رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من قلبى

كلنا ضد الإرهاب... وكلنا يتمنى لو ينتهى من بلادنا اليوم قبل غد... ومعظمنا مع إصدار قانون لمكافحة القتلة والتكفيريين... ليس كراهية لهم لكن حبا فى مصر... وصونا لمستقبل أولادنا... لكنا لا نرضى تكميم الأفواه... ولا نرضى التعامل مع الإعلام على أنه شريك للإرهابيين... فالإعلام الذى لعب دورا مهما فى إسقاط نظام  مبارك... هو الإعلام الذى فضح تزوير الانتخابات الرئاسية... وهو نفسه الإعلام الذى كشف فاشية التنظيمات الدينية... ولولا معارك الإعلام ما عرف الشعب حقيقة تنظيم الإخوان فأسقطه... وغير حقيقى أن نظام ما بعد الإخوان قد ملك ناصية الإعلام كما ملك ناصية البلاد... والرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه رفض فى أكثر من مناسبة أن يحاسب إعلاميا هنا... وصحفيا هناك.

وفى مشروع القانون المعد حاليا لمكافحة الإرهاب عدة مواد تكبل حرية الصحافة...  ومادة وحيدة تحبس كل الصحفيين... والإعلاميين... ونشطاء الانترنت هى المادة 33...  وهذه المادة العجيبة... الغريبة تحظر على وسائل الإعلام استقاء المعلومات من مصادر غير حكومية... وتقييمها... ونشرها، خصوصا لو اختلفت الآراء... ومن يفعل ذلك يعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين لأنه نشر أخبارًا أو بيانات تخالف الصادرة عن الجهات المعنية وهذا الحبس يتم دون إخلال بالعقوبات التأديبية... إننا بهذه المادة نسعى إلى خلق إعلام موجه... إعلام لا يعرف إلا وجهة نظر الحكومة فقط...  إعلام لا يؤمن إلا برأى الحكومة ... ويرى  أن رأى الحكومة والمعلومة التى تمتلكها وتذيعها هى الحقيقة المطلقة... وعلى طريقة بائعى الخضار تقول الحكومة فى مواد القانون «إللى عندنا مش عند حد تانى... وخد مننا أو ما تاخدش خالص... أو خد مننا أحسن لك».

 ولو أننا سلمنا بأن تلتزم الصحف برأى الحكومة... فيجب على الحكومة أولا أن يكون لها رأى... ولو سلمنا بضرورة الحصول على المعلومة من مصادر حكومية فقط... فيجب إلزام الحكومة بإتاحة المعلومات للصحفيين والإعلاميين... وأن تكون هذه الإتاحة حقيقية... وفورية... وبعيدة عن تقديم كشف إنتاج وإنجازات المسئول الحالى... وبعيدا عن الإصلاحات التى أجراها فى نظام العمل منذ تشريفه لمنصبه...  وأيضا يجب أن نوفر سبلا وأدوات لمحاسبة الحكومة لو هى أصدرت معلومات مغلوطة... أو ضللت الإعلام... أو خدعت الشعب ببيانات غير حقيقية... أو تأخرت وتلكأت فى إصدار البيانات فى زمن الأحداث الكبيرة.

فليس معقولا أن تملى الحكومة شروطها على الإعلام الذى هو وسيلة الرقابة الشعبية على أدائها... خصوصا فى ظل غياب مجلس نيابى يراقب تصرفات الحكومة. ولا تضع أدوات محاسبتها حين تخطئ.

وإطلالة سريعة على التاريخ تؤكد أن حرية الصحافة والإعلام كانت مستهدفة فى مصر طوال سنوات تزيد على الستين عاما... ففى عصر عبد الناصر لم نكن نعرف شيئا عن حرية التعبير التى تعتبر حرية الإعلام جزءا أصيلا منها... رغم أن مصطلح حرية التعبير أول ما ظهر كان فى الثورة الفرنسية عام 1789... أى قبل ثورة يوليو بحوالى  مئتى عام... ومنذ ذلك الوقت صارت حرية التعبير وتمثلها حرية الإعلام هدفاً للأفراد والشعوب ومحدداً من محددات النظام الديمقراطى... كما نص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة «1948» على اعتبار حرية التعبير حقًا لكل شخص... وهو ما لم يعترف به عبد الناصر لذلك منع إصدار الصحف... وتم تسريح مجموعة من الصحفيين المعارضين.

وفى عصر السادات لم تكن الصحافة على وجه الخصوص بمنأى من بطش السلطة رغم إيمانه بقدر أكبر بحرية الرأى والتعبير... إلا أنه لم يستطع أن يتحمل هذا الالتزام طويلا فانقلب على الصحافة حتى نال عددا كبيرا منهم فى اعتقالات سبتمبر.

وجاء عصر مبارك وبدأه بالإفراج عن المعتقلين من رجال الإعلام والسياسة... إلا أن ما نال الصحفيين والصحافة فى عهده زاد كثيرا عما نالهما من سابقيه... فحوادث الضرب... والاعتداء تكررت ضد أكثر من صاحب قلم... ووصل الأمر إلى الاختفاء الكامل لواحد من الصحفيين وما زال أمر اختفائه لغزا حتى اليوم... وفى عصر مبارك أيضا لم تتوقف محاولات فرض قوانين تضع عقوبة الحبس فى جرائم النشر قيدا يستخدمه النظام ضد من يتجاوز الحدود المسموح بها فى النقد... ولأول مرة فى تاريخها تقف نقابة الصحفيين صفا واحدا ضد القانون 93 لسنة 95 حتى اتخذت النقابة قرارا بالاحتجاب عن الصدور حتى سقط القانون المشبوه... إلا أن زبانية نظام مبارك لم يستسلموا للهزيمة وأدخلوا تعديلات على قانون العقوبات ملأوها بمواد تحبس الصحفيين وأصحاب مهنة القلم.

  إننا أمام قانون فصلته ذيول نظام سابق احترفت تكميم الأفواه... وبعيدا عن مخالفته لمواد الدستور فى الشكل والموضوع... فإن مشروع قانون مكافحة الإرهاب وضعه مشرع ليفسد العلاقة الجيدة التى تجمع اليوم بين كل وسائل الإعلام وبين نظام الحكم... أو رأس الدولة.

بهذا القانون لن تستطيع الحكومة أن تحاسب وسائل الإعلام الغربية... ولا حتى العربية التى لن تلتزم بمواده... لكنها ستحاسب الإعلام المصرى... وتحبس الصحفى... والمذيع... ومستخدم الإنترنت المصرى فقط... وسيظل الإعلام غير المصرى متفوقا... والمصرى ضعيفا... هزيلا... موجها... غير قادر على المنافسة... وسيخلق هذا القانون دولة قوية للعمل السرى فى مجال المعلومات... والرأى... فالحكومة التى تسعى لمحاصرة الإعلام تضع على نفسها قيودا فى التواصل مع الشعب... والحكومة التى أخفقت فى التواصل مع العالم إعلاميا... لن يسرها أن تمتلك إعلاما حرا لا يخاف العاملون فيه الحبس.

«لن يخلق قانون مكافحة الإرهاب إلا مجتمعا خائفا... وإعلاما متخلفا... غير قادر على المنافسة».

 

Email:[email protected]