رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

الإرهاصات تعنى: التوقعات، تنبؤات، مؤشرات، ومقدمات. وإرهاصات الحرب تعنى: مقدماتها، مؤشراتها. هكذا هى المصالحة السعودية الإيرانية مثلت خطوة على طريق التحول على مستوى النظام الدولى، وزادت من وتيرته، بعدما بدأت إرهاصات هذا التحول مع الحرب الروسية الأوكرانية.

عودة العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية هى تجسيد واضح لملامح التعددية القطبية، وتراجع عالم القطب الأمريكى الواحد لصالح أقطاب أخرى، الصين على وجه التحديد هى المستفيد الأكبر من هذا التحول العالمى فى ظل انخراط روسيا فى الأزمة الأوكرانية، حيث تتبنى الصين استراتيجية الصعود السلمى فى ترتيب المنافسة فى النظام الدولى. وهو المفهوم الذى صاغه المفكر الصينى زنغ بيجان عام 2003، وأدرج ضمن الاستراتيجية الصينية عام 2004 باعتماده من قبل الأمانة العامة للحزب الشيوعى. لذلك، فالمصالحة السعودية الإيرانية، وما تمثله من تحول فى المشهد الجيواستراتيجى خاصة على مستوى إقليم دائماً ما كانت للولايات المتحدة اليد الطولى فيه عسكرياً وسياسياً. إنما يعكس تحولاً عميقاً على مستوى استراتيجيات التغلغل والنفوذ الصينية، وأنها قادرة على التفاعل سياسياً ودبلوماسياً وربما عسكرياً أيضاً كما هى فاعلة اقتصادياً وتجارياً.

القراءة الثانية للاتفاق السعودى الإيرانى يمكن تناولها فى سياق خلخلة وحلحلة علاقات التبعية التقليدية، فالتحولات الجيوسياسية ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية أتاحت فرصاً لبعض الدول مثل الإمارات، المملكة العربية السعودية لمحاولة إعادة تشكيل المنطقة سياسياً، وبالتالى تعزيز مواقفهم ومواقعهم إقليمياً، هذا التموضع الجديد لتلك القوى خلق ديناميات- ديناميكيات توزان قوى جديدة فى المنطقة. خاصة فى ضوء المخاوف الخليجية المتزايدة من تراجع أمريكى تجاه أمن الخليج، كما كان الوضع عليه مسبقاً. كما أن الحرب فى أوكرانيا خلقت أيضاً فرصاً اقتصادية لكلتا القوتين إيران والسعودية، وأجبرت الغرب على إعادة التعامل مع دول الخليج الغنية بالطاقة. كما كان لفك الارتباط الجزئى عن منطقة الخليج من قبل الولايات المتحدة، والشكوك التى خلقتها، أثران متضاربان على العلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران. ومن ثم على المنطقة بأكملها. وبالتالى، بذل كلا البلدين جهوداً واضحة فى التقارب انطلاقاً من الإدراك المشترك بأنه لا توجد قوة عالمية على استعداد لتحمل المسئولية إذا كان الوضع الأمنى فى الخليج غير مستقر.

لذلك من مظاهر هذا التحلل «ولو جزئياً» من علاقات التبعية التقليدية: الوساطة السعودية فى الأزمة الروسية الأوكرانية. ثم الاتفاق السعودى الإيرانى برعاية صينية، ومصرياً انسحبت مصر من اتفاقية تجارة الحبوب الدولية التابعة للأمم المتحدة، التى جرى إبرامها عام 1995. ومن ثم تؤطر تلك المصالحة لتوجه عربى جديد، قائم على الانتقال من أطر التبعية إلى استقلال الدور، حيث ظلت المنطقة العربية محكومة لعقود طويلة وخاضعة لمقولات ومفاهيم نظرية التبعية، حيث تحدى مواجهة التبعية من أبرز التحديات التى أعاقت الفاعلية العربية مجتمعة فى إطار وحدة مصالح الإقليم والتوافق العربى الإقليمى حول القضايا والمصالح العربية. فى إطار الظرف الدولى الراهن تسعى الدول العربية للتحرر من علاقات التبعية المتراكمة عبر عقود طويلة.

الاتجاهات والتداعيات التى ستظهر نتيجة هذا الاتفاق على المدى الطويل هو سؤال مفتوح، ولكن فى الفترة الحالية، التى تتميز بتراجع الوجود الأمريكى يخلق الاضطراب الاقتصادى والأمنى مخاطر محتملة، لكنه خلق أيضاً فرص للتقارب برعاية قوى جديدة على المنطقة غير القوة التقليدية ممثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك فالتنسيق المصرى، العربى وبالشكل المتواصل والفاعل كما نراه الآن هو ضرورة لمواجهة التحديات والمهددات المباشرة فى ظل عالم مضطرب وقطب دولى ضعيف. والحاجة ملحة لدور عربى أكثر فاعلية وأكثر استقلالاً خاصة فى ظل تعارض المصالح الإقليمية وتقاطعاها مع فاعلين آخرين مثل: إيران وتركيا، إثيوبيا وإسرائيل. يستغل المساحات الجديدة المتاحة فى ضوء التحول نحو نظام عالمى جديد.