رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى تاريخ مصر الحديثة يمكن القول بأننا عشنا ثلاثة مشاريع للخروج من أسر التخلف هى أقرب منها للتحديث وليس النهضة، المشروع الأول كان مع محمد على إثر توليه الحكم أوائل القرن التاسع عشر، ورغم أنه لم يكن مصرى الأصل إلا أن الرجل على خلفية طموح خاص واصل ليله بنهاره لإقامة دولة بمعنى الكلمة ومن الصفر. ساعده على ذلك أن توليه الحكم جاء بعد أول اصطدام مع الحداثة الأوروبية ممثلًا فى الحملة الفرنسية وهو ما عزز من أدواته ووسع من نطاق رؤاه. ولعل أفضل من رصد هذا التحول وبشكل رائع فى تقديرى الشخصى عفاف لطفى السيد فى كتابها عن «مصر فى عهد محمد على» الذى صدرت ترجمته منذ سنوات عن المركز القومى للترجمة. غير أن فائض الطموحات لدى الوالى المصرى كان سببا رئيسيا فى اجتماع القوى العالمية آنذاك للإجهاز على ذلك المشروع.

كان المشروع الثانى بعد ثورة يوليو 1952 وتولى جمال عبدالناصر الحكم وقد كان فى تصورى مشروعا تحديثيا وليس نهضويا كما ذهب الراحل أنور عبدالملك فى كتابه «نهضة مصر»، فى ضوء اعتبارات كثيرة ليس هنا مجال التفصيل فيها. المهم أن هذا المشروع سار بوتيرة سريعة وحقق قدرا كبيرا من الإنجازات التى كانت تبشر بإمكانية وضع مصر على خريطة العالم كدولة متقدمة غير أنه انتهى كذلك على يد قوى خارجية من مدخل الصراع مع إسرائيل فكانت هزيمة 67 بمثابة الضربة القاصمة للمشروع رغم أن ناصر استمر على رأس الحكم حتى عام 1970.

للإنصاف وليس من قبيل المبالغة الإشارة إلى أن المشروع الثالث للتحديث يأتى فى ظل حكم الرئيس السيسى الذى يحمل طموحا بلا حدود والذى استطاع خلال ثمانى سنوات من توليه الحكم تغيير الكثير من معالم وملامح الحياة فى مصر بخطوات تساءل معها كاتب هذه السطور فى مقال سابق عن أسباب سعيه لسباق للزمن؟ ويستطيع المواطن المصرى العادى الآن أن يلمح بعض نقلات هذه الرؤية ماثلة أمام عينيه. غير أن هذا الطموح وهذا المسعى يواجه بنفس المشكلة وذات العقبة وهى البعد الخارجى وإن من نوع آخر والتى تتمثل بالأساس فى أزمة كورونا ثم الحرب الأوكرانية حيث كانت الأولى أزمة عالمية لم تشهد لها البشرية مثيل من قبل، فيما تمثل الثانية أزمة عالمية أيضا وإن كان لها سابقاتها.

بعيدا عن نظرية المؤامرة ومحاولة إعاقة مصر والوقوف أمام طريقها فقد كانت الأزمتان كفيلتين بعرقلة كل ما جرى وفرملة الكثير من الطموحات. ولذلك يبدو هنا منطقية الطرح الذى ذهب إليه الإعلامى المصرى نشأت الديهى بشأن خطأ من يحاول تمصير الأزمة العالمية ومحاولة تصويرها على أنها أزمة مصرية خالصة. غير أن الإنصاف أيضا يقتضى الإشارة إلى أن الأمر قد لا يخلو من أبعاد داخلية ألقت بتأثيرها على مسار التحديث الحالى ومن المؤكد أن هذه الأبعاد ساهمت بغض النظر عن نسبتها فيما هو قائم. وعلى ذلك تتبدى المشكلة فى ذلك القطار السريع الذى يتجه نحو التحديث، فى ظل أزمة اقتصادية نتيجة للأسباب السابق ذكرها ما يضع مصر بحق على مفترق طرق.

ورغم أننا كمصريين من المؤمنين بأن مصر تتمتع بحماية الله، ورغم أن حب المصريين لبلدهم يمثل ضمانة لدفعها نحو مزيد من التقدم، إلا أن صعوبة الظرف وحرجه ربما تتطلب اقترابا من نوع آخر من القضية، يشبه تعاطى الجراح فى غرفة العمليات. ربما بمثل هذه النظرة يمكن أن نأمل فى سلوك النهج السليم فى التعاطى مع الأمور، فقد تعبنا من مشاريع التحديث المجهضة.. حفظ الله مصر وحماها من كل سوء.

[email protected]