عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

 

تتسم تصميماتها المعمارية بالانسيابية والغرابة والإغراق فى الخيال الحر أحياناً، وهو ما يمكن لمسه فى الكثير من الصروح التى تحمل اسمها فى العالم.

شقت المعمارية العراقية زها حديد طريقها إلى العالمية متغلبة على كل الصعاب والتحديات التى واجهتها فى بيئة ذكورية، لكنها تفوقت بإبداعها وفنها فى هذا الوسط الذى يربط بين الجمال والهندسة والأرقام والمعادلات الحسابية، فنالت شهرة عالمية, وتركت بصمتها على معمار أوروبا بل العالم أجمع.

تبنت «حديد» المدرسة التفكيكية، التى تنزع إلى تحطيم الفروق بين الرسم والنحت، وإعادة صياغتهما فى بوتقة معمارية بالاعتماد على آخر التقنيات الحديثة فى هندسة المواد، ما يسمح بخلق أشكال، كان من المستحيل فى السابق الاعتماد على صلابتها الإنشائية، وقدرتها على تحمل الأثقال المعمارية.

ومن هنا أطلقت لخيالها العنان، ووضعت تصميماتها فى خطوط حرة مائعة لا تحددها خطوط أفقية أو رأسية، واستخدمت سبائك مطورة من الحديد تتميز بالمتانة الشديدة، وفى الوقت نفسه القدرة على كسر الفراغ بمبانٍ تبدو للعيان كأنها أعمال نحتية بارعة، ذات طابع مميز، وبصمة لا تتكرر.

تتألق تصميمات «حديد» كجواهر نادرة أسطورية أينما وجدت، حيث وصفها معماريون ومصممون بالمعمارية العظيمة و«سوبر ستار», وتعد محطة إطفاء «فيترا فى مدينة فايل أم راين» الواقعة فى ولاية بادن- فرتمبيرج الألمانية أولى الأعمال التى أنجزتها وساهمت فى شهرتها العالمية.

وفى مدينة سينسيناتى الواقعة فى ولاية أوهايو الأمريكية قامت بتصميم مركز «روزنتال» للفن المعاصر وهو أول بناء المهندسة العراقية فى أمريكا.

لم يكن طريقها إلى النجاح سهلاً، فقد أصيب مسارها العملى بعدة انتكاسات، من أهمها وقوف النزاع السياسى الداخلى حائلاً دون استكمال تصميمها الحديث لدار «كارديف باى» للأوبرا فى ويلز بالمملكة المتحدة عام 1995, إلا أن ذلك لم يفقدها العزيمة والإصرار لتحقيق طموحاتها، حيث حصلت على جائزة «بريتزكر» فى التصميم المعمارى، وكانت أول وأصغر امرأة تنال تلك الجائزة التى تعتبر معادلة فى قيمتها لجائزة نوبل فى العلوم والآداب، بالإضافة إلى العديد من الجوائز العالمية المرموقة، كما حصلت على وسام التقدير من المملكة البريطانية، واختيرت كرابع أقوى امرأة فى العالم فى عام 2010، حسب تصنيف مجلة «التايمز» لأقوى مائة شخصية فى العالم, كما نالت جائزة متحف لندن للتصميم لعام 2014، وذلك لتصميمها مركز حيدر علييف فى «باكو» عاصمة أذربيجان.

لم تفرض «حديد» نفسها على حكام العراق القادمين مع الاحتلال لأنها تعرف أنهم لن يلتفتوا إلى العمارة فى البلد المخرب بفعل فسادهم أيضاً, ولم تسع إلى دخول الوطن المبتلى بالعنف والإرهاب والصراع بين الطوائف السياسية المتنازعة على السلطة, ولم يكن فى حسابات من يعرف المعمارية العالمية عن كثب أنها سترحل هكذا فجأة, فقد بنت مدناً أشبه بالخيال, مدناً تحلق فى الفضاء، فازت بها على أساطين العمارة فى العالم مثل بناية «مركز أبحاث الشرق الأوسط» بجامعة أوكسفورد الذى افتتح قبل أسابيع من رحيلها.

ولم تجد «حديد» سبيلاً إلى بلاد كان والدها محمد حديد قد أسس مع مجموعة من الديمقراطيين التنوريين مطلع ثلاثينيات القرن الماضى أول حركة مجتمع مدنى أطلقت على نفسها الحزب الوطنى الديمقراطى.

أعلنت «حديد» احتجاجها الأخير على تدمير وطن كان عامراً بمبدعيه, لم يحتمل قلبها الضعيف رؤية بغداد تموت لتصل إلى شاطئ نهر ملوث يحمل كل يوم جثث القتلى والمنتحرين جوعاً وقهراً, فطالما حلمت بإعمار المدينة التى خربتها قنابل وصواريخ الحروب الأمريكية المتواصلة, فقررت مغادرة الحياة.

[email protected]