رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 كان تعليق الجبرتى عندما رأى تجارب علماء الحملة الفرنسية تعليقًا كاشفًا موجزًا لماضى العالم الثالث القريب وحاضره ومستقبله، قال الجبرتى معلقاً: «إنها أشياء لا تستوعبها عقولنا»، يزداد الأمر وضوحاً عندما تقرأ رواية الخيال العلمى «الانهيار الثلجى Snow Crash» للكاتب الأمريكى نيل ستيفنسون، التى نُشرت عام 1992، لتعرف عمق الحفرة والفجوة التى نعيشها، فبطل الرواية يعيش فى عالم تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر، يُعرف باسم «ميتا فيرس»، وكان هذا هو الظهور الأول للمصطلح الذى تحوَّل إلى واقع على يد «مارك زوكربيرج» بتحويل «فيسبوك» إلى عالم افتراضى يسمى «الميتافيرس».

- هذا العالم المشفر الذى رسمه الروائى «نيل ستيفنسون» منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا أصبح واقعًا الآن، يتم التسويق له والاستثمار فيه، ولا تدرى أيهما سبق الآخر، القصد والتخطيط للمستقبل عن طريق التنبؤ والتمهيد، أم العلم والإرادة، وتتساءل: هل الصدفة وحدها من اختارت تحويل مصطلح فى رواية– « الميتافيرس»- إلى واقع، وتتعجب من هذه الإرادة التى استطاعت تحويل الخيال المكتوب إلى حاضر ومستقبل سننغمس فيه جميعًا عن قريب... إنها أشياء لا تستوعبها عقولنا!!

 - ففى اللحظة التى يخطط فيها البعض جاهدًا لسرقة «باس ورد الواى فاى» من أحد جيرانك، يخطط فيها آخرون لسرقة حياتك والاستثمار فيها، وتبديل عالمك الحقيقى– أياً كان نوعه– بعالم افتراضى من الآحاد والأصفار، وفى الوقت الذى يتزاحم ويتهافت فيه البعض لشراء فيلا بـ120 مليون جنيه خوفًا من ضياع تلك الفرصة الاستثمارية!!، بلغ حجم الاستثمار العقارى فى هذا العالم الافتراضى الجديد، وهذا الواقع الهجين، نحو 501 مليون دولار خلال 2021، وتقول المؤشرات إن هذا الاستثمار ستصل قيمته إلى المليار دولار عام 2022.

- فى عالمنا تجد الأسباب التى تدفع البعض للتزاحم على شراء فيلا يتجاوز سعرها المائة مليون جنيه، ليست هى نفس الدوافع والأسباب التى تجعل منصات كبرى تقوم بشراء مساحات أو قطع أراضٍ فى هذا العالم المشفر بمبالغ طائلة، مثل منصة «Sandbox» التى قامت بشراء أرض رقمية بقيمة 4.3 مليون دولار، وتسعى إلى تطوير 100 جزيرة أُطلق عليها اسم «جزرالخيال »، وصل سعر الجزيرة الواحدة إلى مائة ألف دولار!!

- لا تتعجب ولا تندهش، ففى اللحظات التى تخاف فيها من اندلاع حرب نووية تطيح بالأخضر واليابس، تجد هناك فى العالم البعيد من يفكر فى استثمار مرحلة ما بعد الدمار بإنشاء عالم افتراضى، وإن كنت ترى أن هذا السبب بعيد، أو ينتمى لنظريات المؤامرة، فقل لى إذن، لماذا يتم الاستثمار فى هذه الأرض الرقمية بهذه المبالغ الطائلة، رغم وجود مخاطر باختفائها، إذا توقفت المنصة عن العمل، أليس هذا شيئًا يستحق التوقف عنده وتحليله، أم سنقف ونصيح بأعلى أصواتنا: إنها أشياء لا تستوعبها عقولنا!!

- يقول دكتور ديفيد ريد، أستاذ الذكاء الاصطناعى والحوسبة المكانية فى جامعة ليفربول هوب: «تمتلك العديد من أنظمة النماذج الأولية الحالية للواقع المختلط تقنية تتبع الوجه والعين والجسم واليد، التى يحتوى معظمها على كاميرات متطورة، حتى إن البعض يدمج تقنية التخطيط الكهربائى للدماغ من أجل التقاط أنماط الموجات الدماغية، بعبارة أخرى كل ما تقوله أو تنظر إليه أو حتى تفكر فيه يمكن مراقبته، ويؤكد أن من يتحكم فى هذه الأمور ستكون له السيطرة على واقعك بالكامل».. تخيل معى، فى الوقت الذى يتم فيه التخطيط للسيطرة على واقعك بالكامل، تصرخ أنت فى وجه طفلك كى يطفئ الأنوار ترشيدًا للكهرباء.. أهذه أشياء تستوعبها عقولنا؟!!

- هل ستمر هذه التصريحات والأرقام أمام أعيننا مر الكرام، ونحن عاجزون عن المشاركة أو التحذير، أوالتفاعل، أو حتى توفير أدوات الحماية من هذا الكابوس الافتراضى ثلاثى الأوهام والأبعاد، الذى قفز بقيمة الميتافيرس من 47 مليار دولار 2020 إلى 800 مليار دولار بحلول عام 2024 حسب بعض التقديرات، هل تعتقد أن هذه الأرقام مبنية على فنجان قهوة، وخواطر ساعات العصارى والإلهام الذى ينزل علينا ونحن نترقب تعديلًا وزارياً، أو نتنبأ بنتيجة مباراة كرة قدم، أم أن هناك دراسات وتحليل بيانات، واستشرافاً للمستقبل يتوقعه البعض لبناء عالم بديل؟.. والسؤال الأهم: هل سنقف كثيرًا عند عبارة الجبرتى، ونقول مثله إنها أشياء لا تستوعبها عقولنا؟!!

- فى النهاية.. يمكنك أن تعيش فى عالم افتراضى تم التخطيط له مسبقاً، أو كونه طفرة علمية طبيعية للذكاء الاصطناعى، ولكنك ستعيش وقتها سجينًا فى عالم من الوهم، سواء أكنت تسكن قصراً، أم حفرة فى باطن الأرض، وقتها ستعيش حياة ليست بحياة، ستكون دمية فى لعبة فيديو، ستتنازل فيها عن كونك إنسانًا.

- ختاماً.. الطبيعة وحدها والحقيقة التى تعيشها– أياً كان واقعها– وفطرة الله التى خلق الناس عليها، هى الملجأ وطوق النجاة من هذا السجن أو الكابوس ثلاثى الأوهام والأبعاد.

[email protected]