العربية السعودية. وتقضى القاعدة التى أرساها الملك المؤسس عبد العزيز بأن يورث الحكم لأبنائه، وبذلك انتقل من بعده إلى كل من سعود وفيصل وخالد وفهد والملك عبدالله الذى أنشأ فى العام 2006 نظام هيئة البيعة لينص على أنه عند وفاة الملك، تقوم هيئة البيعة بالدعوة  إلى مبايعة ولى العهد ملكا على البلاد، ووفقا لنظام البيعة، فإن الملك يختار، بعد أن تتم مبايعته، وبالتشاور مع أعضاء الهيئة من يراه صالحا لولاية العهد من بين واحد أو اثنين أو ثلاثة. وكان النظام  الأساسى للحكم الذى أصدره الملك فهد فى مرسوم ملكى ينص فى أحد بنوده، على أن يختار الملك ولى العهد ويعفيه بأمر ملكى، وهو البند الذى تم الغاؤه مع صدور قرار الملك عبد الله بإنشاء نظام هيئة البيعة، وهى الهيئة التى بايعت شقيقه الملك سلمان ملكا فى أعقاب وفاته فى يناير الماضى.

القرارات التى اتخذها الملك سلمان الأربعاء الماضى، وأثارت كثيرا من التكهنات والتساؤلات، تضمنت اختيار الأمير «محمد بن نايف بن عبد العزيز» (55 عامًا) وليًا للعهد، ونائبا أول لرئيس الوزراء، بجانب منصبه كوزير للداخلية، واختيار ابنه «محمد بن سلمان» (34 عاما) وزير الدفاع ورئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، وليا لولى العهد، والسفير السعودى فى واشنطن «عادل أحمد الجبير» (53عاما) وزيرا للخارجية. المشترك فى الشخصيات الثلاث هو الصفة الشبابية التى تميز ثلاثتهم، فضلا عن التعيينات الأخرى فى الإدارات الحكومية والوزارات التى شملت 25 قرارًا ملكيًا  وصفت جميعها من قبل الصحافة السعودية بأنها انطوت على كفاءات وشباب بهدف تحديث الدولة السعودية، وتجديد نظامها السياسى، وهو ما يبدو أمرًا منطقيًا، ذلك أن الأخذ بقاعدة توارث  الأخوة من ابناء الملك المؤسس للحكم، يؤدى إلى شيخوخة فى ادارة الدولة، بينما يساهم فى تجديد شباب المملكة ضمن عوامل أخرى كثيرة، نقل الحكم إلى جيل الأحفاد من الشباب، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة ليس فى مستوياتها العليا  فحسب، بل أيضا  فى المستويات الأدنى،وترتيب البيت الداخلى للحيلولة دون نشوب صراع على العرش، وبما يضمن  تثبيت دعائم الحكم، وتعزيز قدراته على مواجهة التحديات الضخمة الخارجية والداخلية التى تواجهه، وهو ما يحسب للتفكير العملى  المبادر والمرن للملك «سلمان» الذى لم يتردد فى الأخذ بعين الاعتبار، أنه قد أوشك على بلوغ الثمانين من عمره.

وليس صحيحا ما راج  فى بعض وسائل الإعلام العربية  بأن تلك الإجراءات كانت مفاجئة، قياسا إلى الأسلوب السريع و الحازم  والسلس الذى رتب به الملك سلمان شئون الحكم وانتقال السلطة عقب وفاة أخيه فى ديسمبر الماضى، وهو الأسلوب الذى أثار اندهاشًا وإعجابًا من المجتمع الدولى، ودفع «بان كى مون» الأمين العام للأمم المتحدة إلى الإدلاء بتصريح غير مألوف لمن هو فى موقعه،،يبدى فيه إعجابه بقرارات العاهل السعودى وانجازاته خلال أيام معدودة من توليه السلطة.

وغنى عن القول أن التفكير فى المستقبل، والسعى لضمان استقرار المملكة وتجنيبها  الصراعات على السلطة، لم يكن وحده هدف تلك الاجراءات، فتوقيت حدوثها لايمكن إغفاله. فالحرب التى تقودها السعودية بتحالف عاصفة الحزم، تقع على مقربة من حدودها، والقلق السعودى من التقارب الأمريكى مع إيران يتزايد، خاصة مع إدراك المملكة أن الصفقة الأمريكية مع إيران،قد تمت بالتجاهل التام -الذى يبدو متعمدا -للطموحات الإيرانية فى التوسع والهيمنة على الإقليم، وبالصمت أو التواطؤ على  تدخلاتها المباشرة فى العراق وسوريا ولبنان و أخيرا فى اليمن، حين شجعت الحوثيين على الانقلاب على السلطة الشرعية والاستيلاء على مؤسسات الدولة بمدهم بالمال والسلاح  والمساندة السياسية، مع أن الاتفاق الغربى مع إيران لم ينجح  فى وقف البرنامج النووى الإيرانى، وأكتفى بعرقلة القدرة الإيرانية على صنع اسلحة نووية إلى حين.

أدركت المملكة فى ظل هذا الاختبار الصعب، أن لجوءها للخيار العسكرى فى اليمن قد تم بعد أن بدت الولايات المتحدة الأمريكية غير جادة أو راغبة فى دعم هذا الخيار، لتقاسمها المصالح مع إيران طبقا لاتفاق غير معلن، يقبل فيه الطرف الأمريكى  بما سبق له أن رفضه وهو بقاء نظام بشار الأسد فى سوريا ليصبح طرفا فى حل الأزمة، فى مقابل  المشاركة فى اقتسام النفوذ بينهما فى العراق،والصمت، وربما الترحيب المضمر بالحرب المذهبية التى يشعل أوارها  الجموح الإيرانى  المتلاحق لسطو نفوذه بالمال والسلاح ومعسكرات التدريب، على المنطقة، وإبقاء الصراعات المذهبية والطائفية مشتعلة، طالما كان ذلك لا يمس من قريب أو بعيد، أمن إسرائيل. أدرك الملك «سلمان» بخبرته المتنوعة، أن الاعتماد على الذات، وبناء القدرات  التى تعزز أوضاعك الداخلية، وترسخ أدوارك الإقليمية والدولية، باتت هى أساس كل تقدم ومنبع كل خطوة لاحراز أى نصر. وفى هذا السياق جاءت قرارات الملك سلمان الأخيرة: دعم الجبهة الداخلية وإحداث تناغم بين مؤسسات الدولة،ومدها بالكفاءات الشابة المنجزة، وإزاحة المتعثرين والمترددين والخاملين، هو أسلم الطرق للتغلب على ضخامة التحديات المطروحة فى المنطقة،والتصدى لكل أنواع الضغوط الخارجية التى تستهدف إهدار الحقوق، والمقامرة بأمن واستقرار الأوطان، والنجاح فى انتزاع استقلال القرار الوطنى من أنياب المصالح الدولية المتضاربة  والمتقلبة  والانتهازية.

كل هذا يبدو صحيحا تماما، لكن المؤكد والصحيح أيضا أنه يظل ناقصا ما لم تلحقه المملكة بإجراءات أخرى تفتح نوافذ متعددة لحريات الرأى والتعبير،وتجتذب فئات وقطاعات أوسع للمشاركة  وتمنح كامل حقوق المواطنة للأقلية الشيعية  لديها، التى تتذرع إيران بالسعى لحماياتها، وهى تمارس مغامرتها العسكرية لبسط نفوذها فى المنطقة،فمن قلب عيوبنا وأخطائنا لامن حدودنا، ينفذ الأعداء إلينا.